بدا الصبى مذعورا ودون السادسة عشر عندما أمسكت به الشرطة العراقية في أحد شوارع مدينة كركوك بشمال العراق وبعد خلع قميصه اكتشفت الشرطة وجود قنبلة تزن كيلوجرامين تطوق جسده النحيل.
كان ذلك يوم الأحد. وقبل ذلك بيوم واحد كانت تركيا أقل حظا عندما فجر انتحاري في سن المراهقة حزامه الناسف وسط ضيوف يرقصون في حفل زفاف تركي. ويقول المسؤولون إن الهجوم أودى بحياة 51 شخصا نصفهم تقريبا من الأطفال.
ويعد الهجوم الذي وقع يوم السبت في حفل زفاف في غازي عنتاب الأكثر دموية في تركيا هذا العام، كما أنها المرة الأولى في تركيا التي يستخدم فيها المتشددون طفلا انتحاريا بطريقة استخدمت بالفعل لإحداث أثر مميت في حروب من أفريقيا إلى سوريا.
وفي أفغانستان، دأبت حركة طالبان على استخدام الأطفال منذ وقت طويل. ونفذ انتحاري (14 عاما) هجوما بدراجة ملغومة على قاعدة لحلف شمال الأطلسي في كابول في عام 2012 مما أدى إلى مقتل ستة أشخاص. وبعد ذلك بعامين فجر مراهق نفسه في مركز ثقافي فرنسي بالعاصمة الأفغانية.
ويقول باحثون ومسؤولون إن تنظيم داعش ومتشددين آخرين يستخدمون الآن وعلى نحو متزايد نفس الأساليب ربما لبناء صفوف استنزفتها الخسائر أو الحفاظ على المقاتلين البالغين أو مباغتة قوات الأمن.
وفي غرب أفريقيا تنقض بوكو حرام على الأطفال المشردين أو الفتيات الصغيرات اللاتي خطفتها الجماعة لإرغامهم على أن يصبحوا مفجرين انتحاريين. وفي العراق وسوريا يقول ناشطون إن داعش ضم أطفالا من بلدات سيطر عليها أو من عائلات تم تجنيدها في أراضيه وقام بتلقين أطفالها بأفكاره في مدارسه ومعسكراته.
و"داعش" على وجه الخصوص تسلط الضوء على المجندين الأطفال التابعين لها وذلك من أجل كتائب "أشبال الخلافة" وتنشر صورا وتسجيلات مصورة على وسائل التواصل الاجتماعي لأطفال يتدربون ويتلقون تعليمات وينفذون تفجيرات أو عمليات إعدام.
وقالت جوليت توما المتحدثة الإقليمية باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) :"يتزايد تجنيد الأطفال في أنحاء المنطقة... الأطفال يضطلعون بدور أكثر نشاطا... يتلقون التدريبات على استخدام الأسلحة الثقيلة وحراسة نقاط التفتيش على الخطوط الأمامية ويتم استخدامهم كقناصة كما يتم استخدامهم في الحالات القصوى كمفجرين انتحاريين."
ولم ينشر الكثير عن المهاجم الذي نفذ عملية غازي عنتاب. وقال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يوم الأحد إن المهاجم يتراوح عمره بين 12 و14 عاما وأضاف أن داعش هي التي تقف على الأرجح وراء الهجوم.
ووقع الانفجار خلال الاحتفال بزفاف كردي في الشارع في وقت متأخر من الليل. وكان نحو 22 من القتلى دون سن الرابعة عشر. ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الهجوم لكن "داعش" استهدفت في السابق تجمعات كردية لإثارة التوترات العرقية.
واتخذ رئيس الوزراء التركي موقفا أكثر تحفظا يوم الاثنين وقال إن من السابق لأوانه أن نقول من الذي نفذ الهجوم رغم أن مصادر أمنية وشهود قالوا إن المهاجم كان طفلا.
وتحقق السلطات التركية أيضا فيما إذا كان المتشددون لغموا المشتبه به بدون علمه أو علمها قبل تفجير العبوة الناسفة من مسافة بعيدة.
واستخدم هذا الأسلوب من قبل في العراق حيث يتم إرسال الأطفال أو حتى البالغين الذين يعانون من إعاقة ذهنية وهم يحملون قنابل دون علمهم إلى الأسواق ونقاط التفتيش قبل أن يتم تفجيرهم عن بعد.
مجندون من المراهقين
في الهجوم الذي تم إحباطه بمدينة كركوك في شمال العراق بعدها بيوم أظهرت صور وتلفزيون محلي الصبي وهو يبكي ويصرخ وهو في قبضة الشرطة قرب مبنى تابع لوزارة الداخلية.
وقال مسؤولون بالأمن إن الصبي يبلغ من العمر 16 عاما رغم قول تقارير إعلامية محلية إنه أصغر من ذلك بكثير.
والصبي مواطن عراقي من الموصل وهي أكبر منطقة حضرية يسيطر عليها تنظيم داعش والتي تتحرك القوات العراقية وقوات البشمركة الكردية لتحريرها مدعومة بضربات جوية أمريكية.
ويقول هشام الهاشمي، الباحث والكاتب الذي يقدم المشورة للحكومة العراقية عن "داعش"، إن المتشددين أعادوا هذا العام تنشيط كتائب الشباب كرد فعل على الخسائر التي منيت بها في ساحات القتال في العراق وسوريا.
وقال إن المراهقين يسهل تجنيدهم في مهام "انتحارية" خاصة في لحظات المعاناة أو اليأس لفقد أحبائهم.
وأضاف أن الصبية أقل لفتا للانتباه والشك مقارنة بغيرهم من البالغين.
وتحدث مجندون أطفال فروا من الدولة الإسلامية في قاعدتها في الرقة كيف تعلموا استخدام الأسلحة وسبل تفجير أحزمة ناسفة.
وخلصت دراسة في فبراير شباط أعدها مركز مكافحة الإرهاب في أكاديمية ويست بوينت ودرست الدعاية التي ينشرها التنظيم عن الأطفال والشباب خلال الفترة بين يناير كانون الثاني 2015 و2016 إلى أن العمليات الانتحارية التي شملت أطفالا خلال هذا العام زادت لثلاثة أمثالها.
وقالت الدراسة "إنهم يمثلون شكلا فعالا من الحرب النفسية - عرض القوة واختراق الدفاعات ونشر الخوف في قلوب جنود العدو... داعش يجند أطفالا وشبابا بمعدل مثير للقلق."
وانعكست هذه الأساليب في غرب أفريقيا، حيث تعقب مسؤولون في الأمم المتحدة زيادة في الهجمات مثل الهجوم الذي نفذته فتاة تبلغ من العمر عشرة أعوام حين فجرت قنبلة العام الماضي في سوق مزدحمة في مدينة مايدوجوري النيجيرية مما أسفر عن مقتل 16 شخصا.
وقالت مصادر أمنية في ذلك الوقت إنها كانت ترتدي حزاما ناسفا.
وفي تقرير نشر في أبريل، قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) إن الهجمات التي تورط فيها مفجرون أطفال خلال الفترة بين عام 2014 و2016 زادت لأربعة أمثالها في شمال شرق نيجيريا حيث تتمركز جماعة بوكو حرام النيجيرية وفي الكاميرون المجاورة والنيجر وتشاد.
وأبلغت فتاة نيجيرية تبلغ من العمر 12 عاما في الكاميرون في مارس آذار الشرطة بعد إلقاء القبض عليها إن بوكو حرام خطفتها بعد اجتياح الجماعة لقريتها في العام السابق.
ويقول تقرير اليونيسيف إن نحو ثلثي المهاجمين الأطفال الذين تتبعهم من الفتيات. وفي الأشهر الستة الأولى من العام الجاري وحده تقول المنظمة إنها سجلت 38 مفجرا انتحاريا من الأطفال في غرب أفريقيا.
وقال تيري ديلفين جان المسؤول بالمنظمة بمكتب غرب ووسط أفريقيا "هذه سمة رئيسية لهذا الصراع."