أكد وزير الخارجية سامح شكرى وجود تغير فى العدد الكبير منَ الصراعات والنزاعات الدولية من ناحية، ومن ناحيةٍ أخرى هُناكَ تغيُرٌ نوعىٌ فى طبيعةُ الصراعات لتصبح أكثر ضراوة وعنفاً، ولتتسبب فى نزوح عشرات بل مئات الآلاف من المدنيين، ويَتصاعدُ أيضا تهديد وعنف الجماعات المسلحة، وهو ما يفرضُ على الدول استنفار الجهود لتعزيز بنية السلم والأمن على الصَعيدَين الأُممى والإقليمى.
ودعا وزير الخارجية الأمم المتحدة لمراجعة عمليات السلام المكونة من بعثات حفظ السلام والبعثات السياسية الخاصة، ومراجعة هيكل بناء السلام، إضافة إلى مراجعة التقدم المحرز فى تنفيذ أجندة الأمم المتحدة حول المرأة والسلم والأمن.
وفيما يلى نص الكلمة..
السيد موجينز ليكتوفت
رئيس الجمعية العامة
السيد يان الياسون
نائب سكرتير عام الأمم المتحدة
السادة الوزراء ورؤساء الوفود
أود بداية أن أشيد بمبادرة السيد موجينز ليكتوفت رئيس الجمعية العامة لعقد هذا النقاش رفيع المستوى المعنون "فى عالم من الأخطار: التزام جديد نحو السلام" الذى ينعقد فى سياق زمنى هام بالتزامن مع مرور سبعين عاماً على توقيع ميثاق الأمم المتحدة. وتأتى هذه الذكرى فى مرحلة حرجة يمر بها عالمنا مع بزوغ تهديدات وتحديات خطيرة للأمن والسلم الدوليين، وهى التحديات والتهديدات التى تضع الأمم المتحدة فى اختبار، إما أن تُثبت استمرار جدارتها كإطار فعال للأمن الجماعى فى عالمنا المعاصر، وإما أن تتوارى لصالح كيانات وتجمعات بديلة.
فهناك تغيرٌ كمى ناتجٌ عن العدد الكبير منَ الصراعات والنزاعات الدولية من ناحية، ومن ناحيةٍ أخرى هُناكَ تغيُرٌ نوعىٌ فى طبيعةُ الصراعات لتصبح أكثر ضراوة وعنفاً، ولتتسبب فى نزوح عشرات بل مئات الآلاف من المدنيين، ويَتصاعدُ أيضا تهديد وعنف الجماعات المسلحة، وهو ما يفر ضُ علينا استنفار الجهود لتعزيز بنية السلم والأمن على الصَعيدَين الأُممى والإقليمى.
ومن هنا، نرى أن مراجعة الأمم المتحدة لعمليات السلام المكونة من بعثات حفظ السلام والبعثات السياسية الخاصة، ومراجعة هيكل بناء السلام، إضافة إلى مراجعة التقدم المحرز فى تنفيذ أجندة الأمم المتحدة حول المرأة والسلم والأمن، إنما تمثل مجتمعة الإطار الموضوعى لإدارة "بنيةَ السلم والأمن الأممية " من منظورٍ شاملٍ، يُركزُ على التكامل بين آليات الأمم المتحدة ، وأنشطت ها المُتعددة بما يَصبُ فى صالح جهود منع وإدارة وتسوية النزاعات والصراعات الدولية ، وإحلال السلام المستدام .
إن هذه المقاربة الشاملة هى السبيل الأمثل للاستجابة إلى التحديات التى تفرضها الصراعات المسلحة المعاصرة على الأفراد والمجتمعات وبنية الدولة. وتنطوى هذه المقاربة على اعتراف بتكامل وتداخل جهود "صُنعَ السلام "، و"ح فظَ السلام "، و"ب ناءَ السلام "، باعتبار أنَّ التكامل َفيما بينَ هذه المفاهيم الثلاثة يُعتَّبَرُ الركيزةَ الأساسيةَ لتحقيق التسوية السلمية للصراعات الدولية ، مشفوعة بجهود طويلة الأجل لتعزيز استدامة السلام. وما عدا ذلك إنما يسهم فى "تجميد " الوضع فى تلك النزاعات بدلاً من تَسويت ها وإيجاد حلول مستدامة لها.
وفى هذا الإطار، أؤكد على أن الأمر يتطلب إحداث تغيير حقيقى فى منهج المنظمة وأجهزتها فى التعاطى مع النزاعات والأزمات الدولية، بحيث يتمثل هذا التغيير فى التحول من ثقافة إدارة النزاعات والأزمات الدولية إلى ثقافة تعتمد على استثمار الموارد السياسية والبشرية والمالية من أجل معالجة جذور النزاعات وحالات عدم الاستقرار، بما فى ذلك من خلال تطوير آليات الدبلوماسية الوقائية واعتماد مفهوم شامل لمنع الصراعات المسلحة. ومن ثم، انتهت المراجعات الثلاث إلى أهمية الحلول والمقاربات السياسية لتسوية النزاعات، وهو ما يتطلب هياكل وآليات تتيح تواصل وتنوع الدعم الأممى عبر المراحل المختلفة من الصراعات.
السيد الرئيس،
السيدات والسادة
لعل من أبرز نقاط الالتقاء بين المراجعات الثلاث ما جاء بها من تأكيد على أهمية الشراكات مع المنظمات الإقليمية ومع الدول المساهمة بقوات ومكونات شرطية فى بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام، بما يُسهم فى إيجاد أطر فعالة لتعزيز الملكية الإقليمية لجهود صنع وبناء واستدامة السلام. ومن هنا تكتسب الشراكة مع الاتحاد الأفريقى ومع المنظمات دون الإقليمية فى إفريقيا تحديداً أهمية خاصة لتحقيق استجابة أكثر فاعلية من ق بَل الأمم المتحدة للصراعات الدائرة فى القارة والأخطار الأمنية التى تتعرض لها، والظواهر المستحدثة التى طفت على السطح من انتشار الإرهاب إلى القرصنة، ومن هجرة غير شرعية إلى التصحر وصراعات على موارد المياه، ما يتطلب استراتيجيات شاملة تعتمد على أدوات متنوعة لدرء تلك الأخطار وعلاج أسبابها الكامنة.
وتَحملُ م صرُ، من خلال عُضويت ها الحالية فى مجلس الأمن ، وعبر اضطلاعها بمنصب مقرر اللجنة الخاصة لعمليات حفظ السلام بالجمعية العامة للأمم المتحدة، مسئولية َرفع راية الدول المساهمة بقوات فى هذا الحوار الهام. ومن هنا، شهدت القاهرة على مدار العام الماضى نشاطاً مكثفاً استضافت خلاله مشاورات إقليمية أفريقية وعربية حول عمليات المراجعة الثلاثة، لتمثل منصة لطرح رؤية منطٍقَت ها الإقليمية فى هذه العمليات الأممية من جانب، ولتعطى، من جانب آخر، قوة دفع لتطوير وإقامة بنية السلم والأمن فى إطار الاتحاد الأفريقى وجامعة الدول العربية؛ وهو ما يصُبُّ أيضاً فى تعزيز صيانة السلم والأمن الدوليين، باعتبار العلاقة الارتباطية بين الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية؛ وهو ما تَحر صُ مصرُ على تعزيز ه من خلال عضويت ها أيضا فى مجلس السلم والأمن بالاتحاد الأفريقى، ورئاست ها لقدرة إقليم شمال أفريقيا بالقوة الأفريقية الجاهزة من جانب ، وعضويت ها بالتزامن فى جامعة الدول العربية .
السيد الرئيس..
إن الضمانة الأساسية لنجاح جهود صنع وحفظ وبناء السلام يكون فى ارتكازها على الأولويات والأهداف الوطنية والمحلية للدولة المعنية، وبما يأخذ بعين الاعتبار التنوع الاجتماعى والتاريخى والثقافي. ومن ثم، فإن الالتزام بتطبيق "مبدأ الملكية والقيادة الوطنية" هو ركيزة استدامة السلام. ومن ثم، نرى أهمية تركيز الجهود الأممية مستقبلاً على الاستثمار والمساهمة فى دعم برامج بناء القدرات والمؤسسات الوطنية. فما أكثر المبادرات والبرامج التى تحاول فرض وجهة نظر لا احتياج فعلى لها. ومن ثم، نرى أن انتشار الوعى داخل منظومة الأمم المتحدة بحتمية الاستثمار فى القدرات الوطنية هو الطريق إلى جهود أكثر فاعلية ونجاحاً واستدامة من مجرد التركيز على الأبعاد الأمنية وفرض أولويات ونماذج سياسية واجتماعية لا تمت للواقع بصلة.
السيد الرئيس
السادة الحضور الكرام،
أشدد من هنا على حتمية تتويج العام السبعين فى عمر الأمم المتحدة برسالة سياسية موحدة مفادها أن استدامة السلام هو الهدف النهائى لعمل ودور المنظمة، وأنه قد حان الوقت لإعادة التفكير والتقييم الموضوعى لقدرة ومؤهلات الهياكل القائمة على تحقيق هذا الهدف. ومن ثم تتطلع مصر إلى التعاون مع الدول الأعضاء فى الجمعية العامة ومجلس الأمن ومجلس السلم والأمن الإفريقى خلال الأشهر القادمة لترجمة نتائج المراجعات الثلاث إلى إجراءات وسياسات وهياكل وموارد قادرة على تطوير ثقافة المنظمة لتكون مؤهلة للاضطلاع بمهام استدامة السلام.
وأثق فى أن مداولاتنا الحالية ستكون قوة الدفع الرئيسية فى هذا الاتجاه.
وأشكركم على حسن الاستماع.