الاستاذ.. والمؤرخ.. وصديق الملوك والرؤساء، ألقاب تم إطلاقها على الكاتب الصحفى الكبير محمد حسنين هيكل، لا يعد هيكل مجرد كاتب صاحب مدرسة خاصة فى التعبير والأسلوب الفريد الذى يتميز بسلاسة العبارات وقوة ودقة المعلومات فقط وإنما يعد موسوعة متنقلة وأرشيف يضم العديد من الوثائق التى تكشف عن الكثير من الأسرار بحكم علاقاته المتعددة بدوائر صنع القرار فى الداخل والخارج، التى حكمتها قواعد محددة لم يسمح فيها لنفسه أن يتحول إلى مجرد تابع أو ظل للرئيس، وإنما كانت شخصية المحاور والناقد والناصح الأمين حاضره بقوة فى كل مواقفه مع الرؤساء الذين عاصرهم و هو ما دفع الكاتب الصحفى الكبير احمد بهاء الدين للكتابة عن هيكل.
فى كتابه "محوراتى مع السادات"، التى يبدأها بتأكيده على عدم عمله مع هيكل فى مؤسسة الأهرام، والتى كان الأخير يجمع بين رئاسة مجلس الإدارة والتحرير وهى الفترة التى يصفها بهاء الدين بأنها "أيام وضع هيكل غير العادى فى الحياتين الصحفية والسياسية فى مصر".
وعن علاقة هيكل بعبد الناصر يقول بهاء الدين: "فى تقديرى أن فك لغز شخصية جمال عبد الناصر الشديدة التميز والتفرد فى التاريخ المصرى والعملاق الذى خرج من تراب مصر بعد قرون من الرقاد كفرعون جديد جبار لا يمكن تفهمه إلا إذا أمكن فك لغز علاقته بثلاث شخصيات وصداقات كان لها أكبر الأثر فى حياته، كانت علاقة هيكل أحدهم ، والتى يقول بهاء الدين عنها: "لم يكن هيكل أقرب الناس إليه فى أول الثورة ولكنه صار بعد ذلك أقرب الناس إليه على الإطلاق فجعله شريكا فى الحكم على أعلى مستوى .
ويعود بهاء الدين للتدليل على ذلك بقوله: "حين مرض عبد الناصر بأزمة قلبية عنيفة اقتضت منعه من العمل تماما شكل لجنة تحكم البلاد باسمه كونها من شعراوى جمعة وزير الداخلية فى ذلك الوقت وأمين هويدى وزير الحربية وقتها وسامى شرف مدير مكتب عبد الناصر وهيكل "رئيس تحرير الأهرام حينها ."
وعلى الرغم من الأثر الكبير الذى تركته علاقته بعبد الناصر على حياته المهنية والسياسية، إلا أنها لم تتأثر بعد رحيله حيث استمرت مع خلفه أنور السادات والتى شهدت كثير من المحطات بداية من الصداقة، والتى كانت تسمح له بمخاطبة السادات ومراجعته فى كثير من القرارات التى يتخذها وقضايا كانت تمثل خط أحمر لكثير من المسئولين، وذلك فى أصعب الظروف، وذلك فى أيام مظاهرات واضطرابات 1972، التى دعا فيها السادات إلى تعديل قراره بتغيير مكان الاجتماع بالحكومة من القناطر الخيرية إلى قصر عابدين لدراسة وضع حلول هذه المظاهرات حتى لا يقال ان المظاهرات منعت رئيس الدوله من دخول العاصمة.
وفى ذلك الموقف يقول بهاء الدين: "لا أنسى مرة أن كنت جالسا فى مكتبيه وهو يتحدث تليفونيا مع السادات فى يوم عصيب جدا كان ذلك اليوم فى أوج مظاهرات 1972 وقد احتلت الجماهير واقعيا مدينة القاهرة وشوارعها وميادينها والسلطة عاجزة عن التصرف والسادات قد دعا أعضاء مجلس الأمة إلى اجتماع عاجل فى قصر عابدين قبل تغيير مكان الاجتماع إلى القناطر بعد الأنباء التى وصلته عن احتلال القاهرة والوصول إلى ساحة قصر عابدين نفسه وهو ما ازعج كبار المسئولين، وكان لا بد أن يراجع أحد السادات فى قراره حتى لا يصور الامر على ان رئيس الدوله غير قادر على دخول عاصمته، ولم يكن هناك غير هيكل وحده يستطيع القيام بهذه المهمة التى نجح فيها من خلال قدرته على الإقناع والتأثير فى محدثه ولو كان رئيس الدولة.