لا ينكر أحد ما تشهده المنظومة التعليمية من تحديث وتطوير لتواكب التطور الذى يشهده العالم من حولنا فى طرق ووسائل التدريب والتعليم، وكذلك مواكبة ما تم استحداثه من علوم وتخصصات جديدة تتناسب مع متطلبات سوق العمل، وذلك لإعداد وتأهيل وبناء الإنسان المصرى المعاصر على النحو الأمثل والمطلوب لبناء وطنه والنهوض به اقتصاديا، وفِى كل المجالات للوصول بمصر إلى مصاف الدول المتقدمة، فبالعلم تبنى الأمم، ولكون التعليم من ضمن أولويات القيادة السياسية التى قررت أن يكون عام ٢٠١٩ هو عام التعليم، ولأن التعليم أمن قومى وبه تبنى الدول والأمم فكان لزاما علينا أن نتجاوب بالمشاركة بالمقترحات والآراء التى تسهم فى النهوض بالتعليم والوصول به إلى مصاف الدول الرائدة فى ذات المجال.. ولزاما علينا دائما وأبدا أن نجدد عظيم شكرنا وتقديرنا للقائمين على ذلك التحديث والتطوير، وعلى رأسهم الدكتور خالد عبد الغفار وزير التعليم العالى والبحث العلمى، ولكن هناك خطرا لابد من التكاتف جميعا سواء إن كنا أشخاص عاديين أو جهات رقابية مسئولة خلف وزارة التعليم العالى والبحث العلمى للحد منه ومجابهته لأنه يمثل تهديدا صريحا للأمن والسلم العام وسلامة المجتمع، نظرا لأن العناصر الأساسية المشتركة فى بناء الإنسان ومنها التعليم تعتبر من أركان وركائز الأمن القومى المصرى آلا وهو الكيانات التعليمية الوهمية المانحة للدرجات العلمية المختلفة "بكالوريوس / دبلوم / ماجيستير / دكتوراه / زمالة" دون دراسة فعلية وواقعية ودون اعتماد من وزارة التعليم العالى والبحث العلمى ومن المجلس الآعلى للجامعات، ولا يمكن معادلة الشهادات الصادرة منها لكونها فى الآساس ما هى إلا شركات ذات محدودية خاصة (L.T.C) تطلق على نفسها أسماء ومسميات براقة مأخوذة عن كبرى الجامعات العالمية بغرض إيهام وخداع الراغبين فى التقدم، وكذلك الراغبين فى الحصول على شهادات ودرجات علمية دون بذل أى مجهود ودون أى عناء.. ومن خلال هذا المقال سنتعرض لهذا الموضوع شديد الخطورة فى نقاط وبيانها على النحو التالى:
1- تعريف مفهوم الكيان الوهمى:
هى مؤسسة / شركة /.. إلخ تقوم بمنح شهادات تتضمن فى محتواها درجات علمية أكاديمية ومهنية (بكالريوس / دبلوم / ماجستير / دكتوراه /.. إلخ) غير معتمدة وغير معترف بها من التعليم العالى المصرى ولا يمكن معادلتها من المجلس الأعلى للجامعات والتراخيص الممنوحة لتلك الكيانات الوهمية ما هى إلا تراخيص لشركات ذات محدودية خاصة ومفهومها بالإنجليزية : L.L.C Limited Liabilty Company ).
2- الخطوات التى تقوم بها تلك الكيانات الوهمية للاحتيال / منح الراغبين الشهادات العلمية المطلوبة بدون عناء / مجهود:
أ- الإعلان عبر قنوات التواصل مع الجمهور (قنوات تليفزيونية ومنابر إعلامية وصحفية – السوشيال ميديا "فيس بوك / تويتر / إنستجرام / اليوتيوب.. إلخ".. إلخ) عن فتح باب التقديم للحصول على درجات علمية أكاديمية / مهنية من أعرق الجامعات العالمية (وهى فى الأساس شركة ذات محدودية خاصة L.L.C Limited Liabilty Company
ولكن فى إحدى الدول الاجنبية ويمتلكها أحد الأشخاص من حاملى الجنسية المصرية ويشترك معه بعض الأشخاص من حاملى جنسيات دول أجنبية بغرض إيهام المتقدمين.
ب- عند الاستفسار من بعض المتقدمين عن إمكانية معادلة الشهادة من التعليم العالى المصرى (المجلس الاعلى للجامعات) يتم الرد عليهم بأنه يمكن التصديق والإعتماد للشهادة من وزارة الخارجية المصرية والسفر للعمل بها فى مختلف دول العالم بمرتبات وعوائد مالية مغرية.
ت- لا تشترط تلك الكيانات الوهمية مؤهل معين عند التقدم للحصول على الدرجة العلمية المطلوبة أو تقدير / مجموع معين، مثال: بيتم منح الحاصلين على مؤهلات متوسطة درجة الماجستير مباشرتا، حيث يرجع ذلك للمادة / المبلغ المالى الذى يتم الاتفاق عليه ما بين القائم على إدارة الكيان الوهمى والراغب فى الحصول على الشهادة، وعليه يتم استثناء اى شروط أو معايير مطلوبة .
ث- بعد الاتفاق على الرسوم المطلوبة ما بين القائم على إدارة الكيان الوهمى والراغب فى الحصول على الشهادة يتم الحصول على نسخة من الشهادة بدون توثيقات وتسجيلها بسريال نمبر Serial Number على الموقع الخاص بالكيان الوهمى على شبكة الإنترنت يمكن من خلاله أن يقوم الحاصل على الشهادة بالتأكد من صحة شهادته، وأنه فعليا تم تسجيلها (نوع من الخداع)، ويتم تحديد توقيت زمنى أخر لاستلام الشهادة مابين (2-6) أشهر بالتوثيقات وهى:
١- توثيق الشهادة من السفارة المصرية بالدولة (بطابع تجارى وليس بطابع تعليمى)، لكونها شركة تجارية حيث لا تستطيع مثل تلك الكيانات الوهمية إعتماد الشهادة من المكتب الثقافى والتعليمى / الملحقة الثقافية والتعليمية بالسفارة المصرية لأن المكاتب الثقافية والتعليمية لن تقوم بالتصديق على تلك الشهادات دون التأكد من تبعية هذا الكيان للتعليم العالى بالدولة، ومن ثم اعتمادها من مكاتب التصديقات المنتشرة بأنحاء الجمهورية، والتى ستقوم بالاعتماد لاعتماد السفارة المصرية بالدولة مسبقا، علما بأن السفارات المصرية بالدول الأجنبية أصبحت لا تعتمد تماما مثل هذا النوع من الشهادات التى تتضمن درجات علمية دون أن تكون صادرة من جامعة /أكاديمية/ معهد معترف به فى التعليم العالى فى الدولة فى الوقت الحالي.
٢- نظرا لأن القائمين على تلك الكيانات الوهمية بتتعدد لديهم طرق التحايل والنصب والخداع لتجنب قيام السفارات المصرية بعدم اعتماد الشهادات التى من هذا النوع فقد تم اللجوء لإتفاقية التصديق أو معاهدة أبوستيل اتفاقية لاهاي The Hague convention Abolishing The Requirement Of Legalization For Foreign Public Documents وهى شهادة يتم من خلالها المصادقة على وثيقة عامة صادرة من بلد طرف فى إتفاقية لاهاى المتعلقة بإلغاء شرط التصديق على الوثائق العمومية الأجنبية والمعدة للاستخدام فى بلد أخر يكون ايضا طرف فى الإتفاقية هذه الشهادة لايمكن استخدامها بجمهورية مصر العربية لأن مصر ليست طرف فى تلك الاتفاقية المؤرخة فى 5 أكتوبر 1961.
٣- نظرا لوجود أصحاب الذمم الضعيفة ببعض مؤسسات الدولة فإنه بيتم الاتفاق مابين القائم على إدارة الكيان الوهمى وأصحاب الذمم الضعيفة لاعتماد الشهادة وختمها بشعار جمهورية مصر العربية (أو تزوير شعار الجمهورية)، حتى يمكن لصاحبها التصديق والاعتماد من وزارة الخارجية المصرية (نظرا لعدم وجود مصر ضمن اتفاقية أبوستيل، وكذلك عدم قيام السفارات المصرية باعتماد الشهادات التى من هذا النوع فى الوقت الحالى لعدم صحتها) وذلك نظير مبلغ مالى يتم الاتفاق عليه.
٤- لإضافة نوع من المصداقية بغرض خداع الراغبين فى الحصول على تلك الشهادات غير المعترف بها / غير معتمدة فإنه يتم تنظيم حفل لمناقشة الرسالة العلمية وبحضور شخصيات عامة ومتخصصين (لا يشترط أن يكون تخصصهم نفس التخصص موضوع الرسالة العلمية ) نظير مبلغ مالى متفق عليه .
٥- تقوم تلك الكيانات الوهمية بتنظيم إحتفالات ومنح شخصيات عامة وبارزة درجات الدكتوراه الفخرية تقديرا لأعمالهم وإنجازاتهم والغرض من ذلك هو استغلال مثل تلك التكريمات فى خداع الجمهور وإضفاء نوع من الشرعية الغير قانونية لأعمالهم .
٦- تقوم تلك الكيانات الوهمية بتقليد شخصيات عامة وبارزة مناصب فعلية أو شرفية وذلك لاستغلال أسمائهم فى خداع الجمهور وإضفاء نوع من الشرعية الغير قانونية لأعمالهم.
٧- قد تقبل بعض الجهات بالدولة (قطاع عام – قطاع خاص) مثل هذا النوع من الشهادات ويتم إرفاقها بالملف الوظيفى للموظف وقد يتقلد من خلالها مناصب رفيعة بالجهة المكلف بالعمل بها.
٨- قد تقبل بعض النقابات العامة بالدولة بمثل هذا النوع من الشهادات من خلال اتفاق مالى يتم ما بين الحاصل على الشهادة وبعض الموظفين من أصحاب الذمم والنفوس الضعيفة ويتم على أساسها قيد الحاصل على الشهادة بسجلات النقابة، ومن ثم يقوم هؤلاء الأشخاص بممارسة ومزاولة المهنة وفتح مراكز ومنشآت خاصتهم على عكس الحقيقة والتى ستؤدى فى النهاية لكوارث وخسائر مادية وبشرية.. علما بأنه فى الوقت الحالى بتقوم النقابات بإعادة التأكد من صحة الشهادات العلمية المقدمة من أعضاء النقابة وأنه معترف بها من التعليم العالى المصرى.
٣- الخطوات العملية لمجابهة تلك الكيانات الوهمية والحد منها:
1- سن قانون بعقوبة مشددة لكل من يقوم بالدعاية والتسويق والترويج لشهادات علمية غير معترف بها / غير معتمدة من التعليم العالى المصرى من خلال كل قنوات الاتصال بالجمهور وكذلك من يقوم بالحصول عليها نظير مقابل مادى / مالى.. الخ للاستفادة منها بدون وجه حق فى الحصول على فرصة عمل أو الترقى فى العمل.. إلخ، بالإضافة إلى من يشترك فى أعمال التوثيق لتلك الشهادات بالطرق القانونية / غير القانونية (لكونها صادرة عن كيان وهمى)، وكذلك من يشترك فى تقديم آى استفادة للشخص الحاصل على تلك الشهادة (للالتحاق بعمل / وظيفة – الترقى فى العمل – الالتحاق بإحدى النقابات والحصول على ترخيص مزاولة المهنة.. إلخ) .
2- قيام كل سفارات جمهورية مصر العربية بالخارج بالإبلاغ الفورى (باسم الكيان – العاملين به) حال قيام أحد الأشخاص من أصحاب تلك الكيانات الوهمية أو العاملين بها بالتواصل مع السفارة والحضور لمقرها من أجل توثيق شهادات، وذلك بعد قيام المكاتب الثقافية والتعليمية بالسفارة المصرية بالدولة بالتاكد من عدم تبعية هذا الكيان لوزارة التعليم العالى بالدولة .
3- قيام المكاتب الثقافية والتعليمية / الملحقية الثقافية والتعليمية بكل سفارات جمهورية مصر العربية بإنشاء قاعدة بيانات يتم تحديثها بصفة دائمة ومستمرة بشكل سنوى تتضمن بيان بكل المؤسسات التعليمية التابعة للتعليم العالى بالدولة.. يتم بناء عليها إنشاء قاعدة بيانات بالمجلس الاعلى للجامعات مدون بها جميع المؤسسات التعليمية التابعة للتعليم العالى بمختلف دول العالم ويتم إتاحة ذلك للجمهور على موقع وزارة التعليم العالى وموقع المجلس الآعلى للجامعات على شبكة الإنترنت للرجوع إليها والتأكد من صحة الكيانات المقرر الدراسة به من عدمها.
4- قيام جميع قطاعات الدولة الحكومية والنقابات بالتأكيد على عدم استلام أى شهادات تتضمن فى محتواها درجات علمية (بكالريوس / دبلوم / ماجستير / دكتوراه / .. الخ ) صادرة عن كيانات تحمل مسميات جامعات / أكاديميات / معاهد / مدارس دولية بدون شهادة معادلة من المجلس الأعلى للجامعات للتأكيد على صحة تلك الشهادات، وأنها معترف بها من التعليم العالى المصرى من عدمه.
5- إنشاء صفحة إلكترونية على موقع المجلس الاعلى للجامعات يمكن من خلاله أن تقوم كافة جهات وقطاعات الدولة (حكومية – خاصة)، بالتأكد من صحة شهادة المعادلة الصادرة من المجلس من عدمة (نظرا لقيام أشخاص بتزوير الوثائق والمحررات الرسمية)، وذلك من خلال إدخال السريال نمبر Serial Number خاصة الشهادة والتأكد من صحتها وأنها صادرة باسم الشخص القائم بتقديمها، وكذلك فيما يخص الشهادات الصادرة من الجامعات الحكومية والخاصة للتأكد أيضا من صحتها وأنها صادرة من مؤسسة تعليمية خاضعة لقانون تنظيم الجامعات الحكومية والخاصة بجمهورية مصر العربية.
وفِى نهاية الحوار نثمن الدور الذى تقوم به وزارة التعليم العالى والبحث العلمى للحد من تلك الكيانات ومجابهتها، رغم عملها فى الخفاء "فليس هناك كيان وهمى يعمل فى وضح النهار"، وعلينا أن نقدم لهم الدعم فى الإبلاغ عن تلك الكيانات.. وللحديث بقية.