قالت اللجنة الشرعية التابعة لمرصد الأزهر الشريف، إن الإسلام دين السلامة والإنسانية، والمبادئ والمثل الأخلاقية، وجاءت تعاليم الإسلام كلها رحمة وشفاء لما فى الصدور، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِى الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}، ولأن شفاء الصدور إنما يتحقق بالأمن والسلامة كان الإسلام هو دين السلام لجميع البشر، قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِى السِّلْمِ كَافَّةً} فهذه الآية تحضُّ على الدخول فى السلم العالمى، وبالتالى فلا يجتمع الإسلام مع العنف والاعتداء أبدًا؛ لأنهما ضدان متناقضان، ولذلك فالمسلمون مأمورون بالبداءة بالسلام لكل من يقابلهم، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بن العاص ــ رَضِى اللَّهُ عَنْهُمَا ـ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أى الإِسْلاَمِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ»، والسلام كلمة أمان ورحمة واطمئنان، وإشاعة للأمن بين الناس جميعا، فلا يجتمع الضدان: السلام والعنف.
وتابعت: إن المسلمين مأمورون بالبحث عن السلام والجنوح إليه إذا جنح العدو إليه، وذلك حال الحرب المعلنة، فكيف بغير ذلك قال تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ - وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِى أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} ولما كان العدل أساس السلام فى الأرض وعنصرًا قويًا فى تحقيق الأمن العام أمر الله سبحانه وتعالى بالعدل صريحًا، حيث قال: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِى الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْى يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
وأضافت فى تقرير لها أن الإسلام اعتبر سفك الدماء بغير حق فسادًا فى الأرض، واعتبر الاعتداء على نفس واحدة بمثابة الاعتداء على البشرية جمعاء، حيث اعتبر الإسلام العدوان على برىء واحد بمثابة الاعتداء على البشرية كلها، قال تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أو فَسَادٍ فِى الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا}، وقال رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ اشْتَرَكُوا فِى دَمِ مُؤْمِنٍ لأَكَبَّهُمُ اللَّهُ فِى النَّارِ.
وتابعت: حبّب الإسلام فى الرحمة، وحرَّم الاعتداء والعنف ،حيث جاء دين الإسلام ليرسى دعائم الرحمة فى دستوره الذى هو القرآن الكريم قال تعالى {هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }، وأخبر الله تبارك وتعالى أن الغاية التى من أجلها أرسل الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم تحقيقُ الرحمة بين كل الخلق قال تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}، أى رحمة للبشرية كلها، وأعلن القرآن الكريم أن تكاتف المجتمع وتشييد البنيان الإنسانى إنما يقوم على الرحمة واللين فى القول وأن الغلظة والعنف سبب للتفرقة والصخب، وإلى هذا المعنى أشارت الآية الكريمة فى قوله تعالى {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ }، فأشارت الآية إلى أن الشدة والغلظة والعنف سبب رئيس من أسباب التفرق والتشتت وعدم الاجتماع.
كما دعا دين الإسلام إلى تخيّر العبارة الحسنة عند مخاطبة الآخرين، فقال الله تعالى {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا }، وقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيْسَ بِاللَّعَّانِ، وَلَا الطَّعَّانِ، وَلَا الْفَاحِشِ، وَلَا الْبَذِيءِ"، لأن الإسلام ينهى عن العنف اللفظى لأنه يؤذى مشاعر الآخرين، وما كان كذلك فينبغى أن يبتعد عنه المسلم، وقد اشتد غضب النبى صلى الله عليه وسلم على من قالت كلمة لم تدرك خطورتها، فعَنْ عَائِشَةَ ــ رضى الله عنها ـ قَالَتْ: قُلْتُ لِلنَّبِى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا، تَعْنِى قَصِيرَةً، فَقَالَ: «لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ»