المحاسبة والقانون هما أصل العدل والتقدم، ومع أن هذه المقولة بسيطة وينادى بها كثيرون إلا أنها عند التطبيق تواجه عراقيل ومقاومة، وإذا تحدثنا عن تشريعات أو أحكام نجد أن كل فئة تريد قانونا على مزاجها، ولهذا نرى فئات يرفضون ضرب أمثلة ببعض أمناء الشرطة ورجال الأمن ممن يرفضون الانصياع إلى القانون، ولا يريدون الخضوع لعقاب فى حال ارتكابهم أخطاء، ويبررون ذلك بأنهم يواجهون الخطر، بينما هم فى الواقع عندما يطبقون القانون ويخضعون له فهم يضاعفون من قيمة عملهم، والمجتمع يقدر تضحيات المضحين، لكنه يرفض ويستنكر مظاهر الخروج على القانون.
والمحاسبة تمنع تكرار التجاوزات، ثم إن اعتذار السلطة عن أخطاء بعض أطرافها هى خطوة، فضلا عن إيجابيتها، فهى تمثل إضافة إلى قوة الدولة وليس خصما منها، ونقصد اعتذار الحكومة ممثلة فى رئيس الوزراء ووزير الداخلية لأسرة ضحية الدرب الأحمر الذى سقط برصاص رقيب شرطة، كانا يقدمان نموذجا غير مسبوق فى السياسة الحكومية والأمنية بما يكشف عن سلوك حكومى جديد، ومن قبل هذا كان الرئيس اعتذر لمن أخطأ البعض فى حقهم.
إعلان اعتذار الحكومة أو الداخلية لا يقلل من هيبة الدولة والعكس هو الصحيح، لأنه يعنى عدم المكابرة والاعتراف بالخطأ، وهو أمر غير مسبوق ويكشف عن تحولات فى أداء السلطة لوظيفتها.
ويظهر من حالات كثيرة خلال الأشهر الماضية أن الدولة تتحرك وتتفاعل مع ما ينشر وما يدور فى الرأى العام، وهو أمر جيد ويعنى بالنسبة إلى كثيرين أن الحكومة تسمع وتتفاعل وهو أمر يعطى أملا لمن يعانون من اليأس السياسى ونظرية «مافيش فايدة»، وأن أحدا لا يسمع بينما الواقع أن الحكومة الحالية والسابقة قدمت نماذج عن الاستجابة تحتاج إلى دراسة وإلى اهتمام، بقى أن يتم ترجمة هذا الاعتذار وهذه الاستجابات إلى واقع عملى وليس فعلا موسميا أو محلولة لامتصاص الغضب وكل هذا يشير إلى تغيير، ويحتاج إلى تفاعل معه من هؤلاء الذين كانوا يقولون دائما أنه لا فائدة ولا نتيجة.
الأمر بالفعل يحتاج إلى وقفة، وأن يتم تطبيق القانون بقوة وحسم من جهة وتطوير التشريعات، ومن جهة أخرى يفترض أن يتفاعل المجتمع مع هذا ويمارس هو الآخر الرقابة والنقد فى حدود الصالح العام وليس بالمبالغة والتهويل والتبرير للغضب المجانى، هناك مؤشرات على أننا أمام سلطات تستجيب وتتحرك بناء على مطالب الجمهور، ومن أجل تعميم هذا يفترض يكون المحافظون ورؤساء الأحياء والمسؤولون هم الذين يتفاعلون وأن يقوم كل منهم بدوره ولا ينتظر تعليمات.
هناك حالات فقر أو مستشفيات وخدمات ناقصة لا يفترض أن ينتظر المحافظ تعليمات ويتحرك بنفسه ليحل الأزمات حتى لو كانت فردية، وأن يستجيب المحافظون للتفاعل مع المواطنين، ويواجهوا التجاوزات ولا يتركوا مشكلة تكبر ساعتها سيكون هناك بالفعل تحركات قوية تفيد، وتخدم التغيير الذى هو ليس بالكلام وإنما بالفعل.