فى حكم مهم، أكدت محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية الدائرة الأولى بالبحيرة، برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة، أن المشرع انتهج التفرقة بين الغلق الإدارى فى حالات فتح أو إنشاء أو إدارة مؤسسة صيدلية بدون ترخيص وجعله بيد الجهة الإدارية، وبين الغلق القضائى لها إذ لم يجعل للمحافظين ثمة اختصاص فى حالات ارتكاب إحدى الجرائم الصيدلية بشأن غلق المؤسسات الصيدلية، وإنما أوكل ذلك إلى القضاء الجنائى، لافتا إلى أن تدخل المحافظين فى إصدار قرارات بغلق الصيدليات فى الجرائم الموكل بشأنها القضاء الجنائى للبت فيها، يتعارض مع مبدأ قرينة البراءة.
وأكدت المحكمة، على أن قانون مزاولة مهنة الصيدلة صدر منذ 60 عاما، وأصبح هذا القانون عقيما عاجزا عن معايشة روح العصر، بعد أن تطورت العلوم الصيدلية، دون أن يقابلها أى تطور للقواعد المنظمة لها، مشيرة إلى تناقض القانون الذى رصد عقوبات للغرامة التى تراوح بعضها من 5 و10و20و50 ألف جنيه، بينما جرائم أخرى ليست أقل خطورة غرامة جنيهان وخمسة جنيهات وعشرة جنيهات وعشرين جنيها.
وناشدت المحكمة مجلس النواب، بتعديل قانون مزاولة مهنة الصيدلة الصادر منذ 60 عاما، لطائفة من أهم مهن المجتمع مهنة الصيدلة والدواء وأكثرها خطورة على صحة المواطنين، بعد أن راود الأمل عدة أجيال مواكبة هذا القانون للتطورات العلمية فى العلوم الصيدلية وصناعة الدواء، ليعايش روح العصر، حتى هرمت على أعتابه أجيال.
وشددت المحكمة، على مراعاة المبدأ الدستورى من وجوب أخذ رأى نقابة الصيادلة كنقابة مهنية فى مشروعات القوانين المتعلقة بها لتتحقق الغاية من الإلزام الدستورى.
وقضت المحكمة برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية المستشارين محمد حراز ووائل المغاورى نائبى رئيس مجلس الدولة، بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه الصادر من محافظ البحيرة، فيما تضمنه من غلق صيدلية الدكتور هيثم الطوخى الكائنة بمركز بدر التحرير بمحافظة البحيرة لمدة 3 أشهر، وما يترتب على ذلك من آثار وأمرت بتنفيذ الحكم بمسودته بدون إعلان وألزمت الجهة الإدارية بالمصروفات.
وقالت المحكمة، أن المشرع فرق فى مجال غلق الصيدليات بين الغلق القضائى فى حالات ارتكاب إحدى الجرائم الصيدلية، وجعله بيد القضاء الجنائى وحده وبين الغلق الإدارى فى حالات فتح أو إنشاء أو إدارة مؤسسة صيدلية بدون ترخيص، وجعله بيد الجهة الإدارية، فضلا عن العقوبة الجنائية التى يوقعها القاضى بالحبس والغرامة، ولم يشأ المشرع، أن يعقد للمحافظين ثمة اختصاص فى الجرائم الصيدلية، بشأن غلق المؤسسات الصيدلية خاصة الصيدليات، وإنما أوكل ذلك إلى القضاء الجنائى، بحسبان أن الجرائم الخاصة بالمؤسسات الصيدلية المنصوص عليها فى قانون مزاولة مهنة الصيدلة منوطة بالقاضى الجنائى، لا بالمحافظين، وإلا عد ذلك التدخل منهم افتئاتا على سلطة القضاء الجنائى الذى يعد ضمانة جوهرية لحق المجتمع فى الحفاظ على صحة المواطنين وحق الصيدلى، إما بإدانته ومؤسسته وإما ببراءته.
وأضافت المحكمة أن المشرع اعتبر من الجرائم الصيدلية، كل من جلب أو أنتج بقصد الإتجار أو باع أو عرض للبيع أيا من الأدوية أو المستحضرات والمستلزمات الطبية التى لم يصدر قرار من وزير الصحة باستعمالها أو بتداولها، وكل من باع أو عرض للبيع أيا من المستلزمات الطبية ذات الاستخدام الواحد، التى يصدر بتحديدها قرار من وزير الصحة، وذلك رغم سابقة استخدامها واوجب إحالة مرتكبها للقاضى الجنائى، ورصد عقوبة معينة تتمثل فى أن يعاقب بغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه، ولا تجاوز 50 ألف جنيه، فإذا وقعت الجريمة من صاحب مؤسسة صيدلية أو المنوط به إدارتها يحكم فضلاً عن العقوبة المشار إليها بالغلق مدة لا تقل عن 3 أشهر، ولا تزيد عن سنة، وفى حالة العودة يضاعف الحدان الأدنى والأقصى للغرامة والغلق المنصوص عليهما في هذه المادة، ومن ثم فإن تدخل المحافظين فى إصدار قرارات بغلق الصيدليات فى الجرائم الموكل بشأنها القضاء الجنائى للبت فيها بحكم الغلق، يتعارض مع مبدأ قرينة البراءة ، وهو حق أصيل يدخل ضمن أحد أهم ضمانات الحرية الشخصية للمتهم ، فإذا ما صدر قرار الغلق من المحافظ عد ذلك القرار اغتصابا لسلطة القضاء الجنائى، وتغولا على اختصاصاته المقررة له فى الدستور والقانون.
وذكرت المحكمة، أنه لا يجوز الاحتجاج للمحافظين فى غلق المؤسسات الصيدلية، فى حالات ارتكاب إحدى الجرائم الصيدلية، على نحو ما تقدم الاستناد إلى القانون رقم 453 لسنة 1954 بشأن المحال الصناعية والتجارية وغيرها من المحال المقلقة للراحة والمضرة بالصحة والخطرة، والمشار إليه فى ديباجة القرار المطعون فيه، إذ أن المحال الواردة طبقا للجدول الملحق بهذا القانون وردت على سبيل الحصر والتعيين، وليس على سبيل التمثال، والتبيين سواء فى القسم الأول البالغ مقدارها (116 نوع ) أو فى القسم الثانى البالغ مقدارها (80 نوع ) من المحال قد خلت جميعها من ذكر "الصيدليات"، من بينها، ومن ثم فلا يوجد سند قانونى صحيح لتدخل المحافظين بشأن الجرائم الصيدلية، إلا ما يقرره القاضى الجنائى.
وتابعت المحكمة: كما لا يمكن قياس المؤسسات الصيدلية على المؤسسات العلاجية الواردة فى هذا القانون، إذ أنه "لا مساغ للاجتهاد فى مورد النص"، طبقا للقاعدة الأصولية فى الفقه الدستورى والقانونى والإسلامى الواردة فى مجلة الأحكام العدلية، وفضلا عن ذلك فإن المؤسسات الصيدلية يسرى عليها قانون خاص بها هو القانون رقم 127 لسنة 1955 فى شأن مزاولة مهنة الصيدلة، وهو نص خاص، ومن القواعد الكلية أن الخاص يقيد العام، وبهذه المثابة فإن صدور قرار من المحافظ بغلق الصيدليات، استنادا إلى قانون المحال التجارية والصناعية، وغيرها من المحال المقلقة للراحة والمضرة بالصحة، يكون فى غير محله وسلبا لاختصاص لم يعقده له المشرع أصلا.
وأشارت المحكمة، إلى أنه تم تحرير مذكرة للعرض على محافظ البحيرة موقعة من كل من وكيل وزارة الصحة بالبحيرة ومدير عام الصيدلة، ومدير إدارة التفتيش الصيدلى، ورد بها أنه بشأن مواصلة دور التفتيش الصيدلى للتصدى للصيادلة المخالفين، قام التفتيش الصيدلى، بعمل محضر شرطة لصيدلية الدكتور هيثم الطوخى الكائنة بمركز بدر التحرير رقم 6936 لسنة 2015 جنح بدر، لارتكابه إحدى الجرائم الصيدلية عبارة عن حيازة دواء غير مسجل بوزارة الصحة، وهى إحدى الجرائم الصيدلية التى أوكل المشرع فيها الغلق لسلطة القضاء الجنائى، ومن ثم فإن المختص بغلق الصيدلية هو القضاء الجنائى، ذاته وما كان يجب على كل من مدير عام الصيدلة ومدير إدارة التفتيش الصيدلى بالبحيرة الموافقة على تحرير مذكرة إلى السيد المحافظ، ليغتصب فيها سلطة القاضى الجنائى الموكل إليه سلطة الغلق، وهى ضمانة مقررة لحق المجتمع فى الحفاظ على صحة المواطنين وحق الصيدلى الذى يمحص القضاء الجنائى ارتكابه للجريمة من عدمه، وإذ أصدر محافظ البحيرة القرار المطعون فيه متضمنا الغلق الإدارى لتلك الصيدلية لمدة 3 أشهر، حال أنها من حالات الغلق القضائى، فمن يكون القرار المطعون فيه مشوبا بعيب جسيم ينحدر به إلى درك الانعدام وهو عيب غصب سلطة القاضى الجنائى.
وذكرت المحكمة، إنه قد تلاحظ لديها من استقراء القانون رقم 127 لسنة 1955 بشأن مزاولة مهنة الصيدلة، إنه صدر منذ 60 عاما تطورت خلالها العلوم الصيدلية بمختلف فروعها نحو آفاق الإبداع والابتكار فلم تقف عجلة التقدم عند التقليد والتكرار، وتلاحقت مستحدثات جديدة على المستوى الدولى والمحلى على كافة المؤسسات الصيدلية، سواء من قبيل الصيدليات العامة أو الصيدليات الخاصة أو وسطاء الأدوية أو مخازن الأدوية أو محال الاتجار فى النباتات الطبية ومتحصلاتها الطبيعية أو مصانع المستحضرات الصيدلية الخاصة والدستورية، واستيراد الأدوية والمتحصلات، فضلا عن مستحدثات العصر، وأصبح هذا القانون عقيما عاجزا عن معايشة روح العصر، ويكفى للدلالة على ذلك ما ورد فى باب العقوبات الجنائية من تناقض، فتارة أولى تكون الغرامة فى المادة 80 منه لا تقل عن 5 آلاف جنيه، ولا تجاوز 10 آلاف جنيه، لكل من فتح أو أنشأ أو أدار مؤسسة صيدلية بدون ترخيص، وتارة ثانية تكون الغرامة فى المادة 81 منه لا تقل عن 20 ألف جنيه، ولا تجاوز 50 ألف جنيه كل من جلب أو أنتج بقصد الإتجار أو باع أو عرض للبيع أيا من الأدوية أو المستحضرات والمستلزمات الطبية التى لم يصدر قرار من وزير الصحة باستعمالها أو بتداولها، رغم أن الجريمة الأولى أكثر خطرا، وتارة ثالثة تكون العقوبة الغرامة لا تزيد على مائتى جنيه أو بالحبس، مدة لا تتجاوز سنتين بموجب المادة 78 منه لكل من زاول مهنة الصيدلة بدون ترخيص أو حصل على ترخيص بفتح مؤسسة صيدلية بطريق التحايل، أو باستعارة اسم صيدلي رغم جسامة الجريمة وخطورتها على صحة المواطنين، وتارة رابعة تكون نفس الغرامة الضئيلة بموجب المادة 79 منه لكل شخص، غير مرخص له فى مزاولة المهنة يعلن عن نفسه بأى وسيلة من وسائل النشر إذا كان من شأن ذلك أن يحمل الجمهور على الاعتقاد بأن له الحق فى مزاولة مهنة الصيدلة، وكذلك كل صيدلى يسمح لكل شخص غير مرخص له فى مزاولة مهنة الصيدلة بمزاولتها باسمه فى أية مؤسسة صيدلية، مما يعرض صحة المواطنين للخطر، وتارة خامسة تكون العقوبة الغرامة لا تقل عن 5 جنيهات، ولا تزيد عن عشرين جنيهاً لكل من البائع وصاحب المؤسسة، ومديرها فى حالة مخالفة الحظر الواقع على مخازن الأدوية أو وسطاء الأدوية أو مصانع المستحضرات الصيدلية أو محال الإتجار فى النباتات الطبية بيع أى دواء أو مستحضر صيدلى أو نبات طبى أو أى مادة كيماوية أو عرضها للبيع للجمهور أو إعطاؤها له بالمجان، أو الحظر على تلك المؤسسات تحضير أى دواء أو التوسط فى ذلك.
وتابعت المحكمة: وتارة سادسة تكون العقوبة الغرامة لا تقل عن 5 جنيهات، ولا تزيد عن 20 جنيهاً عند مخالفة مبدأ عدم جواز امتناع المؤسسات الصيدلية عن بيع الأصناف المعدة للبيع، مما يصنعون أو يستوردون أو يخزنون من المستحضرات الصيدلية أو المواد الدوائية أو المتحصلات أو النباتات الطبية ومتحصلاتها للهيئات أو الأشخاص المرخص لها فى ذلك طبقاً لأحكام القانون مقابل دفع الثمن المحدد لكل منها.( المادة 82 من القانون المذكور )، وتارة سابعة تكون الغرامة وفقا للمادة 83 منه لا تقل عن جنيهين ولا تزيد على عشرة جنيهات لكل مخالفة أخرى لأحكام هذا القانون أو القرارات الصادرة تنفيذاً له ولا مرية فى أن قيمة جنيهين و5 جنيهات و10 جنيهات و20 جنيها لا يصح فى الوقت الراهن أن تكون محلا لتوقيع عقوبة الغرامة خاصة فى مجال الأدوية التى تتناول صحة الإنسان فهى لم تعد تعايش العصر، ولا تحقق الغاية من تقريرالعقوبة، سواء الردع العام أو الخاص، ولا ينبغى أن ينشغل بها الجهد المضنى للقاضى الجنائى، فالنص المقرر منذ 60 عاما بحاجة إلى تعديل ليعبر عن الحاجات الأساسية للمجتمع فى هذا المجال، بعد أن زاد عدد السكان من 20 مليونا إلى ما يقترب من 100 مليون فى وقت وجيز من عمر الزمان حتى يحقق القانون هدفه الاجتماعى المنشود.
واختتمت المحكمة، أنه إزاء كل ما تقدم فإنها تناشد مجلس النواب بتعديل قانون مزاولة مهنة الصيدلة الصادر منذ 60 عاما لطائفة من أهم مهن المجتمع مهنة الصيدلة والدواء، وأكثرها خطورة على صحة جمهور مستهلكى الدواء من المرضى والأصحاء المترددين على المؤسسات الصيدلية، وكذلك النظر إلى تطوير منظومة الدواء على نحو يقضى على احتكاره، وحماية الصيادلة من الدخلاء على المهنة حفاظا على صحة المواطنين، وتغليظ العقوبات على المخالفين لتداول المستحضرات المهربة غير المسجلة فى وزارة الصحة، أيا كانت الشركة التى تملكها، وكذلك ما كشفت عنه الواقع العملى من بيع الاسم لغير صيدلى وأيضا ممارسة المهنة بما يشمل العيادات التى تبيع أدوية للمرضى والنظر كذلك إلى إنشاء وتنظيم هيئة مصرية للدواء المعمول به فى معظم الدول المتقدمة صحيًا، على نحو أصبحت معه مهنة مزاولة الصيدلة وفقا للقانون الصادر منذ ستين عاما فى خطر داهم على صحة المواطنين من ناحية وافتئاتا على حقوق الصيادلة من ناحية أخرى وقد راود عدة أجيال الأمل فى مواكبة هذا القانون للتطورات العلمية فى العلوم الصيدلية وصناعة الدواء ليعايش روح العصر، حتى هرمت على أعتاب هذا القانون أجيال، مع مراعاة المبدأ الدستورى المنصوص عليه المادة 77 من الدستور المصرى، من وجوب أخذ رأى نقابة الصيادلة كنقابة مهنية فى مشروعات القوانين المتعلقة بها لتتحقق الغاية من الإلزام الدستورى للتعبير عن حاجاتها الفعلية المشروعة.