أكد المؤشر العالمى للفتوى الصادر عن دار الإفتاء المصرية فى تعليقه على الهجوم الإرهابى الغاشم على مجموعة من المصريين الأقباط بمحافظة المنيا أن الفتوى تُعد أهم سلاح للتنظيمات الإرهابية تُشهره فى وجه المخالفين لهم، ليس في الرأي فقط بل في العقيدة أيضًا، الذى يرون دائمًا أن الحل الوحيد لهذا المخالف هو القتل، مما يبرر قتلهم للمسلمين والمسيحيين على السواء.
ولقد أظهر المؤشر العالمى للفتوى للعام 2018 أن 60% من الفتاوى الصادرة بحق المسيحيين على مستوى العالم صدرت من قبل جهات وشخصيات غير رسمية، وكان 95% من جملة هذه الفتاوى فى أغلبها مضطربة نظرًا لأنها صدرت عن جهات لا تمتلك منهجًا علميًّا منضبطًا، وأن القائمين عليها غير مؤهلين ولا متسلحين بالعلم الشرعى.
أما ما يخص فتاوى تنظيم داعش الإرهابي فقد أكد مؤشر الفتوى العالمي أن 30% من جملة فتاوى داعش صدرت بحق المسيحيين، وأن 100% من جملة أحكام هذه الفتاوى تحض على العنف ضد المسيحيين؛ حيث دأب التنظيم على إصدار الفتاوى المفخخة والتي تحض على قتالهم، كان من أبرزها فتوى اعتبارهم ليسوا أهل ذمة؛ وبالتالي يجب قتالهم وهدم كنائسهم وعدم ترميمها، وعدم توليهم مناصب داخل الدولة، وتكفير الحاكم الذى لا ينفذ هذه الأمور.
وتابع المؤشر - الذى تصدره وحدة الدراسات الاستراتيجية بدار الإفتاء - أن هذا يبرر الجريمة النكراء التى أعلن التنظيم مسئوليته عن ارتكابها مؤخرًا بالمنيا، ويبرز عقيدة هذا التنظيم الملوثة بدماء الأبرياء، وأن منظرى التنظيم قد أسَّسوا لما يُسمى فقه الدماء، فأبو عبد المهاجر في كتابه "مسائل في فقه الجهاد" قال: "إن قطع الرءوس بوحشية أمر مقصود بل محبب إلى الله ورسوله".
وقال أبو بكر ناجى فى كتابه "إدارة التوحش": "نحتاج إلى القتل ونحتاج لأن نفعل كما حدث مع بني قريظة، فلا بد من اتباع سياسة الشدة بحيث إذا لم يتم تنفيذ المطالب يتم تصفية الرهائن بصورة مروعة تقذف الرعب"، فى إشارة إلى قتل المخالفين معهم في العقيدة.
أحكام تشرعن للقتل وسفك الدماء
وتوصل المؤشر العالمي للفتوى أن الأحكام الشرعية التي كانت تسيطر على فتاوى المتشددين ضد المسيحيين كان تدور حول (حرام – كفر – غير جائز – واجب) حيث جاء حكم (تحريم) التعامل معهم في كافة المعاملات بنسبة 50% من جملة الفتاوى المتشددة على مستوى العالم، تلاه الحكم بـ(الكفر) بنسبة 20%، و20% غير جائز، و10% واجب.
مشيرًا إلى أن أحكام (الحرام والتكفير وعدم الجواز) تمثل 90% من جملة الأحكام الصادرة في الفتاوى بحق المسيحيين، والتي كان مدارها على حرمة التعامل والحض على الكراهية والعنف ضد المسيحيين، مما يبين الخلل الذي أصاب عقلية مصدري هذه الفتاوى، واضطراب فهمهم للنصوص الشرعية، وتوصيفهم الخاطئ للوقائع، وتطبيقهم الخطأ للقواعد الفقهية، وبالتالي في ظل هذا الاضطراب تخرج الفتوى مشوهة وقاتلة ومغلفة بالدماء.
التحريم يسيطر على أشكال التعامل
وأشار مؤشر الفتوى - الذي أطلقته الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم - إلى استحواذ فتاوى العبادات والمعاملات على 55% من الفتاوى الصادرة بحق المسيحيين، تلاهم فتاوى الشؤون والعادات والتي شكلت 15%.
وكان من أبرز الفتاوى التي تسببت في تأجيج الصراع والفتنة فتوى "تحريم قبول هدايا النصارى في أيام عيدهم"، و"تحريم تهنئتهم بعيدهم" و"تحريم الأذان داخل الكنيسة"، و"النهى عن توصيل نصراني للكنيسة بالسيارة أو مساعدته"، و"النهى عن ترديد شعار الوحدة الوطنية الهلال والصليب" وغيرها.
قواعد فقهية مغلوطة
وفنَّد المؤشر القواعد الفقيهة التي يعتمد عليها المتشددون في إصدار فتاوى غير منضبطة ومفخخة، والتي كان من أبرزها قاعدة "الولاء والبراء" وهي القاعدة الأساسية في المنهجية التكفيرية، وقاعدة "تقسيم الناس إلى فسطاطين الحق والباطل" وهي القاعدة التي نهى بها البعض عن التعامل بأي شكل من الأشكال مع غير المسلمين.
تصحيح الإشكاليات الفقهية
وفي ذلك الإطار، أوصى المؤشر بتوسيع دائرة الانضباط الفقهي، وإنشاء نوافذ إعلامية بصورة أكبر للحديث عن الآيات القرآنية الخاصة بالجزية والتعامل مع غير المسلمين، وتبيان بعض الإشكاليات الفقهية التي تثير اللغط والمفاهيم الكلاسيكية الخاطئة مثل: المفهوم الصحيح للجهاد، وفكرة التعايش بين المجتمع المسلم وغيره، ومراعاة الحال والمآل في ضبط التعامل مع الآخر، فضلاً عن تنقية كتب التراث من مثل تلك الفتاوى والأحكام التي يتخذها البعض ذريعة لبعض الأفعال الإرهابية.