أكد اللواء محمد إبراهيم الدويرى، نائب المدير العام للمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، ضرورة توقف كافة السياسات المتشددة التى تنتهجها القيادة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين وخاصة في مجال الاستيطان وضم الأراضي واقتحام المسجد الأقصى، وأن تبدأ التفكير العملى الجاد نحو بدء عملية سياسية واستئناف التفاوض مع الجانب الفلسطيني وطرح كافة قضايا الوضع النهائي على مائدة المفاوضات.
وقال إبراهيم - في مقال نشره موقع المركز المصري للفكر والدراسات اليوم /السبت/ بعنوان "ماذا تريد إسرائيل؟ وماذا تنتظر وتتوقع؟" - إنه من المؤكد أن الأحداث الأخيرة التي وقعت في الداخل الإسرائيلي وكذا تلك التي شهدتها الضفة الغربية المحتلة ولا تزال بعض جوانبها تجري في بعض مدن الضفة ومدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك تطرح تساؤلا شديد الأهمية مفاده ماذا تريد إسرائيل وماذا تنتظر وماذا تتوقع؟ وهل عمليات العنف التي وقعت قد ارتبطت بأسبابٍ معينة؟ وهل ستكون هذه العمليات هي الأخيرة أم أنها سوف تتواصل وتتطور خلال المرحلة المقبلة؟ وحتى أكون موضوعياً لابد أن أعمم نفس التساؤل على الجانب الفلسطيني، فماذا يريد الفلسطينيون وماهي مطالبهم وماهي رؤيتهم للمستقبل؟.
وأضاف أن مطالب الفلسطينيين واضحة ومحددة ومشروعة ولا تتضمن أية مبالغات، حيث يمكن القول إن أقصى طموح الشعب الفلسطيني يتمثل في أن تكون له دولة مستقلة ذات سيادة متواصلة الأطراف على حدود 1967 عاصمتها القدس الشرقية تعيش جنباً إلى جنب بجوار دولة إسرائيل في أمن وسلام واستقرار، وأن يتم تحقيق هذا الهدف من خلال المفاوضات.
وأشار إلى أن الدولة الفلسطينية المزمعة سوف تكون في هذه الحالة - إذا تحقق ذلك الهدف - على حوالى 22% من مساحة فلسطين التاريخية وهذا من الناحية النظرية، أما من الناحية العملية فإن الجانب الفلسطيني تأكيداً لمرونته لا يمانع من حيث المبدأ في أن تضم إسرائيل بعض الأراضي الفلسطينية المقام عليها بعض المستوطنات ولكن بشرط رئيسي وهو أن يضم الفلسطينيون في المقابل بعض الأراضي الإسرائيلية وذلك في إطار ما يسمى بعملية تبادل الأراضي بين الجانبين (SWAP) على أن يتم هذا التبادل بنفس القيمة والنسبة وألا يزيد عن 2% على الأكثر.
وتابع : الجانب الفلسطيني أبدى كل أوجه المرونة الممكنة خلال سنوات طويلة من التفاوض بدأت منذ اتفاقات أوسلو التي شهدت اعترافاً واضحاً وصريحاً من جانب منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل ومروراً بما يسمى بتفاهمات أولمرت / أبو مازن عام 2007 ووصل الأمر إلى تقديم الرئيس الفلسطيني محمود عباس "أبو مازن" خلال خطاب ألقاه في مجلس الأمن في شهر فبراير 2018 رؤية سلام شاملة تتضمن حلولاً واقعية لكافة قضايا الحل النهائي بما فيها القدس واللاجئون والأمن والحدود، ولا يزال الموقف الفلسطيني حتى الآن يتبنى بكل صدق التوجه نحو السلام ونبذ العنف والإرهاب.
وقال إنه "إذا انتقلنا إلى الموقف الإسرائيلي فسوف نجد أن كافة تحركات وسياسات ومواقف القيادة الإسرائيلية تشير إلى أن قضية السلام قد أسقطتها الحكومات المتعاقبة وحتى حكومة بينيت الحالية من أجندتها، ليس ذلك فقط بل لا توجد أية دلائل حتى الآن على أنه يمكن أن يكون هناك تغييراً إيجابياً في الموقف الإسرائيلي خاصة مع تزايد قوة التوجهات اليمينية والدينية المتشددة، بالإضافة إلى ضعف التوجهات اليسارية التي تشارك في الحكومة الحالية، في الوقت الذي تتحين فيه المعارضة بزعامة رئيس الوزراء السابق بنيامين ناتانياهو الفرصة للانقضاض على الحكم مرة أخرى وبالتالي نستمر في نفس الحلقة المفرغة".
وأضاف اللواء محمد إبراهيم، أن إسرائيل لم تقم حتى الآن ببلورة رؤيتها الرسمية للسلام التي لا يعرف أحد معالمها أو حدودها بشكل قاطع، كما لم تقبل تل أبيب بمبادرة السلام المعتدلة التي طرحتها الدول العربية في قمة بيروت عام 2002 والتي تتبنى مبدأ التطبيع والسلام الشامل مع إسرائيل في مقابل الانسحاب الكامل من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة.
وأوضح أنه "في نفس الوقت فإن كل ما يمكن أن نستخلصه من مواقف وتصريحات القيادة الإسرائيلية لا يخرج عن معارضة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ورفض مبدأ حل الدولتين طبقاً للمفهوم الدولي الذي تم إقراره في العديد من القرارات والمبادرات، حتى أن إسرائيل ترفض مبدأ الدولة الواحدة أيضاً رغم أنني أعارض تماماً هذا الحل الغير واقعي الذي سوف يجعل من الفلسطينيين مواطنين من الدرجة الثانية".
وتابع :"لا شك أن أحد الجوانب السلبية في مواقف إسرائيل يتمثل في أنها لم تستثمر حتى الآن وجود قيادة فلسطينية معتدلة برئاسة رجل سلام يتبنى التوجهات السلمية الواقعية ويرفض العنف وهو الرئيس "أبو مازن"، الأمر الذي يثير تساؤلاً من نوعٍ آخر وهو ماذا تتوقع إسرائيل في مرحلة ما بعد الرئيس أبو مازن ؟ وهل تؤجل خطواتها انتظاراً لهذه المرحلة؟، مضيفا: "في رأيي أن القيادة الإسرائيلية سوف تكون واهمة للغاية إذا اعتقدت أن هناك قائداً أو زعيماً أو رئيساً أو مسئولاً فلسطينياً رسمياً يمكن أن يتنازل عن أي من الثوابت الفلسطينية المعروفة حيث إن هذه الثوابت لا يملكها فرد أو شخص واحد بل كانت وسوف تظل ملكاً فقط للشعب الفلسطيني في الداخل والشتات والتي لن يجرؤ أحد على التفريط فيها تحت أية ظروف".
وشدد على أن الأوان قد حان أن تراجع إسرائيل سياساتها التي تطبقها في المناطق الفلسطينية التي تتراوح بين الاعتقالات ومصادرة الأراضي والقتل وهدم المنازل والاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى الذي يمثل أهمية دينية خاصة ليس للفلسطينيين أو للعرب فقط بل للعالم الإسلامي أجمع، كما يجب على إسرائيل أن تراجع بدقة وتستخرج الدروس المستفادة من كافة التطورات السابقة سواء الانتفاضتين الفلسطينيتين عامي 1987 وعام 2000 ثم الحروب الأربع على قطاع غزة أعوام 2008 و2012 و2014 و2021 وطبيعة النتائج التي ترتبت على كافة هذه الأحداث وما أدت إليه من تأثيرات ليست فقط على مستوى الخسائر المادية والبشرية ولكن أيضاً تعميق مبادئ الكراهية والثأر والانتقام بين الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني تلك المبادئ السلبية التي تتعمق بمرور الوقت ولن يتم إنهاؤها إلا من خلال إقرار السلام العادل.
وأكد ضرورة أن تعلم القيادة الإسرائيلية، أن الاستقرار الكامل والأمن الشامل الذي تأمله لن يتحقق مطلقاً بدون أن توافق عن طواعية وعن قناعة على منح الفلسطينيين حقوقهم المشروعة وإقامة دولتهم المستقلة ، كما يجب عليها أن تعلم أن كافة معاهدات السلام التي أبرمتها مع العديد من الدول العربية حتى وإن منحتها بعض المزايا الاقتصادية والسياسية وغيرها من المزايا إلا أنها لن تمنحها الأمن الحقيقي الذي تنشده، وأعتقد أن العمليات الأخيرة التي تمت داخل إسرائيل أو في الضفة الغربية خير دليل على أن مثل هذه المعاهدات والاتفاقات سوف تظل قاصرة عن تحقيق أمن إسرائيل.
وشدد على أهمية أن تعي القيادة الإسرائيلية أن سياسة القبضة الحديدية التي تطبقها في الضفة الغربية لم ولن تحول دون أن نرى عمليات متكررة يقوم بها شباب فلسطيني لا يرى أي أمل في المستقبل، وبالتالي يعبر عن موقفه بهذه الطريقة ويشعر أنه ليس لديه ما يخسره، ومن المؤكد أن العنف ليس أمراً مطلوباً أو مرغوباً على الإطلاق من أي جانب بل ومداناً تجاه الأبرياء، ولكن لابد أن تقف القيادة الإسرائيلية مع نفسها مرة واحدة وتبحث بجدية وموضوعية عن الأسباب الحقيقية لهذه العمليات وهذا التصعيد الذي يتم بين فترة وأخرى، متابعا: "في رأيي أن الموضوعية المجردة التي أطالب بها لابد أن تصل بإسرائيل إلى نتيجة واحدة مفادها أن انسداد الأفق السياسي أمام الفلسطينيين يمثل السبب الوحيد لهذه العمليات التي يمكن أن تتطور في مرحلة لاحقة إلى ما لا يحمد عقباه".
وطالب القيادة الإسرائيلية بأن تتوقف عن كافة السياسات المتشددة التي تنتهجها تجاه الفلسطينيين وخاصة في مجال الاستيطان وضم الأراضي واقتحام المسجد الأقصى، وأن تبدأ التفكير العملي الجاد نحو بدء عملية سياسية واستئناف التفاوض مع الجانب الفلسطيني وطرح كافة قضايا الوضع النهائي على مائدة المفاوضات، ومن المؤكد أنه في هذه الحالة سوف تنفرج الأفق المسدودة ويبدأ الفلسطينيون يستشعرون أن هناك أملاً في المستقبل وسوف يكونون أكثر حرصاً على توفير المناخ الملائم لإنجاح هذه المفاوضات ما دامت سوف تمهد لإقامة دولتهم الفلسطينية المستقلة التي لن تشكل تهديداً لأحد بل سوف تكون إحدى ركائز الاستقرار والأمن في المنطقة، مع الأخذ في الاعتبار أن الجانب الفلسطيني أبدى مراراً استعداده لمنح إسرائيل الضمانات الأمنية المعقولة التي تطلبها بالتوافق وبشرط ألا يؤثر ذلك على سيادة وتواصل الدولة الفلسطينية.
ورأى أن استئناف المفاوضات الجادة التي تستند على أسس ومرجعيات مقبولة سوف تحقق أمن ومصالح الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني وسوف تتوصل إلى النتائج المرضية لكلا الطرفين مهما كانت صعوبتها المتوقعة، وهو أمر ممكن وليس مستحيلاً في حالة إذا ما توصلت القيادة الإسرائيلية إلى قناعة بأن الحفاظ على أمن إسرائيل القومي يتطلب إقامة دولة فلسطينية وليس العكس.
وأكد إبراهيم أنه بدون هذا الحل السياسي فإن الفلسطينيين لن يكون أمامهم سوى انتهاج كافة الوسائل سواء المشروعة أو غير المشروعة للتعبير عن مواقفهم وجذب المجتمع الدولي، من أجل أن يعلم أنه لا يزال هناك شعب محتل كل أمله أن يحيا في دولة مستقلة مثله مثل أية دولة أخرى في هذا العالم.
واختتم مقاله بالتأكيد على أن الانتفاضة الفلسطينية الثالثة إذا انطلقت فإن الخسائر الجسيمة سوف تطال الجميع بلا استثناء وأولهم بالقطع إسرائيل، وهو الأمر الذي يفرض على القيادة الإسرائيلية الإسراع بتقديم المرونة المطلوبة تجاه الفلسطينيين الذين لا زالت أياديهم ممتدة نحو السلام، حيث إنه لا أمل لإسرائيل في سلام وتطبيع حقيقي دائم مع الدول العربية والإسلامية - مهما تعددت اتفاقات التطبيع - دون المرور من بوابة واحدة اسمها الدولة الفلسطينية المستقلة.