*غياب التنسيق بين أجهزة الأمن الأفريقية أفقدنا القدرة على محاربة الإرهاب
*بعض الدول الأفريقية تحسن علاقتها بإسرائيل لتحصل على مكاسب من الغرب
*إنفصال الكنيسة الأثيوبية عن المصرية سياسى وليس دينى والنظام الأثيوبى يمثل 7% فقط من الشعب
*السودان تستخدم "حلايب وشلاتين" لإلهاء شعبها عن الأزمة الاقتصادية
* بعض الفصائل تتهم الوفود المصرية التى تذهب لأثيوبيا بالخيانة
*السيسى أقوى رئيس فى أفريقيا يليه موجابى وزوما وبوتفليقة
منحنى خطير فى العلاقات المصرية الأفريقية، تدخل فيه مصر الأن التى تحاول استعادة مكانتها فى القارة السمراء، وسط تأجج الخلافات بين أم الدنيا وإثيوبيا بسبب قضية سد النهضة من ناحية، وعرض مشاريع خيالية من بعض الخبراء لتهدئة الرأى العام من ناحية آخرى، وفوق كل ذلك تخرج علينا كل يوم تصريحات واتهامات للوفود المصرية التى تذهب إلى أديس أبابا بالكفاءة وأحياناً الخيانة.. الأمر الذى استدعى الرجوع لأحد أقدم الدبلوسايين خبير العلاقات المصرية الأفريقية الدكتور السفير "أحمد حجاج"، رئيس جمعية الصحفيين الأفريقيين، والذى وضع تحليلا شاملا للمشهد فى أفريقيا، وقدم روشته للخروج من الأزمة، فإلى الحوار..
بينما غابت مصر عن المشهد السياسى على مدار 3 عقود كانت إسرائيل تسعى بجهد للدخول إلى بعض الدول الأفريقية.. إلى أى مدى نجحت إسرائيل فى ذلك، ولماذا تساعدها بعض الحكومات الأفريقية فى هدفها؟
كل الدول الأفريقية تعلم أنه حينما تقوم بتحسين علاقاتها مع إسرائيل ستحصل على مكاسب من الغرب، وبالتالى لن يوافق الكونجرس على العقوبات ولن تقوم الأمم المتحدة بتكدير قياداتها كل يوم والثانى، لذا استطاعت إسرائيل القيام بهذه المهمة بنجاح.
توغل الجمعات الإرهابية فى إفريقيا، خاصة تلك التى ترفع شعار الدفاع عن الدين الإسلامى كذباً، لماذا انتشرت هذه التنظيمات فى القارة السمراء فى فترة قصيرة؟
أفريقيا لم تكن تشتهر بالجماعات الإرهابية وإنما بالنزاعات بين الدول على الحدو والموارد، أو بين القبائل، والإرهاب انتشر فى إفريقيا خلال الـ20 سنة الأخيرة، من بعد نسف السفارتين الأمريكيتين فى نيروبى وتانزانيا، وبعد ذلك ظهر جيش الرب المسيحى، وهو يستخدم اسم المسيحين، وهو موجود فى أوغندا، ويرتكب جرائم أفظع من داعش ولكن لا ينتبه إليه أحد لأنه لا يحمل الديانة الإسلامية، ولا أريد أن يتهمنى أحد بالعنصرية فأنا رجل وسطى جدا ومحب للمسيحية، ولكنى اتحدث عما يركز عليه الإعلام، ويحيطه غموض كبير، انتشرت بعد ذلك بوكو حرام والشباب، وأغلب الحركات قادتهم ليسوا جزءاً من الثقافة الأفريقية، ومعظم قادتهم من الصوماليين الذين عاشوا فى السويد والدول الغربية وتم تدريبهم فى معسكرات خاصة، وعادوا مشبعين بالأفكار الإرهابية، واستغلوا الفوضى الموجودة فى الصومال، وهناك جماعات أيضاً بالكونغو، وهناك داعش أيضاً، وهناك جماعات تدعى انتمائها للقاعدة وداعش، وخاصة فى النيجر والجزائر.
لماذا لم تحارب المنظمات الأفريقية الدولية انتشار هذه الجماعات وتتصدى لها؟
الاتحاد الإفريقى لم يكن مدركاً لضرورة محاربة الإرهاب وفض التجمعات الإرهابية، وهو المنظمة الدولية الوحيدة التى لا تملك جهاز أمنى، على غرار الأمم المتحدة، التى يمد مخابراتها رئيس المنظمة بتقارير سرية عن العالم كله، ولكن أجهزة الأمن الإفريقية ليس بينهم تعاون مؤسسى.
كيف تقيم وقد كنت سفيرا فى مصر بكينيا لعدة سنوات، العلاقات المصرية الأفريقية فى الوقت الحالى؟
اهتمام الرأى العام المصرى بإفريقيا ضعيف على عكس اهتمامنا مثلا بالقضية الفلسطينية أو أمن سيناء، والمسئولون المصريون لا يفضلون إرسال ولو 100 مليون دولار معونات إلى القارة السمراء، والسؤال هو: كيف نرغب فى نشر نفوذك فى أفريقيا بدون أن تنفق ملايين، وتقدم شيئاً فى المقابل لهذه الدول لتجذبهم إليك؟.
على عكس أوروبا، التى تهتم بأصغر دولة إفريقية، وخاصة المملكة المتحدة وفرنسا بحكم الاستعمار، وحتى النرويج، تتضامن مع إثيوبيا من خلال الكنيسة المسيحية، لدرجة أن الكنائس فى إثيوبيا تنافس الأن الكنائس الأرثوذكسية فى مصر، وذلك لأن كنائسها كبيرة ونظيفة وتعطى مرتبات كبيرة، وبدأت إثيوبيا تجذب المزيد من الإثيوبيين المسيحيين، وأيام عبد الناصر، كانت الكنيسة الإثيوبية تتبع الكنيسة المصرية، ولكنهم فصلوها، لأنهم شعروا أنه من الناحية السياسية فأن إثيوبيا لا تقل أهمية عن مصر، وأنه من الخطر أن يتم تعيين بطريرك الكنيسة الإثيوبية بأمر من الكنيسة المصرية، لذا كان انفصالها إنفصال سياسى أكثر من إنفصال دينى.
على النقيض هناك الكنيسة الإرتيرية الأرثوذكسية، فهى لأسباب سياسية نظراً لتنافسها مع الكنيسة الإثيوبية لازالت على ولائها لمصر، فالدين فى أفريقيا وطنى، وخاصة الإسلام.
وهل تقوم الكنيسة المصرية بدور كبير حالياً فى إفريقيا؟
نعم بالطبع، فهى مثل الأزهر تماماً، وحتى الآن لازالت تنشأ كنائس فى إفريقيا، وبدأت فى الدخول بقوة على كينيا، وتانزانيا، كما ترسل تبرعات للكنائس الآخرى، وهى عضو فى مجلس الكنائس العالمى، ومجلس الكنائس الإفريقى.
مثلث الدول الثلاثة مصر..السودان وإثيوبيا وقضية سد النهضة، كيف يمكن فرض النفوذ المصرى على ذلك المثلث المتشابك؟
علينا أن نعترف بأن مصر استبعدت الحل العسكرى فى حل قضية سد النهضة، لذا فليس هناك طريق أمامنا إلا التفاوض، وهناك اتجاه فى إثيوبيا لاستبعاد المفاوض المصرى، وتتمنى لو أعلنت مصر خروجها وقتها ستكون سعيدة جداً، لان مصر هى التى ستكون رفضت، وتظهر إثيوبيا بمظهر الدولة التى تلتزم بالمبادئ، وتستكمل بناء السد دون أن يستطيع أحد منعها، لذا على مصر أن تستمر وتحارب محاولات إبعادها، وأنا حزين جداً من أن هناك بعض الفصائل التى تتهم الوفود المصرية التى تذهب لأثيوبيا بالخيانة، عدم الكفاءة شىء والعمالة شىء آخر تماماً، بالرغم من أننى استشعر فعلا نقصان الناحية السياسية فى الوفود التى يتم إرسالها، وأرى أن خطوة ضم وزارة الخارجية للمفاوضات خطوة جيدة جداً.
والسودان؟
بالنسبة للسودان، فهناك جانبين فى السودان، الأول يرى أن مصلحة السودان مع بناء السد فى إثيوبيا سيخدم السودان وأن هذا سيحمى الخرطوم من الفيضانات التى تتعرض لها كل عام، فالسودان ليس لديه مشكله فى تدفق المياة، على العكس فإن ذلك السد من وجهة نظرهم سينظم المياة طوال العام وسيتمكنوا من رى مساحات أكثر.
وهناك فريق ثانى، يقول أنه يجب الاحتفاظ بالعلاقات التاريخية مع مصر، وأن هذه هى العلاقات الموجودة منذ سنوات، خاصة وأن "محمد على" هو من خلق السودان، وحتى الآن هناك أروقة بإسم ولايات سودانية على أبواب الأزهر، حتى قام الإنجليز بقطع الصلة بين مصر والسودان، ومعظم السودانيين تعلموا فى مصر، خاصة وأن النظام الإثيوبى يمثل 7% فقط، ومن المحتمل الإطاحة به، بينما تمثل قبائل الأورومو المعارضة 35%، ولازالوا مهمشين حتى الآن.
ماذا عن الدول الأفريقية الآخرى؟
الحدود الموجودة ما بين الدول الأفريقية ما هى إلا خطوط رسمها الاستعمار، حتى يكون الولاء فى أفريقيا للقبيلة أكثر منه للدولة، حتى حركات التحرير كانت تمثل قبائل كبيرة، أول ما وصلت للسلطة استأثرت بها، لذا يجب على مصر كسب شعبية فى هذه القابائل أولا، إذا أرادت العودة لعلاقاتها القوية فى القارة السمراء.
حديث السودان عن حلايب وشلاتين، وزعمها أحقيتها بها، ما السبب فى خروج تصريحات مماثلة الآن.. وهل تلك التصريحات وسيلة سودانية أثيوبية للضغط على مصر بشكل غير مباشر؟
أغلب الظن، أن السودان تطلق هذه التصريحات الآن لأنها تمر بأزمة اقتصادية داخلية بعد توقف بترول جنوب السودان، وتريد إلهاء شعبها بتصريحات رنانة، وعلى عكس قناعة السودانيين أنفسهم فأن إثيوبيا لا تستطيع إشعال مشاكل فى دارفور، وكانت "دارفور" مستقلة حتى عام 1915، وبعد ذلك أصبحت جزء من الدولة المصرية، وهناك مدارس ومبانى لازالت تحمل أسماء مصرية حتى الآن، حتى أن ثقفاتهم ورقصهم، تشبه ملابس واستعراضات الفراعنة القدماء إلى حد كبير، ولكننا ضيعنا كل ذلك بعدما أهملنا التعليم فى أفريقيا فى الـ30 سنة الأخيرة.
ربط نهر النيل بنهر الكونغو.. والتصريحات حول تأمين ذلك لمصر مائياً، ما هو حقيقته وهل يمكن أن تسمح الكونغو بذلك؟
لا طبعاً، فهذا المشروع خيالى ولا أساس له..ولا يمكن تنفيذه، كما أننا لم نستأذن الدول التى سيمر فيها، وهى السودان وجنوب السودان والكونغو، والحديث عن ذلك فى وسائل الإعلام سيجعل ذلك إثيوبيا تقول" مصر لديها موارد مائية كثيرة، ولا يمكنها الاعتراض على بناء سد النهضة، أو مضايقة إثيوبيا، وهذا شىء خطير جداً ولا يمكن تنفيذه، وحتى إذا تم عمله، ستضع مصر أمنها المائى تحت ضرس الثلاثة الدول التى يمر بها النهر بدلا من دولة واحدة، وسيكون بمقدور الكونغو أن تعطش مصر فى أى وقت وتضعها فى خطر قومى، كما أنه من الناحية العملية مكلف جداً، وسيضعنا تحت رحمة أى نظام معارض لمصر يتولى شئون الكونغو.
ماذا عن التنسيق المائى بين السد العالى وسد إنجا؟
هذا موجود فعلا، وأكبر مياة تسقط فى العالم تسقط فى سد أنجا، ووقت إنشاؤه، اتفق الجانبان المصرى والكونغولى بالتعاون مع السودان على توليد الكهرباء من السد كطاقة نظيفة، وتوريدها إلى أوروبا، وبناء مشروعات عملاقة عليه، وقمنا بعمل دراسة جدوى وقتها بـ10 ملايين دولار، ولكن للأسف تم الردم على هذه المشاريع، بسبب عدم وجود إرادة سياسية، وعلى الجانب الآخر أخذت جنوب أفريقيا نفس المشروع وعرضت تنفيذه على أوروبا، وقالت بدلا من أن نأخذ الكهرباء شمالا سنرسلها جنوباً، وخرجت مصر من الحسبة.
لماذا لا تتجه العمالة المصرية إلى التوغل فى المجتمع الإفريقى مثلما يحدث فى الدول الخليجية على سبيل المثال؟
المصريون لا يحبون العمل فى أفريقيا يقبلون عقد عمل بنصف الثمن فى الخليج ولا يحبون الذهاب لأفريقيا، وهذه العقلية تسبب فى عدم وجود تواجد مصرى ناعم فى أفريقيا، يستطيع تشكيل قوة شعبية لصالح مصر.
وهل يمكن تشكيل لوبى إفريقى دبولماسى لدعم مصر فى سد النهضة؟
لا أنصح بعدم عرض المشكلة بينا وبين إثيوبيا على الاتحاد الإفريقى، فمعظم الدول الإفريقية لن تؤيد مصر ولا إثيوبيا وستطالب البلدين بحل المشكلة فيما بينهما، ولو رفعنا القضية لمجلس الأمن سيطلب أيضاً حل المشكلة بالتفاوض، وكثير من الإثيوبيين حينما يأتون مصر ويرون الحضارة والمطاعم والفنادق والبواخر النيلية، يقولون أن هذا بسبب المياة التى تحرم مصر منها إثيوبيا، حتى المربيات الإثيوبيات حينما يتشاجرن مع ربة عملهم يقولون لهم، سأرجع إلى بلدى وأقول لها أن تقطع المياة عن مصر، ستفتحوا الحنفية غداً ولن تجدوا مياة، فالإثيوبيين مقتنعون بأن مصر تحصل على الجزء الأكبر من المياة الإثيوبية، مع أن إثيوبيا لا تحتاج إلى منع مياة نهر النيل، فهى تملك نهر النيل الأزرق، وهو أحد مصادر مياهها الكبرى، فلماذا تصر على إقامة أكبر سد على نهر النيل لا أعرف.
ماذا عن تمويل السد، فى رأيك ما هى الدول التى تقف وراء هذا المشروع وهل إسرائيل واحدة منها؟
استبعد إسرائيل.. ولكنى أخشى أن يكون تمويل سد النهضة قطرى تركى، فقطر قد تفعل ذلك حتى "تعكنن" على مصر، وتركيا عملت اتفاق عسكرى مع إثيوبيا لتدريب الجيش الإثيوبى فلا مانع من أن تمول السد أيضاً، لتفرض سيطرة أكبر عليها.
على الجانب الآخر، مصر نجحت فى منع أى تمويل صينى من التوجه لتمويل السد، بالرغم من أن بكين تمول عدة مشاريع للسدود فى إفريقيا، وإسرائيل تساعد إثيوبيا فى المشاريع الزراعية، ومشاريع الرى.
المحكمة الجنائية الدولية هل هى أداة ضغط على الدول الإفريقية، وهل سنرى اليوم الذى تخرج دول الاتحاد الإفريقى منها بالكامل ؟
الغرب يستغل المحكمة الدولية لصالحه، وعندما تم توجيه التهم إلى رئيس كينيا الدولية وجاكوب زوما رئيس جنوب أفريقيا، ومن قبلهم البشر، استرعى ذلك تلويح دول الاتحاد الأفريقى باحتمال الانسحاب الجماعى منها، ولكنى لا اعتقد أن ذلك سيحدث فعلا.
من هم أقوى 5 رؤساء موجودين فى أفريقيا حالياً؟
السيسى طبعاً ومن بعده موجابى ثم جاكوب زوما وعبد العزيز بوتفليقة واخيراً عمر البشير.
أخيراً.. كيف يمكن لمصر أن تعمق علاقاتها الإفريقية فى الفترة المقبلة؟
بداية علينا مراعاة الجانب الاجتماعى ومعايدة مصر لكل دولة فى أعيادها، ومن الايجابى حضور السيسى لعدة اجتماعات إفريقية مؤخراً، فالدول الإفريقية تقيس حجم الدولة بمدى انشغال قادتها بالبعد الإفريقى، ويجب علينا إنشاء قمر صناعى إفريقى، واستغلال نجاح قمة الكوميسا، التى كانت من أهم القمم المصرية الإفريقية على الإطلاق، كما أن إنضمام مصر إلى الكوميسا جعل صادراتنا تتضاعف أكثر من 5 مرات فى إفريقيا، فالاقتصاد المصرى هو الذى يقود قاطرة التنمية فى إفريقيا، ويجب ألا تتدخل الحكومة بوسائلها البيروقراطية فى تعطيل هذه المسيرة.