أكد نائب المدير العام للمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية اللواء محمد إبراهيم الدويرى، أن حل الدولتين سيظل بمثابة الحل الوحيد للصراع الإسرائيلى الفلسطينى مهما يكن حجم العقبات المثارة أمام هذا الحل الذى يعتبر مفتاح الاستقرار في المنطقة، وينهى تاريخاً طويلاً من الصراع استمر أكثر من سبعة عقود، أما كل ما يثار بشأن حلول أخرى وعلى رأسها حل الدولة الواحدة فهذا وهم كبير لا يمكن أن يتحقق، بل من الخطأ التاريخي أن يتحقق، خاصة أنه سينهي الهوية الفلسطينية ويجعل الفلسطينيين مجرد أقلية تعيش في ظل دولة يهودية.
وأوضح فى مقاله بصحيفة "الأهرام" اليوم الأربعاء، تحت عنوان (حل الدولتين هل من متغير جديد؟)، أن الساسة الإسرائيليين المتمرسين في العمل السياسي ـ بعيدا عن التزامات ومزايدات الأحزاب الدينية المتطرفة ـ يعلمون أن الدولة الفلسطينية ستقام في النهاية ولكنهم يحاولون بجميع الوسائل إما تأجيل إقامتها قدر استطاعتهم لأسباب انتخابية، أو من أجل وضع الأسس التي تقيد قدرات هذه الدولة خاصة في المجالين الأمني والعسكري حتى لا تشكل أي تهديد للأمن الإسرائيلي.. كما أن الساسة الإسرائيليين يعلمون أن الشعب الفلسطيني لن يقبل أن يظل تحت نير الاحتلال إلى ما لا نهاية وأن مقاومته ستتواصل بجميع الوسائل المشروعة وغير المشروعة وأن دوامة العنف لن تنتهي، كما يعلم هؤلاء الساسة أن المجتمع الدولي كله يؤيد بالإجماع مبدأ حل الدولتين بما في ذلك الإدارة الأمريكية الحالية.
وقال "هنا لابد لنا أن نقف كثيرا عند الخطاب الذي ألقاه رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد أمام الدورة 77 للجمعية العامة للأمم المتحدة في 22 الحالي عندما أعلن تأييده مبدأ حل الدولتين، مؤكدا أن قوة إسرائيل تتيح لها السعي لإقامة السلام مع الفلسطينيين على أساس دولتين لشعبين وبما يضمن أمن ومستقبل إسرائيل ولكن بشرط أن تكون الدولة الفلسطينية دولة سلمية ولا تصبح قاعدة للإرهاب تهدد وجود إسرائيل، مشيرا إلى أن أغلبية الشعب الإسرائيلي تؤيد هذا الحل".
وأعرب عن رأيه أن هذا الموقف الذي اتخذه «لابيد» يعتبر متغيرا مهما في الوقت الراهن وقد يغير من مسار القضية الفلسطينية إذا ما أحسن استثماره، خاصة أنه من المؤكد أن "لابيد" أعلن موقفه في ضوء اقتناعه بأن استمرار الصراع لن يكون في مصلحة إسرائيل، كما أنه يعلم أن اتفاقات التطبيع مهما تعددت فإنها لن توفر لإسرائيل الأمن والاندماج الإقليمي الذي تبحث عنه لاسيما مع تصاعد التوتر في الضفة الغربية الذي يمكن أن يصل إلى انتفاضة ثالثة تنفجر في وجه إسرائيل.
ولفت إلى أن "لابيد" يعلم من خلال هذا الموقف أنه يخاطر بمستقبله السياسي في مواجهة نيتانياهو الذي ما زالت معظم استطلاعات الرأي تميل إلى صالحه وتمنحه فرصة تشكيل الحكومة القادمة، قائلا: "في رأيي أن موقف لابيد سيؤدي إلى تغييرات في الساحة الداخلية الإسرائيلية قبل انتخابات الكنيست 25 المقررة بعد بضعة أسابيع والتي ستشهد زخما شديدا على مستوى جميع الأحزاب وتحالفاتها المتوقعة، وأعتقد أن لابيد قد راهن على أن معظم الشعب الإسرائيلي سيؤيد توجهاته.
وقال اللواء محمد إبراهيم: "حتى لا نبتعد عن الواقع وتعقيداته فلابد أن نعترف بأن موضوع حل الدولتين يكتنفه العديد من الصعاب سواء ما يتعلق بحجم وموقع المستوطنات أو بالمتطلبات الأمنية الإسرائيلية.. مضيفا أن هناك تقدما كبيرا قد حدث في معالجة القضايا الأمنية خلال المفاوضات التي تمت بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني على مدى سنوات طويلة قبل عام 2014 وبعضها بمشاركة أمريكية، ومن ثم لا ينبغي عند استئناف التفاوض البدء من نقطة الصفر بل الاستفادة من كل المقترحات السابقة الموثقة في الملفات".
وأضاف: " من المؤكد أن الجانب الفلسطيني على استعداد لطمأنة كل جيرانه وليس إسرائيل فقط بأن الدولة الفلسطينية المرتقبة لن تمثل أي تهديد لأي دولة، بل إن هناك قبولا مبدئيا بالإجراءات الأمنية التي تطمئن الجميع بشرط ألا تؤثر على سيادة الدولة الجديدة، حيث إن الشعب الفلسطيني الذي انتظر تحقيق حلم الدولة سنوات طويلة سيكون أكثر حرصا على استقرارها".
وتابع: "من الضروري أن نتعامل مع خطاب لابيد بجدية تامة وألا ننظر إليه على أنه مناورة ـ حتى لو كان كذلك ـ وعلينا أن نستثمر هذا الموقف ونجعل منه نقطة انطلاق لتغيير الواقع الفلسطيني الراهن، خاصة أن الرئيس الأمريكي بايدن أسرع بتأييد هذا الموقف، كما أن الرئيس أبو مازن رحب به أيضاً في خطابه أمام الجمعية العامة يوم 23 الحالي مطالبا بترجمته إلى مفاوضات بين الجانبين على أساس القرارات الدولية".
ومضى قائلا: "إذا كنا سنتحرك مستقبلا في اتجاه حل الدولتين فإن هناك مسئولية ذات شقين تقع على الجانب الفلسطيني، الشق الأول وهو الاستعداد للمفاوضات في حالة استئنافها وذلك بالتنسيق مع كل من مصر والأردن، والشق الثاني البدء فورا في تحقيق المصالحة التي ما زالت مفقودة والتي بدونها سيكون حل الدولتين معلقا حتى إشعار آخر".
ومن هذا المنطلق اقترح نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية أربعة اقتراحات: الأول: إعلان أكبر قدر من التأييد لموقف لابيد نظرا لتماشيه مع الرؤى المطروحة لحل القضية الفلسطينية مع العمل على تشجيعه على السير في هذا التوجه.. الثاني: بلورة الدول العربية رؤية شاملة وواقعية لوضع الآليات المطلوبة والمقبولة لتنفيذ مبدأ حل الدولتين مع مواصلة دعم موقف الرئيس أبو مازن.. الثالث: في حالة نجاح لابيد في تشكيل الحكومة يتم إطلاق المفاوضات بعد تشكيلها مباشرة وألا تتأخر عن بداية العام المقبل 2023.. الرابع: في حالة نجاح نتانياهو يجب العمل على استمرار قوة الدفع التي تولدت من أجل إجباره على الدخول في مفاوضات، وهي معركة لابد أن نخوضها وأن نفرض عليه السلام الذي نأمله.