الحديث عن انقراض فيس بوك ليس جديدا، الشبكة الاجتماعية الأوسع على الإطلاق صدرت بالفعل عدة تقارير قبل حوالى ثلاثة أعوام تؤكد أنها فى طريقها إلى الانقراض لأنها شبكة ضخمة كديناصور يعيش فى عالم يتجه نحو الأجهزة المحمولة، ورغم كل محاولات الاهتمام بالهاتف المحمول يظل الموقع ضخما على عالم الهواتف البسيط السهل الذى يعجب أصحابه بتطبيقات صغيرة مثل إنستجرام وواتس آب، وهى المرحلة الحرجة التى تغلب عليها فيس بوك بشراء تلك التطبيقات بمليارات الدولارات ليهرب من الانقراض.. ولكن الأمر الآن يأخذ منحنى أخطر.
"هاى فايف" عبرة لـ"مارك"
دعونا نعترف بداية أن انقراض الشبكات الاجتماعية الكبرى مهما بلغت قوتها هو أمر واقع، وبالنسبة لأبناء الثمانينات فهم يعرفون جيدا كيف كان انقراض شبكة "هاى فايف" أمر يشبه المستحيل ولكنه تحقق، وهنا تبدو أسباب انقراض فيس بوك أكثر منطقية وواقعية.
مارك يتخلى عن مبادئه
العملاق الأزرق الذى صممه الشاب "مارك زوكربرج" فى بدايته لم يكن يهتم بأى شىء على الإطلاق سوى استمتاع المستخدم بالتجربة التى يخوضها عليه، ومن يتابع فيلم " ذا سوشيال نتورك" الذى يحكى عن تأسيس "فيس بوك" سيشاهد المعارك التى خاضها "زوكربيرج" لمنع دخول إعلانات للموقع رغم حاجتهم الماسة لها فى ذلك الوقت، وتأكيده عشرات المرات على أهمية استمتاع المستخدمين بتجربتهم، ولكن أفكار الشاب الذى دخل عقده الثالث تغيرت بعنف خلال السنوات الماضية، وتحول الموقع إلى سمسار سخيف لا يهتم سوى بجمع الأموال أيا كانت العواقب.
"فيس بوك" يعامل المستخدمين كفئران تجارب
فيس بوك لم يعد فقط يسمح بالإعلانات، ولا حتى اكتفى بإغراق صفحات المستخدمين فى تلك الإعلانات المزعجة بأشكال مختلفة، بل حول نفسه لموقع ربحى متكامل، كل شىء عليه يتعلق بجمع الأموال، يعامل المستخدمين كفئران تجارب، كمستقبلين لمادته الإعلانية فى جانب، وفى جانب آخر يبتز كل أصحاب الصفحات ليدفعوا له لتوصيل تلك الإعلانات للمستخدمين، ففى الجانبين تحول الأمر لمأساة، كل الشباب الذين كانوا يدخلون لهذا الموقع كمستثمرين يؤسسون لصفحات ويحاولون الترويج لمنتجاتهم وأفكارهم عبر عمل جاد ومبدع يجذب الشباب أصحاب الحسابات العادية على الجانب الآخر أصبح الأمر أمامهم مغلق، ومهما قدموا أفكار رائعة وجذابة ويحتاجها الشباب لن تصل بأى شكل ما لم يدفعوا للموقع الضخم بل ويواصلون الخضوع لابتزازه الذى لا يتوقف.
أصبحت الحرية والخصوصية فى مهب الريح على "فيس بوك"
تحول فيس بوك للاهتمام بالأموال قبل أى شىء، وعرض المحتوى المدفوع له بغض النظر عن جودته ليس هو الأزمة الوحيدة التى حولت الموقع الآن وتجربة البقاء عليه لتجربة مملة، ولكن يضاف لهذا أن المساحة الأكبر من فيس بوك كانت مساحة الحرية التى يستغلها الشباب، ومؤخرا لم تعد تلك المساحة مكفولة، فعلى "فيس بوك" يتواجد أفراد العائلة، أساتذتك لو كنت طالب فى المدرسة أو الجامعة، رؤسائك فى العمل، جيرانك، وبالتالى لم يعد أحد يتمكن من كتابة ما يشعر به ببساطة أو يشارك صوره دون قلق، لاحظ هذا فى الفتيات اللاتى يشاركن صورا على إنستجرام بشكل، بينما صورهن على فيس بوك لها شكل آخر، الشباب الذين يستخدمون تويتر للتدوين ويبتعدون عن مساحة فيس بوك، سناب شات الذى ينمو بشكل غير مسبوق لأنه يسمح بحرية ويمسح ما تنشره عليه بعد أن يراه المستخدمون فورا، صفحة فيس بوك تحولت لصفحة مملة، تحمل الأحداث الهامة فقط، الترقية فى العمل، صورة التخرج، بعض الأخبار، آراء سياسية عميقة، مساحة رسمية مملة وباهتة لا تحمل متعة لأى أحد.
ضخامة "فيس بوك" تؤكد بلا شك اقتراب نهايته
فيس بوك أنفق مئات المليارات لتطوير تواجده على الهواتف المحمولة، وقدم كل ما هو ممكن لتنمية شبكته ومساحته ولكنه ببساطة أغفل المحتوى، صفحة المستخدمين على فيس بوك لم يعد بها ما يثير أو يبهر، الشبكة العملاقة تسبح فى الأموال ولا تتوقف عن طلب المزيد بكل فجاجة و"نطاعة"، من يجرب إنشاء صفحة سيكتشف أن طلبها للأموال لا يتوقف، وتعاملاتها المادية مقذذة لدرجة أصبحت لا توصف، ضخامة فيس بوك تؤكد بلا شك على اقتراب نهايته، واتجاهها نحو الانقراض ليس مستبعدا، وربما فى وقت وقت قريب لا يتبقى لنا منها سوى التطبيقات التى اشترتها مؤخرا كـ"واتس آب" و"إنستجرام".