-هذا النزاع هو نزاع وطني خالص تتوافر فيه صفة المنازعة الادارية وليس نزاعاً دولياً
-لا عبرة بما قدمته الحكومة من خرائط حديثة جاءت مناقضة للثابت من أوراق الطعن
ينشر "انفراد" ملامح حيثيات حكم الدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا "فحص طعون"، برئاسة المستشار أحمد الشاذلى نائب رئيس مجلس الدولة، صباح اليوم الاثنين، برفض الطعن المقام من هيئة قضايا الدولة، ممثلة عن رئاسة الجمهورية والحكومة، وتأييد الحكم الصادر من محكمة أول درجة "القضاء الإدارى" ببطلان اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والمملكة العربية السعودية، وتأييد مصرية "تيران وصنافير" .
وقالت الحيثيات، أنه لامرية بموجب الحظر الدستورى المذكور يمتنع على كافة سلطات الدولة التنازل عن أى جزء من إقليم الدولة وتلحق ذات الصفة بأى إجراء سابق لم يراع الحدود الدستورية السارية حال اصداره، وبهذة المثابة يكون توقيع رئيس الوزراء على الاتفاق المبدئى - حسب التعبير الجهة الادارية الطاعنة – بتعيين الحدود البحرية بين جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية متلحفاً برداء غير مشروع فى اتفاقية تبدو كأعجاز نخل خاوية فليس لها في الحق من باقية، وبنص المادة 197 من اللائحة الداخلية لمجلس النواب سالفة البيان تحدد الاختصاص واستقام تخومه وهو يؤكد بقطع القول أن تغييراً فى الاختصاص لسلطات الدولة قد ولد من رحم الدستور السارى واضحت يد مجلس النواب هى الاخرى بنص الدستور والقانون معاً مغلولة ومحظورة عليه مناقشة أية معاهدة تتضمن تنازلا عن جزء من إقليم الدولة ومنها الجزيرتين محل الطعن الماثل ، وما يخالف ذلك من جانب السلطتين التنفيذية والتشريعية هو والعدم سواء .
وأضافت الحيثيات، أنه لا يسوغ – والحال كذلك - للسلطة التنفيذية إجراء عمل أو تصرف ما محظور دستورياً ويكون لكل ذى صفة أو مصلحة اللوذ إلى القضاء لإبطال هذا العمل، ولا يكون لها التذرع بأن عملها مندرج ضمن أعمال السيادة، إذ لا يسوغ لها أن تتدثر بهذا الدفع لتخفى اعتداءً وقع منها على أحكام الدستور وعلى وجه يمثل إهداراً لارادة الشعب مصدر السلطات، والا غدت أعمال السيادة باباً واسعاً للنيل من فكرة سيادة الشعب وثوابته الدستورية وسبيلا منحرفاً للخروج عليها وهو أمر غير سائغ البته .
وأكدت، أنه فى اطار سلطة القضاء الوطنى الذى عليه واجب احترام الدستور والاليات التشريعية المنظمة للفصل فى النزاع، فإن نكص عن واجب مفروض عليه كان منكراً للعدالة، ولا يحاج على ذلك بأن فى ذلك نيل من التزام التزمت به الدولة تجاه دولة أخرى – بحسبان الالتزام لا يقع صحيحاً فى مفهوم المحكمة إلا إذا تم سليماً وبإجراءات دستورية وقانونية .
وأشارت الى أن القضاء الادارى وهو جزء من السلطة القضائية حال تصديه لهذا النزاع يكمل منظومة الرقابة على أعمال الحكومة فيقر ما يكون صحيحاً منها ويلغى ما خرج عن نطاق أحكام القانون والواقع وأصطدم بأحكام الدستور الآمرة وال يسوغ له أن يتنظر حتى تكتمل للمخالفة أركانها غير المشروعة فدور قاضى القانون العام لايقف عن حد الفصل فى الخصومة القضائية وإنما تبصير سلطات الدولة بدورها وحدود هذا الدور المرسوم لها دستوريا .
وأوضحت: لا يسوغ للجهة الطاعنة بحال من الأحوال التستر بإقامة منازعات تحت مسمى منازعات تنفيذ أمام المحكمة الدستورية العليا، وهى فى حقيقتها وطبيعتها لا تخرج عن كونها استشكالا أقيم أمام محكمة غير مختصة لوقف تنفيذ حكم نهائى صادر عن جهة القضاء الادارى، وكانت المحكمة الدستورية وما زالت مشيدة لبناته الاساسية وخاصة فيما يتعلق بقضائها المستقر على اختصاص محاكم مجلس الدولة بالفصل فى منازعات التنفيذ التى تتعلق بأحكامها.
وقالت: "وتبعاً لذلك وأمام هذا التنظيم التشريعى المحكم لا يجوز ألية محكمة تابعة للقضاء العادى أن تأمر بوقف تنفيذ أي حكم صادر من محاكم مجلس الدولة، إذ فى ذلك خرق صارخ
لاحكام الدستور والقانون وافتئات على الاختصاص الموسَد لمجلس الدولة بحسبانه قاضى القانون العام فى المنازعات الادارية والدعاوى التأديبية، وما فتئ قائماً عليها باسطاً ولايته على مختلف أشكالها وتعدد صورها.
وتابعت: "كانت محكمة الامور المستعجلة بحكمها الصادر في الدعوى المستعجلة قد تجاوزت حدود ولايتها ، وقضت بوقف تنفيذ الحكم الصادر من محكمة القضاء الادارى فإن حكمها يستوى عدماً أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة الادارية العليا صاحبة الاختصاص الاصيل في نظر الطعن فى الاحكام الصادرة من محكمة القضاء الادارى وصاحبة الولاية وحدها في وقف تنفيذ حكمها من عدمه، ومن غير المتصور قانوناً أن يكون الحكم المنعدم مرتباً لأية آثار في محيط العلائق القانونية، ذلك أن انعدامه إفناء لذاتيته يقتلعه من منابته، ويجتثه من قواعده ليحيله هباء منثوراً، فلا يولد حقا ولا يتعلق به التزام بعد أن هدم الدستور، وجرده من كل أثر بعدوانه على قواعده وهى التى تسمو على كافة القواعد القانونية، ولا استواء له فليس له من عمد يرفعه ولا من كيان يقيمهولا نص يعينه بل ينهدم من أساسه ليفقد وجوده وحسبه أنه غير شىء .
وأكدت: "وتسجل المحكمة – بعد أن حسمت اختصاصها الولائى الاصيل - أن هذا النزاع هو نزاع وطني خالص تتوافر فيه صفة المنازعة الادارية وليس نزاعاً دولياً ويفصل فيه القاضى الوطنى وفقاً للدستور المصرى والقوانين المصرية ومنظورهما للاتفاقيات الدولية، ومن حيث إنه وفى ضوء فهم المحكمة للاتفاقية المبرمة 1906 وخريطة العقبة المطبوعة فى مصلحة المساحة عام 1913 تأكد مصرية جزيرتى تيران وصنافير وأنه لاوجود لسيادة أخرى تزاحم مصر في هذا التواجد، بل أنه لم تكن هناك دولة غير مصر تمارس أى نشاط عسكرى أو أى نشاط من أى نوع على الجزيرتين, باعتبارهما جزءاً من أراضيها .
وتابعت: "مصر لم تكتف فحسب بإصدار المراسيم والقوانين واللوائح بسيادتها على جزيرتى تيران وصنافير باعتبارها مصرية خالصة، وإنما طبقت ممارستها لمظاهر سيادتها الكاملة عملا على مسرح الحياة الدولية ومنعت بالفعل السفن الاجنبية التى خالفتها من المرور فى مضيق تيران عملا بحقها القانونى وسيادتها الاقليمية .
وأضافت: "أن مصر دولة لا تمثل فقط اسماً على خرائط الكون وإن حدودها خطَها على الخرائط خطاط أو باحث، وإنما هى دولة خلقت من رحم الطبيعة بعناية الله تقع بين بحرين عظيمين ربطت بينهما – خدمة للعالم القديم والحديث – بقناة السويس التى شُقت بدماء وعرق بنيها ,ويجرى من جنوبها إلى شمالها مسرى الدم نيل خالد نشأت على ضفتيه أعظم حضارات الدنيا، واتخذ أهلها من الزراعة حرفة ومن البناء والعمران إبداعاً على وجه اندمجت حضارته مع أرضه فى وعاء واحد جمع بين عبق التاريخ وأصالة المصرى بموروث انتماء ربطه بأرضه وصارت كعرضه تهون نفسه دفاعاً عنها".
واختتمت: "لا عبرة فى ميزان الحق والعدل بما قدمته الحكومة من خرائط حديثة صادرة عن الجمعية الجغرافية المصرية، لانها جاءت مناقضة للثابت من أوراق الطعن من خرائط قديمة وحديثة لا يجوز تبديلها لمساسها بأرض الاقليم" .