أكد الدكتور مجدى عاشور المستشار العلمى لمفتي الجمهورية، أن التهكم والسخرية والتنمُّر بأهل الابتلاء أو التخويف منهم بغير حاجة ، خاصةً ذوى الأمراض الخطيرة أو المعدية، هو حرام شرعًا ، ويُعَدُّ فاعلُهُ مرتكِبًا لكبيرة من الكبائر ؛ لاعتراضه على قضاء الله وحكمته ، ولإيذائه لأخيه الإنسان .
وأوضح عاشور - في تصريح لوكالة أنباء الشرق الأوسط اليوم الأحد، أن المرض جند من جنود الله وآية من آيات قدرته ، يصيب به مَن يَشَاءُ قَهْرًا منه سبحانه ليخافه الإنسانُ ويرجعَ إليه بالتوبة ، قال تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ . فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا) ، فإذا تضرَّع الإنسان وأناب إلى ربِّه كانت له رحمة بالأجر والثواب ، وقد يرفعها الله عنه .
وقال "قد يكون الابتلاء بالمرض - خاصةً الأمراض الخطيرة أو المُعْدِيَة - سببًا في رفْعِ الدرجات ، فيكون المريض بها أفْضَلَ عند الله من الصحيح السليم ، لا سيما إذا صبر عليها ورضي بقضاء الله فيه ، فكم مرض من الأنبياء وعلى رأسهم خاتمهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : " أشَدُّ الناسِ بَلاءً الأنبياءُ، ثم الأَمثَلُ فالأَمْثَلُ " والمرض من البلاء ، كما أن القرآن الكريم نهانا عن التهكم والسخرية من أي أحدٍ ، حتى ولو كان عاصيًا ؛ لأننا لا نعرف ما بينه وبين ربه ، فقال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) ، فإذا كان النهي عن السخرية من أي أحد ، فهو أولى مع أهل الابتلاء والمِحَن ، الذين هم في رحمة الله تعالى .
وحول حكم خوف الإنسان من الأمراض المعدية
واضاف المستشار العلمي لمفتي الجمهورية : الخوف الطبيعي شيء جِبِلِّيٌّ في الإنسان ؛ لارتباطه بالحواس والشُّعُور ، وهذا أمْرٌ غير مذموم ؛ لقوله تعالى آمِرًا سيدنا موسى عليه السلام أن يمسك العصى التي انقلبت إلى حية : (قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ ۖ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَىٰ) وكذلك في قوله عز وجل : (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) .
وأوضح أنه إذا تحَوَّل الخوف الطبيعي إلى حالة من الرعب والهلع بمعنى الخوف الزائد ، فإن ذلك يضر بالإنسان بل سيجعله ضعيفًا أمام ما يخاف منه ، ويصرفه ذلك عن التفكير الصحيح والتصرف السديد له ولمن حوله ، وعليه فلن يتمكن من اتخاذ التدابير والاحترازات التي تقيه بإذن الله من خطر أو شر ذلك الشيء المَخُوف منه ، مؤكدا أن هذا ينافي درجات الإيمان ، تلك التي تدعو إلى الأخذ بالأسباب مع التوكل التام على الله سبحانه ، وفي ذلك يقول تعالى : (إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا . إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا . وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا . إِلَّا الْمُصَلِّينَ . الَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ) .. والمعنى هنا أن المداومة على الصلاة في خشوع تزيد القلب طمأنينة واستقرارًا نفسيًّا .
وأكد المستشار العلمي لمفتي الجمهورية، أنه لا مانع من الشعور بالخوف الطبيعي ، ولكن بشرط أن لا يُخْرِجنا عن حالة الهلع والرعب ؛ وإلا كان الخوف ممنوعًا ومحظوًا ، لضرره على النفس وعلى الغَيْر ؛ ونحن مأمورون بأنْ نأخذ بأسباب الوقاية والعلاج ، ونَرُدَّ الأمرَ كُلَّه بعد ذلك لله سبحانه ؛ إذ : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ) .
وفي إجابته عن سؤال كثير من الناس : هل تُعَدُّ الأمراض المُعْدِيَة وانتشارها عقابًا من الله تعالى أولًا ؟ .. أوضح المستشار العلمي لمفتي الجمهورية ، قائلا : لا بد أن نعرف أن الابتلاء ليس فقط بالأشياء التي نراها ضارة في الظاهر ، أو بأنْ يمنع الله عنك ما تريد ؛ بل الابتلاء والبلاء أيضًا يكون بالأشياء التي قد نراها نافعة لنا وترضينا ، وهو ما نسميه بالعطاء ، ودليل ذلك قوله تعالى : (وَبَلَوْنَاهُم بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) .
وأضاف .. ثانيًا : لا يستطيع أحَدٌ أن يجزم بأن بلاءً ما.. هو عقوبة من الله ؛ لأن تحديد هذا هو أمْرٌ غيبي لا يعلمه إلا الله تعالى ، خاصة أن الأمراض والأوبئة تصيب المؤمن وغير المؤمن ، والمراد من الابتلاءات إظهار ما في الإنسان وخاصة المؤمن من قِيَمٍ وأخلاقٍ يحبها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ؛ ولذلك خُتِمت الآية المذكورة سابقًا وغيرها بقيمة الرجوع إلى الله تعالى ، وفي غيرها يقول سبحانه : (وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ) فالغاية هي التضرع والسكون إلى الله بالعبودية والخضوع ، ومن ثم يجب على المرء وخاصة المؤمن أن يرجع إلى الله تعالى في كل شئونه الحلوة والمُرَّة ، وذلك بالتوبة والاستغفار والتضرع والانكسار والتواضع ، والخروج من الحول والقوة إلى حَوْلِ الله سبحانه وقوته وأن تكون عقيدتنا دائمًا : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا . إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) .