أحييت الصفحة الرسمية للأزهر الشريف، ذكرى وفاة الشيخ محمد مأمون الشناوى، شيخ الأزهر الراحل والذى توفى فى 3 سبتمبر عام 1950.
المولد والنشأة
وُلد محمد مأمون الشناوى فى (11 من شعبان 1295هـ = 10 من أغسطس 1878م)، فى قرية "الزرقا" بمحافظة "الدقهلية"، ونشأ فى بيت علم وصلاح، فأبوه كان عالمًا جليلا معروفًا بالتقوى والصلاح، وأخوه الأكبر سيد الشناوى تخرج فى الأزهر، وعمل بالقضاء الشرعى، وترقى فى مناصبه حتى أصبح رئيسًا للمحكمة العليا الشرعية.
وبعد أن أتم حفظ القرآن الكريم، وتعلم مبادئ القراءة والكتابة التحق بالأزهر، وانتظم فى حضور حلقات العلم التى تُعقد فى أرجائه، غير أن الطالب الصغير فاجأه أسلوب التعليم بالأزهر، ودراسة المتون، والشروح والحواشى والتقارير؛ فضاق بكل هذا، ولم يحتملها عقله فأعرض عنها، وقرر أن يعود إلى بلدته ويهجر الدراسة، غير أن أباه هدأ من روعه، وبثّ فيه الثقة، فعاد إلى الدراسة، وواصل التعليم فى جد ومثابرة، فانفتحت له مغاليق العلوم، وفهم ما كان غامضًا؛ حتى صار موضع رضا شيوخه وأساتذته. واتصل بالإمام محمد عبده والشيخ أبى الفضل الجيزاوى، ولقى منهما كل رعاية وتشجيع، حتى حصل على شهادة العالمية سنة (1324 هـ = 1906م).
وبعد التخرج عُين مدرسًا بمعهد الإسكندرية الدينى الذى كان قد أنشئ فى سنة (1321 هـ = 1903م). واتبع التعليم فيه نظام التدريس فى الجامع الأزهر، ثم نُقل إلى العمل قاضيًا بالمحاكم الشرعية، ولم يمنعه جلال المنصب من المشاركة فى العمل الوطنى إبان ثورة 1919م، التى عمَّ لهيبها البلاد، وأجَّجها حماس الناس ووطنيتهم، ثم اشترك مأمون الشناوى فى إشعال الثورة بلسانه وقلمه؛ فكان يرتجل الخطب الحماسية فى المساجد والكنائس والمنتديات، وينظم المظاهرات ويمشى فى طليعتها، ويكتب المقالات فى الصحف والمجلات.
ثم اختير إمامًا للسراى الملكية، وظل به خمس سنوات، وكان يُراعى فيمن يتولى هذا المنصب غزارة العلم وسعة الأفق، وأن يكون محل تقدير واحترام، ثم عُيِّن فى سنة (1349هـ = 1930م) شيخًا لكلية الشريعة؛ فكان أول من تولى مشيختها فى تاريخ الأزهر، وقد نجح فى قيادة كليته وتنظيم الدراسة بها، ثم نال فى سنة (1353هـ = 1934م) عضوية "جماعة كبار العلماء"، وكانت أكبر هيئة علمية شرعية فى العالم الإسلامى، ولا ينال شرف عضويتها إلا الجهابذة من علماء الأزهر، وممن عُرفوا بسعة العلم والمعرفة، ثم عُين فى سنة (1364هـ = 1944م) وكيلا للجامع الأزهر، ورئاسة لجنة الفتوى بالجامع الأزهر.
قبل المشيخة
ولما تُوفِّى الإمام الأكبر محمد مصطفى المراغى شيخ الجامع الأزهر سنة (1365هـ = 1945م) اتجهت الأنظار إلى ثلاثة من كبار علماء الأزهر؛ ليكون أحدهم شيخًا للجامع الأزهر، والثلاثة هم: محمد مأمون الشناوى، وإبراهيم حمروش الذى تولى مشيخة كلية الشريعة بعد الشناوى، والشيخ عبد المجيد سليم مفتى الديار المصرية، رئيس جماعة كبار العلماء، غير أن الملك فاروق لم يكن راغبًا فى تولى أحدهم المشيخة، وتطلع إلى شيخ جليل هو مصطفى عبد الرازق ليتولى منصب المشيخة، وهو جدير بالمنصب لعلمه وفضله، لكن تعيينه فى هذا المنصب مخالف لقانون الأزهر الذى ينص على أن يكون اختيار شيخ الجامع الأزهر من بين "جماعة كبار العلماء"، ولم يكن مصطفى عبد الرازق حينئذ عضوا فى تلك الجماعة المرموقة.
وحاولت الحكومة المصرية آنذاك تعديل قانون الجماعة بحيث يسمح بإعطاء عضويته للشيخ مصطفى عبد الرازق، فاصطدمت بالثلاثة الكبار من علماء الأزهر الذين أصروا على الرفض، ولم يكن رفضهم اعتراضًا على شخص مصطفى عبد الرازق أو تقليلا من شأنه، ولكن كان ذلك حفاظًا على القانون، ودفعًا لطغيان السلطة التى تريد أن تعبث بهيبة علماء الأزهر ومكانتهم.
وقدم الثلاثة استقالتهم من مناصبهم، وتمكنت الحكومة من تعديل قانون الجماعة بحيث يُسمح بترشيح مصطفى عبد الرازق لمشيخة الجامع الأزهر، وعُين بالفعل فى المنصب الكبير فى (22 من المحرم 1365 هـ = 27 من ديسمبر 1945م)، وتشاء الأقدار ألا تطول مدته فى المشيخة فلم يكد يمر عليه عام حتى لقى ربه فى (24 من ربيع الأول 1366هـ = 15 من فبراير 1947م)، وأن يتولى المعترضون الثلاثة المشيخة على التوالى، ويكون محمد مأمون الشناوى أولهم فى تولى المشيخة.
مشيخة الجامع الأزهر
تولى الإمام محمد مأمون الشناوى مشيخة الأزهر فى (2 من ربيع الأول 1367هـ = 18 من يناير 1348م)، واستقبل رجال الأزهر نبأ تعيينه استقبالا طيبا، وكان الشيخ الجليل عند حسن ظن علماء الأزهر وطلابه؛ فنهض بالأزهر، وأولاه عنايته التى ظهرت نتائجها فى ارتفاع ميزانية الأزهر، والقضاء على العصبيات الحزبية التى كادت تُحدث فتنة فى الأزهر، بعد أن تدخلت الأحزاب السياسية فى شؤون الأزهر وترشيح بعض شيوخه، ثم بدأ الشيخ يُمكِّن للأزهر فى مصر والعالم الإسلامى، فعمل على زيادة المعاهد الدينية فى مصر، وحرص على ألا تخلو مدن مصر الكبرى من معهد أزهرى، فأنشأ خمسة معاهد كبرى فى (المنصورة والمنيا وسمنود ومنوف وجرجا)، وعُنى بكليات الأزهر عناية تامة، ونقلها إلى المبانى الجديدة التى خُصصت لها.
وعمل على تقوية الروابط بين الأزهر والعالم الإسلامى، فأوفد البعوث العلمية المختلفة إلى أنحاء العالم الإسلامي؛ تنشر العقيدة الصحيحة، ومبادئ الإسلام السمحة، وشرائعه الغراء، وتقرب ما بين الطوائف المختلفة، وتنزع ما يكون بينها من أسباب الفرقة والخلاف، وفى الوقت نفسه فتح أبواب الأزهر أمام الوافدين من الطلبة المسلمين من باكستان والهند والملايو وإندونيسيا وغيرها، حتى بلغت البعوث فى عهده ما يزيد على ألفى طالب أُعدت لهم أماكن الدراسة والإقامة.
كما أرسل بعثة من نوابغ العلماء إلى إنجلترا لدراسة اللغة الإنجليزية والتمكن منها؛ تمهيدًا لإرسالهم إلى البلاد الإسلامية العديدة التى لا تجيد التخاطب إلا بهذه اللغة.
وسعى الشيخ بما له من مكانه إلى وزارة المعارف؛ لتجعل مادة الدين الإسلامى أساسية فى التعليم، وفتح مجالات التدريس فى الوزارة أمام خريجى الأزهر، وتدخل بقوة لدى الحكومة لإلغاء البغاء الرسمى، فنجحت مساعيه، وأُلغى هذا العمل.
وكان للشيخ مواقف أخرى محمودة، يأتى على رأسها موقفه من فلسطين؛ حيث ذكر المسلمين بوجوب الجهاد لنصرة فلسطين ودعاهم هم وحكامهم إلى الوقوف فى وجه الهجمة الصهيونية حتى يؤدوا هذه الفريضة ويذكرهم التاريخ بخير.
وفاة الشيخ
ظل الشيخ يعمل فى دأب، ويواصل جهوده فى صبر وتأنٍّ حتى داهمه المرض؛ فألزمه الفراش، وظل طريحه حتى توفى فى (21 من ذى القعدة 1369هـ = 3 من سبتمبر 1950م)، وخلفه فى منصبه الإمام عبد المجيد سليم.