قال نبيل فهمى وزير الخارجية السابق، إن أهم أسباب اندلاع الربيع العربى كانت تحطم العقد الاجتماعى بين الحاكم والمحكوم ما جعل الجماهير تندفع مطالبة بالحرية والعدالة الاجتماعية، كذلك وجود أكثر من 35%من السكان فى عمر الشباب تحت 30 عاما، والشباب يبحث دائما عن التغيير حتى فى البلاد صاحبة الظروف الجيدة، فما بالنا بمنطقتنا وما فيها من بطالة وفقر وعدم مساواة.
وأضاف خلال اليوم الأخير لمؤتمر منتدى البحوث الاقتصادية الاثنين، أن تطور التكنولوجيا لعب دورا أيضا ومعه زيادة مصادر المعلومات بحيث لم تعد الحكومة تحتكرها بل إن المواطن أصبح يستخدم المعلومة أسرع من الحكومة.
وقال أنه مع المعلومات حصل رجل الشارع على قدر من السلطة، والأمر الرابع هو طول مكوث الزعماء بدول المنطقة فى السلطة خاصة فى مصر وتونس واليمن وليبيا وعدم إمكان أن يكون لدى هؤلاء رؤية ترضى الشباب الفائر وتلبى متطلبات المستقبل.
وأشار فهمى إلى أن هناك تأثيرات من الثقافة والتقاليد ونوع الإدارة الحكومية وانعكاسات اعتماد الدول العربية فى أمنها القومى على ترتيبات خارجية وأسلحة أجنبية، وقيام أطراف بالإقليم مثل تركيا وإسرائيل وإيران بالتدخل فى وسط هذا الانكشاف العربى فضلا عن تدخل الولايات المتحدة والغرب.
وأوضح فهمى أنه فى مصر وتونس كان للعوامل الداخلية التأثير الأهم فى حركة الأحداث بينما كان للتدخل الخارجى التأثير الأكبر فى بقية الحالات، مضيفا: لقد خرب الرئيس القذافى جميع مؤسسات الدولة بحيث عجزت عن القيام بأى شىء مع اندلاع الأحداث، وبينما حال الرئيس بشار الأسد مبكرا تفادى ما جرى فى تونس ومصر فإنه أشعل الأحداث أكثر وحيث القوى الخارجية كانت متربصة.
وأكد فهمى أن العراق وسوريا لن يحدث فيهما أى تقدم إلى حل ناجز إلا بتوافق أطراف مثل روسيا وأمريكا وتركيا وإيران والسعودية، وقبل ذلك كله توافق السوريين أنفسهم، بينما تستطيع مصر وتونس إيجاد حل بتوازنات داخلية وقال فهمى: الكل يبدو محبطا الآن لتأخر الإصلاح وضبابية الموقف وتحطم أحلام التغيير لكن التجارب الدولية تؤكد أن أمر التحول يأخذ وقتا أطول مما نتصور عادة والأهم هو تمكين الشعوب من مناقشة قضاياها برؤية شاملة وعميقة.
وأشار إلى أنه مع رعب التطرف والإرهاب وتفاقم الخسائر التى وصلت إلى أرقام فلكية فى دولة مثل سوريا فى مجال الصناعة والبنية التحتية والمساكن المنهارة والتجارة المتوقفة فانه لو استمر النزاع 4 سنوات أخرى فسيصل الفقد فى سوريا ولبنان إلى 1.3 تريليون دولار، وبالنسبة إلى سوريا يلزمها خطة من الآن لبناء الأمن والسلم وبناء الدولة نفسها والتحرك فى المواضع التى يمكن ان تؤتى بنتائج ايجابية سريعة حتى تمنح الجمهور أملا فى المستقبل وتشجعه على التحمل.
وحذر وزير الخارجية السابق من الانجرار وراء من يدعون إلى سايكس بيكو جديدة وإعادة رسم حدود الدول والمنطقة وقال أن نتائج ذلك ستكون كارثية خاصة أن المطروح هو رسم الحدود على المعايير الطائفية والعرقية، وأكد انه إذا كان هناك من يطرح حل الفيدرالية فى بعض الدول فانه كان يمكن تقبل الحوار حول ذلك لو كانت الفيدرالية جزء من عملية وطنية لبناء انسجام وتكامل وتقوية المشتركات وليست عملية طائفية أو عرقية.
وقال: إننا نهول من الخلافات بين ابناء الشعوب بالمنطقة وهناك من يهون منها والأصح البحث الموضوعى عن كيفية بناء المواطنة عبر ميثاق للمواطن العربى بحيث إن كل من يعيش فى بلد عربى هو مواطن عربى له نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات.
وأضاف فهمى: لو حدث توافق بنسبة 70 % فهو أمر جيد وعلى المنطقة أن ترفض التدخل الأجنبى وتعمل بجهودها وتعمل أيضا بطريقة مختلفة عن ذى قبل.
ونوه إلى أن النقاش فى الاعوام الخمسة الماضية انجرف بعيدا عن القضية الفلسطنية وتشعب إلى سنى وشيعى وكردى وعربى، ونسينا أن القضية الفلسطينة هى أهم قضية عند الشعوب وأنه بدون حلها سيستمر السرطان يعمل فى المنطقة.
قال فهمى: إن اتفاق إيران وأمريكا سينجم عنه مشاكل وقد يشجع إيران على أن تكون أكثر عدوانية وانتهازية بالمنطقة ودعا إلى تضافر السياسى مع الاقتصادى عند بناء النموذج الجديد للعقد الاجتماعى بالمنطقة مع درجة من المشاركة يرضى عنها المواطن ويشعر بحق أنه شريك.
من جانبه، قال جوست هيلترمان – مدير منطقة الشرق الأوسط فى مركز دراسات حل النزاعات - إن الاقتصاديين يجب ان يجلسوا مع السياسيين لوضع نقاط الارتكاز لأى عقد اجتماعى جديد للمنطقة.
وأوضح أنه يفضل الحديث عن اللامركزية بدلا عن الفيدرالية، معتبرا أن اللامركزية حتمية كخطوة نحو تحسين المشاركة فى دول الصراعات وخلق مشتركات بين مواطنيها من جديد بعد أن تفسخ نسيج المجتمع، منوها أنه لا يمكن قبول أن تكون الهويات سببا لخق حدود جديدة ولكن يلزم أيضا وجوب أن تنص الدساتير على حقوق واضحة للأقليات.
وتبنأ يوست بحدوث انتفاضة فلسطينية ثالثة فى ظل ما يعانيه الشباب الفلسطينى من إحباط ومعاناة وضغوط وقال ان الولايات المتحدة ورسيا اتفتقتا فيما يبدو على حد ادنى من التهدئة بالمنطقة تفاديا لحدوث حرب كبيرة لا يستطيع طرف ان يتحمل مسئوليه اشعالها .
وقال ايضا ان الصراع بين ايران والسعودية عنصرى وطائفى والحرب بالوكالة بينهما لها نتائج مدمرة على المنطقة. وحذر من التدخلات الخارجية والداخلية للتلاعب بالمقادير السياسية والاقتصادية للدول والشعوب.
وقالت الدكتورة سارة كليف – جامعة نيويورك - إن دراسة الصراعات المختلفة وكيف تم حلها توضح أن الأمر يستغرق من 15 ال 30 سنة ويجب التعلم منتجارب أندونيسا وإيرلندا وجنوب أفريقيا وتشيلى، ومعرفة أن التقدم لا يحدث أيضا بشكل خطى ولكن يحدث تقدم وتقهقر عدة مرات قبل الاستقرار.
ونبهت إلى أن من أهم عوامل النجاح بناء الثقة وتقوية المؤسسات وضربت أمثلة بسيطة لكيفية بناء الثقة بعد أجواء الصراعات والحروب مثل القيام بحملات مشتركة لتطعيم الأطفال ورعاية الأمهات الحوامل واختيار شخصيات لها ثقل من النظام السابق وتسكينها فى مواقع مناسبة وحسن معاملة الشرطة للمواطنين.
وشددت على أنه كلما تقدمت حقوق الإنسان كلما قل الفساد وزادت فرص المساواة وبالتالى تتسارع عجلة الإصلاح.