انطلقت فى عمان صباح اليوم الثلاثاء أعمال مؤتمر الإفتاء الدولى (نقض شبهات التطرف والتكفير) الذى تنظمه دائرة الإفتاء الأردنية، تحت رعاية ملكية سامية، ويستمر لمدة يومين بمشاركة نخبة من العلماء ورجال الدين الإسلامى من بينهم فضيلة مفتى الديار المصرية الدكتور شوقى علام.
وقال المفتى العام للأردن الشيخ عبد الكريم الخصاونة – فى كلمته الافتتاحية للمؤتمر الذى حضره الأمير هاشم بن الحسين مندوبا عن الملك عبدالله الثانى – إن المؤتمر يعقد فى توقيت بالغ الأهمية بعد أن أشغل المتطرفون العالم بقضايا التكفير وأشعلوا نار الفتنة بين المسلمين فاستبيحت الدماء والأموال الأعراض وخيمت فتن كقطع الليل المظلم على كثير من العالم العربى ولا يعرف نهايتها إلا الله.
وأكد الخصاونة على أن الأمل بات معقودا على علماء الأمة الإسلامية أن ينيروا بحقيقة الإسلام وقيمه العظيمة، عقول أجيال الشباب زينة الحاضر والمستقبل، قائلا "إننا نستنكر دينيا وأخلاقيا المفهوم المعاصر للإرهاب والذى يراد به الممارسات الخاطئة أيا كان مصدرها وشكلها والمتمثلة فى التعدى على الحياة الإنسانية بصورة باغية متجاوزة لأحكام الله".
وقال "إن دائرة الإفتاء الأردنية ستبقى وبالتعاون مع المؤسسات الدينية الأخرى منارة تمحو الجهالات والضلالات المتطرفة"، مضيفا "نتعاون ونتضامن مع الأمانة العامة للافتاء العالمية التى يرأسها فضيلة مفتى الديار المصرية ونحن أعضاء فيها".
وأشار إلى أن الله سبحانه وصف فى كتابه الكريم الأمة الإسلامية بأنها أمة واحدة يشد بعضها بعضا (وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) وشهد لها الله بالخيرية (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ )..قائلا "إن الأمة الواحدة تكون قوية حية متماسكة قادرة على أداء رسالتها ودورها العظيم والواجب على كل مواطن الانتماء لها والاعتزاز بها والولاء لها".
وأضاف "إن حب الوطن من الإيمان، وهذا الواجب لا يقوم على أسس عنصرية أو عصبية بل يقوم رسالة الإسلام السمحة البيضاء النقية البعيدة عن الغلو والتطرف والإرهاب"، محذرا من أن تفريط أى مواطن فى واجبه تجاه أمته فإنه سوف يبوء بغضب الله ومقته.
ونبه إلى أن داء هذه الأمة يبدأ من داخلها بالتنازع والتناحر، لافتا إلى أن التنازع والتناحر لم يحدث إلا بعد ظهور الفرق الحاقدة والعصابات المتطرفة والتى كان أكثرها عداوة وأشدها حقدا وسوءا عصابة داعش الإرهابية.
وقال الخصاونة "إن عصابة داعش الإرهابية فارقت الجماعة وحكمت على بلدانها بالكفر وانطلقت إلى آيات أنزلت فى الكفار واستحلوا دماء المسلمين وأرواحهم، وهم لا عن حق يقاتلون، ولا عن منكر ينهون بل هم فى ضلال مبين".
ومن جهته قال مفتى القدس والديار الفلسطينية فضيلة الشيخ محمد حسين إن المتطرفين الذين ينتسبون إلى الإسلام ظلما وبهتانا هم بعيدون كل البعد عن الدين وتعاليمه وأحكامه ومقاصده، لافتا إلى أن هؤلاء المتطرفين يستهدفون الأمة فى عقيدتها وشريعتها.
ولفت إلى أن فلسطين تعانى أيضا تطرفا أكبر من التطرف الذى يسود العالم، فالتطرف الإسرائيلى يستهدف الحجر والشجر والإنسان والمقدسات ..قائلا "إننا نواجه عدوانا وتطرفا على مقدساتنا وعقيدتنا وحضارتنا وتاريخنا، عدوانا يستهدف شطب الحضارة الإسلامية القائمة منذ 14 أو 15 قرنا من الزمان لحساب حضارة مزيفة لا يقرها التاريخ ولا العقليات ولا كل الدارسات.
وقال "إن الإسرائيليين يريدون أن يزيفوا ويزوروا التاريخ فى القدس والأقصى زورا وبهتانا، ومع ذلك فإننا لن نتخلى عن ديارنا ونقول لأمتنا جميعا سنبقى صابرين مرابطين لصد هذا العدوان والتطرف الإسرائيلى حتى لو كلف ذلك بذل الأرواح لأن الدفاع عن أرضنا ومقدساتنا جزء من عقيدتنا وتاريخنا وحضارتنا".
وأشار إلى أن الأردن ملكا وحكومة شعبا قدموا الكثير لحماية المقدسات الإسلامية والمسيحية فى القدس من عدوان المتطرفين الذين يريدون أن يغتصوبها وأن يخلقوا واقعا جديدا فيها بممارساتهم الاستفزازية ومنها الاقتحامات المستمرة وتدنيسه ومحاولاتهم إتمام عقود زواجهم فى الأقصى وممارسة الشعائر التلمودية..معربا عن أمله فى تكون الأمة الإسلامية واحدة موحدة تحرر قدسها وأقصاها ليكون المسلمين وحدهم.
وبدوره اعتبر محمد مطر سالم الكعبى رئيس الهيئة العامة للشئون الإسلامية والأوقاف بدولة الإمارات المؤتمر مبادرة على الطريق الصحيح لفك أسر الخطاب الدينى من أيدى المتطرفين الذين اختطفوا الدين وزعموا أنهم يقيمون دولة الإسلام ودعوا المسلمين للخروج على الحكام شكلوا عصابات الغدر والإجرام وأصدروا فتاوى التكفير والتفجير بحق الصغير والكبير ممن لا يبايعهم ولا يؤيد تطرفهم وانحرافهم.
وقال الكعبى إن هذه الفئة تكفر الحكام زاعمة أنهم لم يحكموا بما أنزل الله، كما يكفرون الشعوب لأنهم رضوا بحكامهم، ويكفرون أيضا العلماء لأنهم لما يكفروا الحكام إجراء لأصلهم فى أن من لم يكفر الكافر فهو كافر .. فهم يكفرون كل من عرضوا عليه دعوتهم ولم يقبلها أو لم يبايع زعيم عصابتهم، وإذا ما بايع ثم ارتد فهو فى نظرهم مرتد.
وأضاف "إنهم اعتبروا كل العصور الإسلامية بعد القرن الرابع عصور كفر وأوجبوا على المسلمين ترك الأمن والوطن والهجرة إلى أرض، فابتدعوا من عند أنفسهم أحكاما مخالفة للدين وعصوا كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وابعتدوا عن مفهوم الصحابة والتابعين مستشهدين بنصوص أساءوا فهمها وحرفوها عن مقاصدها".
وأشار إلى أن انحرافهم الفكرى تحول إلى اعتداءات آثمة ممولة وجرائم ممنهجة .. فروعوا الآمنين وقتلوا الأبرياء المسالمين واستحلوا المحارم وعاثوا فى الأرض فسادا وأتوا من الجرائم أبشعها ومن الموبقات أشنعها، لافتا إلى أن هذه الأعمال الإرهابية الإجرامية ترتكب تحت شعار الجهاد تشويها لحقائقه وتحريفا لمقاصده.
وقال إننا ننتظر من هذا المؤتمر أن يقوم بتوضيح الحقائق وتصحيح المفاهيم ونقض الشبهات وتأصيل الرد الشرعى على أصحاب الفكر المتطرف والمنحرف، مؤكدا على أن ما سيصدر عن هذا المؤتمر من دراسات وأبحاث تأصيلية تحتاج إلى بذل الجهود والخطط والمبادرات لترويجها عبر كافة الوسائل المعاصرة ومواقع التواصل الاجتماعى وإدراجها فى مناهج التعليم الرسمى وخطب الجمعة ودروس الوعظ الدينى والندوات والفعاليات المختلفة لتحصين الشباب من الانخداع بأفكار التطرف والتكفير.
ويشارك فى المؤتمر نخبة من العلماء ورجال الدين الإسلامى من 16 دولة عربية وإسلامية وأجنبية هى: مصر، السعودية، فلسطين، اليمن، لبنان، تايلندا، فيينا، داغستان، فرنسا، أوكرانيا، السويد، باكستان، نيجيريا، النيجر، المغرب، ماليزيا، كردستان العراق، الكويت، العراق.
ويتضمن تقديم 15 بحثا من العلماء والباحثين فى مجال التطرف والتكفير الذى يشغل العالم حاليا ليناقشها المشاركون بهدف إخراج توصيات تخدم الأمة العربية والإسلامية فى هذا المجال، وسوف يتخلله أربع جلسات حوارية يرأسها ويشارك بها عدد من العلماء وأصحاب وجهات النظر المختصة بمجال التكفير والتطرف.