كان أبو دلامة من الشعراء المعروفين بالظرف والقدرة على الهجاء، وفى مرة كما ورد فى المستطرف خاصم أبو دلامة رجلا فارتفعا إلى قاضى يسمى «عافية»، فلما رآه أبو دلامة أنشد يقول:
لقد خاصمتنى دهاة الرجال وخاصمتها سنة وافية
فما أدحض الله لى حجة ولا خيب الله لى قافية
ومن خفت من جوره فى القضاء فلست أخافك يا عافية
فقال عافية لأبى دلامة: لأشكونك إلى أمير المؤمنين، ولأعلمنه أنك هجوتنى، قال له أبو دلامة: إذا والله يعزلك، لأنك لا تعرف الهجاء من المدح، فبلغ ذلك المنصور فضحك وأمر له بجائزة.
ودخل أبو دلامة على المهدى وعنده إسماعيل بن على وعيسى بن موسى والعباس بن محمد، وجماعة من بنى هاشم، فقال له المهدى والله لئن لم تهج واحدا ممن فى هذا البيت لأقطعن لسانك، فنظر إلى القوم وتحير فى أمره، وجعل ينظر إلى كل واحد فيغمزه بأن عليه رضاه. وقال أبو دلامة فازددت حيرة فما رأيت أسلم لى من أن أهجو نفسى فقلت:
ألا أبلغ لديك أبا دلامة فلست من الكرام ولا كرامة
جمعت دمامة وجمعت لؤما كذاك اللؤم تتبعه الدمامة
إذا لبس العمامة قلت قردا وخنزيرا إذا نزع العمامة
فضحك القوم ولم يبق منهم أحد إلا أجازه
ونقل عباس المبرد عن الجاحظ، قوله: أنشدنى بعض الحمقى شعرا قال فيه:
إن داء الحب سقم.. ليس يهنيه القرار
ونجا من كان لا يعشق.. من تلك المخازى
فقلت له : إن القافية الأولى راء والثانية زاى، فقال : لا تنقط شيئا.. فقلت: إن الأولى مرفوعة والثانية مكسورة.. فقال : يا سبحان الله نقول له لا تنقط فيشكل.
وحكى الأصمعى قال: كنت أسير فى أحد شوارع الكوفة فإذا بأعرابى يحمل قطعة من القماش فسألنى أن أدله على خياط قريب فأخذته إلى خياط يدعى زيدا، وكان أعور فقال الخياط: والله لأخيطنه خياطة لا تدرى أقباء هو أم دراج؟. فقال الأعرابى والله لأقولن فيك شعرا لا تدرى أمدح هو أم هجاء؟. فلما أتم الخياط الثوب أخذه الأعرابى، ولم يعرف هل يلبسه على أنه قباء أو دراج فقال فى الخياط هذا الشعر:
خاط لى زيدا قباء.. ليت عينيه سواء
فلم يدر الخياط ادعاء له أم دعاء عليه.