"الغربة مش سهلة" تحذير تتفهمه جدًا حين يحدثك البعض عن غربة فى بلد آخر حيث اختلاف شاسع فى العادات والتقاليد والحياة اليومية وربما اللغة أو حتى اللهجة، إلا أن الذين نزحوا من مختلف محافظات مصر قاصدين العاصمة محملين بالأحلام والطموحات من أجل فرصة عمل أو تعليم أفضل من تلك المتاحة فى الأقاليم، هؤلاء فقط يعرفون أن الغربة واحدة مهما اختلفت ظروفها.
تغيير تدريجى يلمسه هؤلاء المغتربون الشباب فى شخصياتهم يومًا بعد آخر منذ غادروا مدنهم أو قراهم الساكنة الهادئة إلى صخب القاهرة، الحافلة بالفرص والأحلام والحياة والمتاعب أيضًا، فماذا قالوا عن سنوات غربتهم هذه وماذا غيرت فيهم القاهرة؟
حنين: الوقت فى القاهرة بيتسرق منك وبيسرقك
غربة "حنين جمال" ابنة الفيوم ذات الـ27 عامًا فى القاهرة لم تكن الأولى، فقد ولدت فى المملكة العربية السعودية وعاشت فيها طفولتها ثم عادت إلى مصر، حيث درست هندسة الاتصالات والإلكترونيات فى جامعة الفيوم لتبدأ بعدها قصتها مع القاهرة بحثًا عن فرصة عمل "مافيش وظايف تحديدًا فى القسم بتاعى فى الفيوم وكل فرص العمل فى العاصمة كالعادة".
رحلتها بدأت كمعيدة فى جامعة خاصة لمدة سنتين، ثم حصلت على منحة لدراسة الماجستير فى جامعة أخرى وطحنت بين رحى الدراسة والعمل.
تعترف حنين "القاهرة غيرت شخصيتى تمامًا" وبحياد تقول "المميزات كثيرة، اشتغلت وأصبح لى كيان مستقل وأعتمد على نفسى بدلاً من أهلى، شخصيتى أصبحت أقوى ويمكننى الاعتماد على نفسى ولم أعد حساسة أكثر من اللازم".
لكن فى المقابل كانت التضحية كبيرة فى نظرها فتقول "خسرت علاقاتى مع أصدقائى فى الفيوم لأن التواصل قل كثيرًا، خسرت إلى حد كبير تواصلى مع أهلى لأن الوقت فى القاهرة بيتسرق منك وبيسرقك وكأنك بتجرى طول الوقت عشان تمسك الساعة تقولها ما تجريش".
أحمد: مفتقد الإسكندرية.. القاهرة زحمة وحر وناس مكشرين
"4 ديسمبر 2013" تاريخ يذكره أحمد مصطفى البدرى، 29 سنة، بدقة شديدة فهو تاريخ اتخاذه قرار العمل فى القاهرة ومغادرة الإسكندرية بعد صدفة غير متوقعة ويحكى: كنت أحلم بالعمل فى مكان أساعد الناس فيه، فقدم لى صديق على العمل فى خدمة العملاء بأحد البنوك، المقابلة كانت يوم الاثنين قبلت فى يومها ووقعت العقد يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء بدأت العمل.
بحزن يعترف أحمد "اتغير فيا كتير من ساعة ما جيت القاهرة" ويوضح "أصبحت عصبى أكثر، ولكن الميزة أننى أصبحت أعتمد على نفسى أكثر فتعلمت أن أطبخ وأغسل وأدبر مصروفات البيت والفواتير، ولكننى مفتقد جو الإسكندرية والراحة والهدوء وأن كل شىء قريب منى"، يختتم حديثه "القاهرة دى زحمة وحر وناس مكشرين".
مها: اتعلمت تحمل المسؤولية.. وبحس الناس عدوانية شوية
رحلة "مها عطاف" ابنة محافظة الشرقية العشرينية مع القاهرة بدأت من أجل الدراسة ثم استمرت مع العمل وتقول "درست فى جامعة الأزهر بالقاهرة لأربع سنوات سكنت خلالها فى المدينة الجامعية، عانيت قليلاً فى السنة الدراسية الأولى لانفصالى عن أسرتى للمرة الأولى ولكن مع مرور السنوات تكونت صداقات طيبة قريبة لقلبى من مختلف المحافظات وتخرجت فى الجامعة وبدأت مشوار العمل كصحفية".
فى مرحلة العمل اختلفت مشاكل "مها" عن فترة الدراسة فعلى عكس الاستقرار الذى كانت توفره لها المدينة الجامعية واجهت مشكلات عدة فى الانتقال من مكان سكن آخر.
"اتعلمت من القعدة لوحدى فى القاهرة ما يكونش ليا دعوة بحد" قرار واضح اتخذته "مها" بعد أن لاحظت أن "الناس بحسها عدوانية شوية، وماحدش بيحب يساعد أوى، وما بقتش أثق فى حد خالص" فى المقابل تحن وتفتقد جو شارعها فى الشرقية والجيران واليقين بأنهم سيساندونك إن وقعت فى أى مشكلة. أما نصف الكوب المليان كما تراه "مها" فيتمثل فى أنها تعلمت اتخاذ القرارات وتحمل نتائجها وتحمل المسؤولية من الألف إلى الياء.
سمر: القاهرة خلتنى أكثر كآبة وسريعة الغضب.. وبهرب للأماكن الهادئة
منذ 4 سنوات بدأت رحلة القاهرة مع "سمر أبو بكر" مصممة الجرافيك والمصورة التى تعمل فى مجال مساعدة ودعم ذوى الاحتياجات الخاصة والعلاج بالفن، تحكى سمر: جئت من الإسكندرية منذ 4 سنوات للعمل مع حالة توحد تعرضت لحادث أفقدها بصرها ومنذ ذلك الوقت أعمل هنا.
ترى سمر أن القاهرة جعلتها "أكثر كآبة وسريعة الغضب" لكنها رغم ذلك لا تجعلها تحن للإسكندرية وإنما تقول "بيوحشنى فيها أمى والبحر بس، لكن القاهرة خلتنى أكرهها عشان دوشة زيها، بقيت بشتاق للهدوء وأفضل الهروب للأماكن الهادئة زى القصير وشلاتين والقلعان وأى مكان من غير دوشة ولا زحمة أو عربيات".