فى حكم قضائى سابق بمجلس الدولة، تصدى لظاهرة الغش الإلكترونى عبر الإنترنت وبلوتوث الهواتف، والذى وضع أربعة مبادئ يجب أن تكون عالقة بذهن جميع أطراف العملية التعليمية من وزارة التربية والتعليم والمعلمين والطلاب وأولياء الأمور، وقرر رسوب الطالب فى جميع المواد وليس المادة التى ارتكبت فيها الغش أو الشروع فيه.
قضت محكمة القضاء الإدارى فى الإسكندرية الدائرة الأولى بالبحيرة، برئاسة القاضى المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة فى ثلاثة أحكام سابقة بإلغاء امتحان مجموعة من طلاب الثانوية العامة فى جميع المواد سواء فى حالتى التلبس بالغش الإلكترونى أو الشروع فيه وبأى وسيلة إلكترونية أو هاتفية أو عبر الإنترنت.
وفيما يلى نعرض أهم أربعة مبادئ جوهرية أرستها المحكمة فى مجال الغش الإلكترونى:
أولًا: التعليم ليس حرثا فى البحر ولا يجوز أن يكون موقف المسئولين عن التعليم منه سلبيا أو متراجعا أو محدودا بل فاعلا ومؤثرا فى تطويره:
قالت المحكمة فى رسالة تربوية أن التعليم ليس حرثا فى البحر بل هو نبض الحياة وقوامها ولا تستقيم بغيره شئونها ويجب أن يكون موقف الدولة فاعلا ومؤثرا فى تطويره، وأن يكون إنفاقها فى سبيل ذلك تعبيرا عن اقتناعها بأن ثماره عائدة فى منتهاها إليها وأن اجتناءها بيد مواطنيها، ومن ثم فإن موقف المسئولين عن التعليم لا يجوز أن يكون سلبيا أو متراجعا أو محدودا بل فاعلا ومؤثرا فى تطويره ليكون أكثر فائدة وأعم نفعا فلا تنفصل البرامج التعليمية عن أهدافها ولا تنعزل عن بيئتها ولا يكون استيعابها لحقائق العصر قاصرا بل يتعين أن تمد بصرها إلى ما وراء الحدود الإقليمية اتصالا بالآخرين وتلقيا عنهم إيغالًا فى مظاهر تقدمهم.
ثانيًا: رسالة التعليم عظيمة الشأن لا يقتصر نطاقها على أطراف العملية التعليمية بل يمتد ليشمل الأسرة إذا أردنا جيلًا قويمًا متسلحًا بقوة العلم ودرع القيم والأخلاق..
وذكرت المحكمة أن رسالة التعليم عظيمة الشأن، لا يقتصر نطاقها على أطراف العملية التعليمية وحدها وهى الجهات والمؤسسات القائمة على التعليم، والطالب والمعلم، بل يمتد ذلك النطاق ليشمل الأسرة أيضًا، ولكل طرف دورٌ يؤديه فى إطار تلك الرسالة السامية حتى تؤتى ثمارها، فتنتج جيلًا قويمًا متسلحًا بقوة العلم ودرع القيم والأخلاق ويجب ردع الغشاشين حفاظًا على الأمل والطموح فى نفوس الطلاب المجتهدين. لأن العملية التعليمية يصادفها من المشكلات والعوائق ما يحول دون تحقيقها لأهدافها، وأهم تلك العوائق ظاهرة الغش فى الامتحانات، التى أخذت فى التنامى فى الأعوام الأخيرة بعد أن تغيرت القيم السائدة فى المجتمع وأصبح ما كان مذمومًا فى الماضى سلوكًا مقبولًا وعاديًا لدى البعض، بل وتولد الإحساس لدى الطالب بأن الغش هو حق له لا يجب التنازل عنه، وساعد على ذلك معاونة الأهل وأولياء الأمور أحيانًا لأبنائهم على ارتكاب تلك الجريمة والتى وصلت إلى حد استخدام العنف فى بعض الأحيان لمساعدة أبنائهم على ذلك، فى صورة تُجَسّد ترديًّا فى القيم الأخلاقية أصاب المجتمع، وضعفًا فى الوازع الدينى والأخلاقى واستحلال كل وسيلة وصولًا إلى الهدف غير المشروع ولو على حساب مصلحة الجماعة وقِيَمِها.
ثالثا : الغش كارثة تربوية تستلزم إصلاح منظومة التعليم ويجب اتباع الطرق غير التقليدية لوضع الامتحانات لاختبار قدرات الطلاب والابتعاد عن نمط الحفظ والتلقين لتلافى الغش..
وأضافت المحكمة أن الدعاوى الماثلة كشفت عن تسريب الامتحان عبر الإنترنت بقصد الغش بواسطة البلوتوث، وتلك الظاهرة باتت كارثة تربوية تحتاج من المتخصصين فى لتعليم التشخيص والعلاج، وهى أزمة أخلاقية وتربوية وتعليمية بسبب الفشل الذى أصاب دور المعلم وإدارة المدرسة والطلاب وأولياء الأمور، وأصبحت معه منظومة التعليم فى مصر فى خطر جلل يستلزم استنهاض همم الأجهزة التعليمية والتنفيذية والتربوية لتغيير النظام التعليمى بإعادة دور المدرسة، وإعداد المدرس إعدادًا جيدًا واتباع الطرق الحديثة غير التقليدية لوضع الامتحانات لتختبر قدرات الطلاب وتبتعد عن نمط التلقين والحفظ حتى يمكن السيطرة على ظاهرة الغش داخل المدارس فضلًا عن وجوب ملاحقة ركب التطور فى مجال البرامج التعليمية وأسس تقديم المناهج بما يناسب روح العصر وما يواكب التكنولوجيا، وهو ما يتوجب معه على الجهات التعليمية اتخاذ الإجراءات الرادعة لمواجهة تسريب أسئلة الامتحانات وأجوبتها بغرض الغش خاصة الغش الجماعى، صونًا لمبدأ تكافؤ الفرص بين الطلاب وردعا للخارجين عن القانون وحماية للأمل والطموح فى نفوس الطلاب المجتهدين.
رابعًا: الطالب الذى يعتاد الغش سلوكًا فى حياته التعليمية يتحول هذا السلوك إلى منهاجٍ له فى حياته العملية مستقبلًا فتنهار معه مثل وقيم المجتمع..
وأضافت المحكمة أساليب الغش فى الامتحانات تنوعت وتعددت صورها، واستخدمت فيها التكنولوجيا الحديثة التى أصبحت تشكل وسيلة فعّالة بل أصبحت أفضل الأساليب التى يمكن استخدامها فى الغش، ويمثل استخدام الإنترنت والهاتف المحمول مثالًا صارخًا على ذلك وأن الطالب الذى يعتاد الغش سلوكًا فى حياته التعليمية إنما يرتكب جرمًا فى حق نفسه وحق المجتمع، لأن الغش خيانة للنفس وخيانة للآخرين. فهو نوع من السرقة، ورغبة فى تجاوز الامتحان دون أدنى مجهود، وظاهرة جد خطيرة وغير حضارية نهت عنها الأديان السماوية، وأصبح الطالب يعتاده فى حياته الدراسية، ثم يتحول هذا السلوك إلى منهاجٍ له فى حياته العملية مستقبلًا فتنهار معه مثل وقيم المجتمع.