أعادت مذكرتا التفاهم اللتان وقعتهما قبل أيام الحكومة التركية مع حكومة طرابلس، للأذهان ذكريات تعكس طبيعة مطامع أنقرة فى ليبيا، وهى مطامع ظهرت ملامحها قبل عشرات السنوات، ففى تاريخنا الحديث اليوم وعلى الأراضى الليبية بدأت الخيوط تزداد تعقيدا، والأزمة التى كانت "ليبية - ليبية" تتفاقم.
تعقد الأمور فى ليبيا، جاء مع قرار رئيس حكومة طرابلس فايز السراج، بالتحالف بشكل علنى مع طرف خارجى من خلال المذكرتين اللتين تمنحان موطئ قدم للرئيس التركى رجب طيب أردوغان وقواته على الأراضى الليبية، وهى خطوة جاءت بعد أشهر بات جليًا خلالها طبيعة الدور الذى تمارسه تركيا فى ليبيا، إذ تكشّف شيئًا فشيئًا أمام أعين الليبيين والمجتمع الدولى، التدخل التركى المتمثل فى إرسال أسلحة وخبراء عسكريين لدعم ميليشيات طرابلس التى تضم الكثير من العناصر الإرهابية المطلوبة دوليًا.
وبمجرد الحديث عن تدخلات تركيا "غير الشرعية" فى ليبيا ونواياها الاستعمارية، تتبادر إلى الذهن ذكريات التاريخ، ويستعيد البعض ذكرى "مذبحة الجوازى"، التى وقعت عام 1816، ولا تزال عالقة فى ذاكرة الليبيين، ففى 5 سبتمبر 1816، أى قبل ما يزيد على 200 عام، نفذ "المستعمر التركى" واحدة من أبشع المجازر فى التاريخ ضد قبيلة الجوازى، التى كانت تسكن مدينة بنغازى، مما خلف الآلاف من القتلى والضحايا.
وتعود فصول "المذبحة"، حين دعا الحاكم العسكرى التركى القرمانلى، شيوخ الجوازى للحضور إلى القلعة التركية بغرض إكرامهم وطلب الهدنة، على اعتبار أن سكان القبيلة كانوا يقولون "لا" فى وجه الاستبداد التركى.
بالفعل، لبى شيوخ وأعوان "الجوازى" النداء، وبمجرد جلوسهم داخل القلعة، أعطى القرمانلى إشارته للحرس الخاص لتنفيذ الهجوم عليهم، إذ تم ذبحهم جميعا، وبعد "تصفية" الشيوخ، الذين كان يناهز عددهم الـ45، طالت "المذبحة" كافة أنحاء القبيلة، ليبلغ عدد القتلى أكثر من 10 آلاف فرد، من بينهم نساء وأطفال، وذلك وفقًا لتقرير أعدته "سكاى نيوز" الإخبارية.
جاءت مذبحة "الجوازى"، انتقامًا من الثورة التى اندلعت ضد القرمانلى، ورفض سكان الجوازى دفع الضرائب المفروضة عليهم، وما يزال سكان ليبيا يحيون كل سنة ذكرى "مذبحة الجوازى"، التى أدت أيضًا إلى مغادرة عدد من سكان القبيلة البلاد، وتوجههم صوب دول مجاورة، مثل مصر والجزائر وتونس والسودان.
ويتوجه الليبيون، فى كل ذكرى، بنداءات للمنظمات الدولية، لمطالبة تركيا بالاعتراف بالمذبحة، والاعتذار للقبيلة والحصول على حقوق الضحايا المعنوية والمادية، إلا أن تركيا تتجاهل هذا كما تفعل فى الاتهامات التى تلاحقها فى مذابح الأرمن.