وزير الثقافة الجزائرى لـ"انفراد": مصر فى قلوب الجزائريين ومشاركتنا فى معرض القاهرة شرف كبير.. عز الدين ميهوبى: لا يمكن القضاء على الإرهاب إلا بثورة ثقافية وتعليمية تجدد خطابنا الدينى والثقافى

- الثقافة هى العروة الوثقى والقاعدة الصلبة لأى مشروع ناجح - المشهد الثقافى فى الوطن العربى يتأثر بالأوضاع التى تشهدها الأمة - النخب فشلت فى تطبيق الأفكار والنظريات على أرض الواقع - الحالة الملتبسة لدى المثقف أوقعت النخبة فى تسويق خطاب عدائى ومتواطئ - كرة القدم تحولت إلى ثقافة اجتماعية بامتياز وأمريكا اللاتينية تلعبها بمنطق الشعر - من تربى فى قيم الجمال والخير والمحبة لا يمكنه أن يصير متطرفا - على العرب أن ينخرطوا بسرعة فى الثورة الرقمية والمعلوماتية إذا أرادوا أن يبقوا فى ركب التاريخ - اتحادات الكتاب العربية تعجز عن مواكبة التغيرات - نستعين بخبراء أثريين فى مصر للبحث فى أسرار أهرامات الأجدار القريبة من تيارت غرب العاصمة الجزائر - تأثرت بنجيب محفوظ وأحمد شوقى وتوفيق الحكيم ويوسف إدريس ومحمود تيمور - الجزائر ستكرم كتابا مصريين ساندوا الثورة خلال معرض القاهرة للكتاب عن دور الثقافة فى مواجهة الإرهاب والتطرف الذى نعانى منه جميعا، وعن مصر والجزائر والعلاقات بينهما، وعن تاريخ ما يجمع الشعبين وعما ينتظرهما من أحلام، وعن أزمات العالم العربى وكيفية مواجهتها، كان اللقاء مع عز الدين ميهوبى وزير الثقافة الجزائرى، خاصة أن الجزائر ستحل ضيف شرف معرض القاهرة الدولى للكتاب بدورته الـ 49. كيف تقرأ المشهد الثقافى العربى فى ظل الحراك الذى تعيشه الأمة فى السنوات الأخيرة؟ وإلى أى مدى أثرت الحساسيات السياسية على الثقافة والمثقف؟ لا شك أنّ المشهد الثقافى العربى يتأثر بالأوضاع التى تعيشها الأمة، وليس أدل على ذلك من التحولات السياسية والاجتماعية التى عرفتها الكثير من البلدان العربية فى السنوات الأخيرة، ومن هنا فمن الطبيعى أن يواكب الخطاب الثقافى ما يحدث، وأن يجدد أدواته ومفاهيمه، ويطور أداءه، وهذا لا يتأتى إلا بمراجعة جذرية للأسس التى بنى عليها، والتى شكلت لفترة طويلة إشكالات ما يسمى بالنهضة ثم الحداثة وما بعدها، بفعل التعثرات الكثيرة فى تحقيق طموحات الشعوب العربية وتراجع سقف الأحلام الكبيرة التى رافقت مراحل التحرر من الاستعمار وبناء هذه الدول بعد الاستقلال، ويجدر بالخطاب الثقافى أن يرصد مكامن الداء وأسباب الفشل ويبدأ المثقف بالنقد الذاتى أولا، ذلك أن النخب فى أغلب البلدان العربية لم تنجح فى تحويل الأفكار والنظريات والخطابات إلى ممارسات تتجسد فى الواقع، وتحقق التحول المرغوب، إذ كانت هناك دائما قطيعة بين النظرية والممارسة وهذا ربما بفعل تراكمات تاريخية، واستعمارات طويلة، وسيادة البنية التقليدية عموما والخوف من الجديد، مما جعل طروحات الحداثة والعصرنة تفشل أمام جيوش التخلف المنادية بالتقوقع فى ماض مقطوع عن سياقه ومحصور فى تصورات بالية لا يمكن أن تشكل أسسا لانطلاقة حقيقية، ربما نختزلها فى عجز أجيال متتالية، منذ سقوط غرناطة وما بعدها، عن فكى شفرة المستقبل فانكفأت فى الماضى تبحث عن حلول مستحيلة فى عالم متغير. وما تعيشه الأمة العربية الإسلامية من مخاضات مجهضة، وتقلبات مفاجئة، وتمزقات إيديولوجية وطائفية ودينية، يعكس خيبتنا فى تأسيس دولة مدينة، تكفل الحقوق الكاملة للمواطن، وتنبنى على أساس المواطنة لا انطلاقا من تصورات بالية انتهت فى عرف كل الدول. إن العودة إلى تأجيج الحساسيات المرتبطة بالقبيلة فى بعدها الضيق وسطوة الأحزاب الشمولية التى لا تختلف عن المنطق القبلى، يظهر عدم نجاحنا فى بناء خطاب يؤسس لانخراط كامل فى موكب التقدم والحضارة، إذ كلما تم التضييق على الحريات والتقوقع فى الانتماءات الضيقة كلما اندفعنا إلى التقاتل بشراسة واستخدام سيء لمفاهيم مثل الهوية والدين والانتماء، رغم إدراكنا لخصوصية كثير من المجتمعات التى أخذت مسارات مختلفة فى التنمية والتطور. وكل هذه الأعراض التى نراها هى تعبير عن مرض واحد وعميق هو - كما سبق أن قلت - عدم قدرة العربى المسلم الانخراط فى أسئلة عصرية وراهنة والانطلاق بشجاعة نحو المستقبل، وذلك لا يتم إلا بحسم نهائى لمآزق الهوية والدين والدولة والتاريخ والانتماء وإعادة تأويلها بما يتناسب مع ما تتجه إليه الشعوب الأخرى من مفاهيم وتصورات بديلة، ترتبط بالعيش المشترك والحق فى الاختلاف، والتسامح والحرية. ولا ريب أن هذه الوضعية الملتبسة أثرت كثيرا فى المثقف وأدائه، بل حتى لدى المثقف نجد هذه الحالة الملتبسة التى أوقعت الكثير من النخبة فى تسويق خطاب عدائى، أحيانا متواطئ، لكل ما هو جديد أو تحميل خطاباتهم بسموم الهوية والانغلاق، وخدمة أجندات ليست فى صالح الشعوب، أو الامحاء السلبى دون التعبير عن موقف والتزام. هل قام المثقف العربى بدوره على أكمل وجه فى هذه المرحلة؟ إن الصورة القاتمة للعالم العربى، والوضعية المؤلمة لكثير من البلدان التى نراها تنهار أمامنا أو هى فى طريقها إلى الانهيار لا تجعلنا نحمل المثقف وحده مسؤولية ما يحدث، لكن يجدر الكلام عن النخب لأن هذا المفهوم الأخير يتضمن مرونة أكبر إذ يمكن أن يتسع ليضم ما يسمّى: الأنتلجانسيا، أى الكفاءات والمهارات التى تشكل العقول المفكرة والمسيرة لبلد من البلدان، ذلك لأن كلمة مثقف تم تعويمها وارتبطت بترسّبات أيديولوجية على علاقة بالصراع بين المعسكر الشرقى والغربى فى فترة الحرب الباردة. الأولى هو الحديث الآن عن الفاعلين الاجتماعيين بمختلف أنواعهم. ذلك لأن الدور المنوط بالمثقف فى الماضى لم يعد بالإمكان تحمله، وتحميله بُعدًا رسوليًا صار صعبا. ما يجب أن نركز عليه هو ضرورة أن ينتصر المثقف للقيم الإنسانية، ويناضل من أجل تحقيق هذه القيم بعيدًا عن التضييق والإكراه، وهو مُطالب ربما أكثر من الآخرين أن يزرع مفاهيم الحرية والمواطنة والعدالة والاختلاف، والانفتاح على الآخر والتسامح والعيش المشترك، والانتصار للمبادئ التى أجمعت عليها الأمم، والمحاربة من أجل الحق فى التقدّم الذى تصادره بعض القوى ذات الفكر الإقصائى المغلق، أو التى تقع تحت وطأة الفكر الظلامى الرافض للحوار. ولا شكّ أن المثقف العربى قام بهذا الدور لفترات طويلة، لكن كان دائما مواجَها بعراقيل ومتاريس تؤكد صعوبة مهمته، فى عالم عربى إسلامى مازال محكوما بسياجات دوغمائية كثيرة، تبقيه أسير تصورات بالية عن العالم لا تسمح له أن يتقدم، وربّما هذا ما يفسّر هجرة كثير من العقول والنخب إلى الغرب خاصة. ستكون الجزائر ضيف شرف معرض القاهرة للكتاب.. ماذا حضرتم للمشاركة؟ وأى الأسماء ستراهن عليها وزارة الثقافة؟ إنّه لشرف كبير للجزائر أن تكون ضيف شرف معرض القاهرة الدّولى للكتاب وهذا يتجاوز كونه رد للجميل من أشقائنا فى مصر بعد أن كانت مصر ضيف شرف معرض الجزائر الدولى للكتاب سنة 2016، ولا شك أن هذا النوع من المبادرات هو الكفيل بتقوية الأواصر بين البلدان العربية، والتعريف الأحسن بما تزخر به ثقافة كل بلد، وكما تعلم فإن مكانة مصر مكينة فى قلوب الجزائريين، إذ تكفى الإشارة إلى التكريم الذى خصّ به السيد رئيس الجمهوريّة عبد العزيز بوتفليقة منذ أيّام الفنان المصرى الكبير محمّد فوزى ملحّن النشيد الوطنى الجزائرى "قسمًا" بمنحه وسام الاستحقاق الوطنى وإطلاق اسمه على المعهد الوطنى العالى للموسيقى عرفانا من الشعب الجزائرى تجاه هذا الفنان العبقرى الذى منح الجزائر ثورة ودولة أجمل وأقوى لحن لنشيد وطنى فى العالم. كما أن مصر كانت مركز إشعاع ثقافى وأدبى وحضارى طيلة قرون ولا زالت، وساهمت بنصيب وافر فيما حققته الحضارة الإسلامية ثم كانت أيضا فى العصر الحديث منطلقا للنهضة العربية، ومصدرا للحداثة، بفضل أعلامها ومثقفيها وفنانيها وعلمائها إذ منها بدأ عصر التنوير العربى الإسلامي. وكانت جامعتها العريقة، محجا لطلاب العلم من كل الأرجاء، ولا أحد ينكر فضلها على الثقافة العربية. ونحن حضّرنا ما يتناسب مع هذه الضيافة الكريمة، إذ ستحضر الجزائر بكتابها المهمّين ومثقّفيها الكبار فى هذا المعرض، من خلال المعارض التى تشارك فيها دور النشر الجزائرية المختلفة، والنشاطات التى سنحاول من خلالها أن ننقل بعض ما يميّز الثقافة الجزائرية من غنى وتنوع كى يتعرف أشقاؤنا فى مصر على الكثير من الإنجازات والتحولات فى حقول الثقافة والتى نعرف أنه بحكم نقص التواصل، وغياب الترويج فإنّ الكثير من المصريين والعرب لا يعرفونه عن الجزائر، كما سنسعى إلى تكريم المثقفين والمفكرين والفنانين المصريين الذين أعطوا للجزائر مكانة خاصة فى إبداعاتهم وفى مواقفهم، خاصة من أولئك الرّوّاد الذين ساندوا الثورة الجزائرية، وساهموا معنا فى بناء جزائر ما بعد الاستقلال، والكثير منهم أقام وعمل بالجزائر، كما سنركّز فى نشاطاتنا على إضاءة الكثير من الجوانب التى عرفتها العلاقات السياسية والثقافية بين الجزائر ومصر وتجليات هذه العلاقات فى كل ما له ارتباط بالإبداع والفن والفكر. فاق عدد الزوار فى معرض الجزائر المليون ونصف مليون.. هل يعكس هذا الرقم نسبة المقروئية الفعلية فى الجزائر؟ وأين تصنفون معرض الجزائر مقارنة بالمعارض العربية الأخرى وفى مقدمتها معرض القاهرة؟ بعيدًا عن أى مفاضلة.. فإن معرض الجزائر للكتاب يعرف كل سنة تطورا وتحسنا، وهو من أكثر المعارض فى العالم العربى وفى المحيط الإقليمى المتوسطى والأفريقى جلبا للزوار وللناشرين، كما تعرف نشاطاته الثقافية تنوعا كبيرا وحضورا لأسماء من مختلف مناطق العالم، وهو يرسخ باستمرار أبعاد انتمائنا الحضارى العربى الإسلامى المتوسطى والأفريقى. ولاشك أن الإقبال الكبير للزوار يعكس مكانة الكتاب عند المواطن الجزائرى، ورغبته فى الحصول على الجديد، والتواصل مع الكتاب والمبدعين الذين يحبهم. ونحن كوزارة للثقافة نضع ضمن أولوياتنا تشجيع الكتاب والمطالعة العمومية، عبر كل البرامج التى وضعتها الوزراة، أما عن مكانة المعرض بين المعارض العربية، فما يؤكده الناشرون المشاركون أنه من بين أهم المعارض التى يبيعون فيها إصداراتهم بشكل جيد، بمعنى أن الجانب التجارى الربحى فيه متوفر وهو قد صار وجهة مفضلة لكثير من الناشرين، والمثقفين ونحن نسعى دوما لتحسينه، وتنويع ضيوف شرفها من كل القارات. لماذا يحرص الكتاب الجزائريون على التواجد بشكل أكثر فعالية فى الثقافة الفرنسية مقارنة بالثقافة العربية؟ هذه المعلومة تحتاج ربما إلى مراجعة، إن لم أقل فيها مغالاة، واسمح لى بمناسبة هذا السؤال أن أوضح مسألة تحتاج إلى إعادة نظر، وهى على علاقة بتصور غير صحيح ساد طويلا فى كثير من الأوساط العربية مفاده أن الجزائريين لا يعرفون اللغة العربية ولا يتعاملون بها، وهم مفرنسون، وهذا غير صحيح. إن ما يميز الجزائر هو الانفتاح على لغات كثيرة بحكم موقعها الجغرافى، وبحكم تواجد الكثير من اللغات فى نسيجها اللغوى والثقافى ومن هنا نجد أن الجزائريين يكتبون بلغات كثيرة، وربما بسبب أن البعض يكتب بالفرنسية فهم يرون أن الترويج لأنفسهم هناك أنسب، لكن تأكّد أن الحضور العربى لكتابنا لا يقل أهمية عن ذلك ولاشك أن ظاهرة أحلام مستغانمى وانتشار مؤلفات واسينى الأعرج تؤكد ما نقول، ثمّ إنّ الانغلاق تحت سقف لغوى واحد يعنى أنّك خارج مجال التغطية.. وأنّ علاقتك بالعالم تحت الصّفر. أنت وزير وشاعر وأيضا صحفى رياضى ومؤسس أول صحيفة رياضية فى الجزائر.. هل أثبت الثقافة أنها أقوى من كرة القدم؟ لا أعتقد أن الثقافة أقوى من الرياضة عموما، ولكن كرة القدم تحولت إلى ثقافة اجتماعية بامتياز، فما رأيك فى قول بعض خبرائها من أمريكا اللاتينية، "نحن فى أمركا اللاتينية نلعب الكرة بمنطق الشعر وغيرها كنصوص نثرية.." لهذا فقد خلد شعراء كثيرون أسماء مبدعة فى ملاعب الكرة مثل جارينشار ومارادونا وبيليه وميسى. هل تجد وقتا للكتابة بعد توليكم المنصب؟ لن أكون صادقا لو قلت إننى أجد الوقت الكافى للكتابة، فبالكاد أجد الوقت للقراءة، كل أعمال التى أعددتها للطبع هى مؤجلة إلى حين. وهل من إصدارات جديدة أو مشاريع فى الأفق؟ هناك عديد الأعمال مؤجلة، حتى لا يكون تضارب فى المصالح. حاضرت فى مكتبة الإسكندرية عن الإرهاب وقلت إن الثقافة هى السلاح الأقوى اليوم لمحاربة التطرف.. كيف ذلك؟ وكيف تقرأ الواقع المصرى اليوم؟ فعلا.. كانت مداخلتى فى إطار المؤتمر المنظم فى مكتبة الإسكندرية لتجديد الخطاب الدينى والثقافى. وكلامى يندرج فى هذا التصور، إذ لا يمكن محاربة التطرف والإرهاب أمنيا فقط، والتجارب التى عاشتها بعض البلدان، ومنها الجزائر، تثبت ذلك، المطلوب الآن ثورة ثقافية عميقة تهدف إلى امتصاص منابع ومصادر الخطاب الدينى المتطرف، ومواجهته بالخطاب التنويرى والمتسامح وهذا لا يتم إلا بإعادة النظر فى الإستراتيجيات المنتهجة والآليات المتبعة، ومضامين ما يتم طرحه فى الخطاب المستعمل لمواجهة التطرف والإرهاب، إذ ليس من المعقول أن نواصل التعامل بأسلوب قديم مع ظاهرة أصبحت لها أبعاد كونية وتستعمل أرقى التكنولوجيات الإعلامية لتوصيل خطابها والإقناع به، وزرع الرعب فى العالم، فى والترويج لهذا النهج الراديكالى فى الوقت الذى نكتفى نحن بمحاربتها أمنيا وعسكريا. ساحة المعركة يجب أن تكون مختلفة وتتضمن أولا تجديد خطابنا الثقافى والدينى ليس بإبدال كلمة بأخرى، العولمة بديل الامبريالية والحداثة عوضا عن التقدمية والأصولية مكان الرجعية، إنّما إبدال ممارسة بأخرى، فالله لا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم.. كما أنّ الأمر يقتضى مراجعة مضامين برامجنا التربوية والتعليمية، إذ الخلل هناك، لتساير العصر وتزرع قيم التسامح والاختلاف والمواطنة فى العقول منذ نعومة الأظافر، ثم إعطاء الثقافة مكانتها الحقيقية، بجعلها أولوية وفتح فضاءاتها للجمهور الواسع وتربية الناس جماليا وفنّيًا، وجعل الثقافة مثل الماء والهواء للجميع الحق فيها، بهذه الطريقة نحمى أجيالنا الصاعدة من التطرف لأن من تربى فى قيم الجمال والخير والمحبة لا يمكنه أن يصير متطرفا. لا شك أنّ الجهل المركّب، والفقر والتخلّف لها دروها الكبير فيما حدث. ثم إن على المثقفين والمفكرين أن يخرجوا من أبراجهم العاجية وينزلوا إلى الواقع، ويحتكّوا بالطبقات البسيطة والأوساط الفقيرة لكى يستوعبوا حجم الكارثة. كما يجب على العرب أن ينخرطوا بسرعة فى الثورة الرابعة، الثورة الرقمية والمعلوماتية إذا أرادوا أن يبقوا فى ركب التاريخ المتسارع بشكل رهيب، ولا يتحوّلوا إلى مجرّد دارئة تصوّب نحوها السّهام. أين دور اتحاد الكتاب الجزائريين فى المشهد الثقافى المحلى والعربى؟ إن اتحاد الكتاب هو مؤسسة ثقافية مستقلة قائمة بذاتها، وتمارس نشاطها بكل حرية، ولها برامجها وفعالياتها التى تقوم بها، ووزارة الثقافة لا تملك الوصاية عليها، وتساعده فى ذلك، وتدعّمه لكن السّياقات الجديدة التى يعرفها العالم جعلت من اتحادات الكتاب التى نشأت وتأسست فى إطار تاريخى معيّن، ولأداء أدوار معينة، تفقد فعاليتها، وتعجز عن مواكبة التغيرات. وهذا ما نلاحظه فى أغلب الاتحادات بما فيها العربية، بل إن بعض البلدان اختفت منها هذه الاتحادات واستبدلت بتسميات أخرى، لكن تفعيل هذه الاتحادات يتطلب رؤية جديدة لدورها وحضورها، وتجديدا لآليات عملها وتواجدها، كى لا تتحول إلى مؤسسات بيروقراطية. وهذا يتوقف على قوة حضور الكتاب والمبدعين فى مجتمعاتهم وتأثيرهم، وتمثيلهم الرمزى والفعلى للمجتمع المدنى كما يتوقف على مناخ الحريات المتاحة للإبداع، ومدى الانفتاح على الجديد دوما. على كل يحاول اتحاد الكتاب الجزائريين أن ينشط ويسجل حضوره فى الأحداث الثقافية البارزة للجزائر، كما أنه يتواصل مع اتحادات كتاب أخرى، ويحاول تقديم صورة لائقة بالإبداع الجزائرى على الرغم من النقائص التى تكتنف عمله والانتقادات التى توجه له، وهذا ناتج ربما عن نقص الإمكانات وعدم التفاف جميع الكتاب حوله، وضرورة بعث روح جديدة فى آليات عمل الاتحادات، وكرئيس سابق لهذا الاتحاد، أعتقد أنّ عقد مؤتمر جامع لكل الأطياف والتوجهات هى مسألة حتمية، وإلاّ فإنّه سيظل واقعا بين الصّداع والتصدّعات. علاقتك بكتاب وشعراء مصر قوية هل ترجمت ميدانيا منذ توليكم الحقيبة الوزارية؟ كانت علاقتى بمثقفى ومبدعى مصر دائما قوية ومستمرة، منذ لقاءاتى مع قاماتهم الإبداعية الكبيرة كالراحل نجيب محفوظ وغالى شكرى وعلى شلش وعبد القادر القط وحسن فتح الباب وأحمد عبد المعطى حجازى وعفيفى مطر وجابر عصفور ومحد سلماوى ومصطفى الفقى وأحمد سويلم وأحمد بخيت غيرهم، سواء فى بداياتى الأولى كصحفى أو كمبدع، و حتى ككاتب مسرحيات وسيناريوهات لأفلام تم عرضها فى مصر أو فى أماكن أخرى. وأنا من المتابعين لما يحصل فى المشهد الثقافى المصرى والعارفين بالكثير من إحداثياته. وقد سعيت إلى تطوير علاقاتنا وتبادلاتنا الثقافية مع الشقيقة مصر، إذ إن فنانى مصر ومبدعيها حاضرون فى كل التظاهرات التى ننظمها، سواء المهرجانات السينيمائية أو الفنية، أو الملتقيات والمعارض، أو من خلال دعوات نوجهها إلى شعراء ومبدعين لتنشيط أمسيات ومداخلات فى مختلف أرجاء الجزائر. كما أننا نتبادل الخبرات فى جوانب مختلفة كالتراث والآثار والسينيما وغيرها. تحدثتم عند زيارة وزير الثقافة المصرى حلمى النمنم للجزائر عن توأمة فى تكوين المختصين فى ترميم الآثار.. أين وصل المشروع؟ التواصل مع المسئولين عن الثقافة والتراث فى مصر متواصل ولا ينقطع، ونحن نريد تنويعه وإغناءه بما يعود بالخير والفائدة على الطرفين، وانطلاقا من وعينا بأهمية الخبرة المصرية ترميم الآثار والمحافظة عليها، فنحن نسعى للاستفادة من هذه الخبرة، وذلك فى إطار العمليات الكبرى التى أطلقناها لترميم الآثار فى كامل التراب الجزائرى وأيضا نريد الاستفادة من أساليب الترويج لهذا التراث لجلب السياح فى أفق ما سميناه السياحة الثقافية، التى نعتبرها أولوية. كما يتم تبادل الخبرات فى أمور أخرى كالسنيما والفنون بمختلف أنواعها والمتاحف والأوبرا وغيرها. ولهذا الغرض، فقد اتفقنا على استقدام فريق من الخبراء الأثريين فى مصر بقيادة الدكتور ممدوح الدّماطى للبحث فى أسرار أهرامات الأجدار القريبة من تيارت غرب العاصمة الجزائر (300 كلم). لمن يقرأ ميهوبى الشاعر من شعراء مصر أو بمن تأثر فى بداياته؟ قرأت لرواد الكتابة فى مصر الشاعر الكبير أحمد شوقى والكاتب الكبير توفيق الحكيم ومحمود تيمور وونجيب محفوظ ويوسف إدريس وغيرهم، كما قرأت للأجيال اللاحقة، وهى كثيرة ولى مع بعضها تواصل دائم. لماذا تراجع الشعر عن أداء وظيفته الاجتماعية والسياسية وترك المجال للرواية؟ لا أظن أن الشعر تراجع عن أداء وظائفه المختلفة، حتى حضوره ما زال متوهجا، لكنه انتقل إلى وسائط أخرى، وأساليب تداول مختلفة، وتغلغل أيضا فى بعض الأجناس الكتابية الأخرى. وحضور الرواية بهذا الشكل اللافت ظاهرة مقبولة تستجيب للتحولات التى يعرفها العالم العربى وهى تعود بالفائدة فى كل الأحوال على الأدب عموما إذ تُبقى تأثيره وانتشاره متجسدا. لكن طرح المسألة فى كونها صراعا بين الشعر والرواية فيه مجانبة للصواب ومبالغة غير مستساغة، إذ نتكلم الآن فى الأوساط النقدية عن مفاهيم جديدة، وتصورات لنهاية الأجناس الأدبية وظهور فكرة النص المفتوح والكتابة كبدائل عن الطرح الكلاسيكى حيث نجد تداخل الأنواع وامتزاجها ليطلع لنا نص هجين فيه الأخذ من كل فن بطرف، ونجد حتى طرحا ظهر فى أمريكا اللاتينية عن الرواية القصيدة، ثم هناك الجانب الاستهلاكى والتجارى فى القضية وهو ليس دوما مقياسا صحيحا لدور وأهمية التأثير الممارس، فالرواية أضحت مادة استثمارية للسينما والتلفزيون عكس الشعر. ويبقى أن ما يهم هو حضور الأدب والإبداع وتأثيره فى المجتمع واستمراره. كلمة أخيرة للمثقفين المصريين وللشعب المصرى بصفة عامة أجدد مرة أخرى التأكيد على الروابط المتينة التى تربط بين الشعبين الجزائرى والمصرى وعلى المواقف التاريخية لمصر فى تضامنها مع الثورة الجزائرية ومساندتها لنا فى الأوقات العصيبة، وأملى أن تتوطد هذه العلاقات وتتطور إلى شراكة فعلية فى برامج وتصورات وخطوات عملية للنهوض بكل ما يمثل رأسمالنا الرمزى المشترك، ولا شك أنّ الثقافة هى العروة الوثقى، والقاعدة الصلبة لأى مشروع ناجح فى المستقبل. أخيرا نحب أن نعرف تعليقكم على شعار معرض القاهرة الدولى للكتاب"القوى الناعمة"؟ لقد وفّق المنظمون كل التوفيق فى اختيار شعار معرض القاهرة الدولى للكتاب لأن الثقافة والإبداع هما فعلا القوة الناعمة فى أى مجتمع يجعل من المعرفة رهانًا للتطور والنهضة والتنمية، لأن التأثير الذى يتحقق من خلالهما يترسخ عميقا عبر الزمن، ويؤثر فى أجيال مختلفة، ويمنح الخلود لأسئلة الإنسان وعبوره، ويزرع القيم الخالدة، وينتصر للحياة ضد كل النزعات المدمرة والبربريات المتوحشة.












الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;