اختتمت أعمال مؤتمر " الدراسات الإسلامية فى الجامعات: نحو تعزيز قيم المواطنة والتعايش" الذى نظمته كلية الدراسات الإسلامية فى جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، وأصدر المؤتمر عددا من التوصيات التى من شأنها تعزيز قيم المواطنة والتعايش عبر مناهج الدراسات الإسلامية فى الجامعات، والإسهامِ فى تحقيق السّلم والمحافظةِ على استقرار المجتمعات وأمن الأوطان، وتضمنت التوصيات: بناء رؤية وطنيةٍ قِيَمَيَّةٍ وأخلاقية، تنظر إلى الوطن بروح الحبِّ والوفاءِ والصدق والأمانة والمواطنة الصالحة، فترعى حقَّ ولاة الأمر، وتذودُ عن الوطن وتحترم قوانينه، وتحافظ على مكتسباته الفكرية والثقافية والإنسانيّة والاستراتيجية، وإجراء تجديدٍ منهجى ومضمونى مؤصَّلٍ ومقعَّدٍ لمناهج الدراسات الإسلامية، لأجل تزويد المجتمعات المسلمة بروايةٍ صحيحة للدين، مأخوذةٍ من مصادرها الموثوقة وداخلَ المحاضن المؤسّسية المأمونة الخادمة للوطن والإنسان.
إلى جانب سد الفجوة بين الدّراسات الإسلاميّة وبين روح العصر، إذ أن لكلّ عصر واجباتِه وقضاياه وله مذاقُه ومزاجُه، فلا بد لنهر الدّراسات الإسلامية أن يظلَّ وفيا لمنبعه، متفاعلا متلوِّنا بلون تربة واقعه، كذلك وضع خطّةٍ زمنية للقاءات ممهدة للمؤتمرات المعنيّة بالدراسات الإسلامية، على مستويات وزارات التعليم العالى، وذلك لوضع الخِطط الاستراتيجية لتطوير الدراسات الإسلامية، وإعداد معاييرَ موحَّدة لبرامج الدراسات الإسلامية تستند على منهج الوساطات المعرفية بين التراث والمعاصرة، والفلسفةِ والدين، والدّينِ والعلم، والوساطةِ بين الخطاب الدّينى والواقع، استنادا على منهج التكامل المعرفى، وإدماج القيم، وفق أعلى معايير الجودة، وبناءً على الجوانب الإيجابية فى تجارب المؤسسات الجامعية فى مختلِف الدول العربية والإسلامية، مع مراعاة الخصوصيّات المحلية.
كما تضمنت التوصيات عقد شراكات مع المؤسسات الجامعية العالمية المعنية بالدراسات الإسلامية لتبادل الخبرات والتصورات واتباع أفضل سبل البحث العلمى، ووضع معايير دولية وتقنية لالتحاق الطلبة بتخصصات الدراسات الإسلامية، حيث يجب العمل على استقطاب أفضل الكفاءات لمواءمتها مع سوق العمل، وربط مساقات الدّراسات الإسلاميّة بمؤشّرات القِيم وعلى رأسها المواطنة والتّسامح والتّعايش والرحمة، إضافة إلى تنظيم ورش شبابيّة محلّيّة ودوليّة لطلبة الدّراسات الإسلاميّة حول موضوعات المواطنة والتّعايش، واستحداث أقسام لتدريب أعضاء الهيئة التّدريسيّة وَفقَ أحدث مناهج التكوين فى طرق التدريس الجامعى والبحث العلمى، وتشجيع الباحثين على الانفتاح على مختلِف المناهج الحديثةِ فى حقل الدّراسات الإسلاميّة.
إلى جانب تخصيص مِنح بحثيّة لتحفيز الباحثين على إنجاز بحوث موسّعة فى موضوع المؤتمر، وعقد ورش عمل ولقاءات دائمة لتدارس المستجدات العلمية الحديثة لأن أهم النظريات العلمية المعاصرة صارت دعامة أساسية لأصول المعتقدات الدينية، والاهتمام بالعلاقة بين العلم والدين على ضوء آخر المستجدات والنظريات العلمية الكبرى باعتبار هذا الموضوع رافدا مهما لمشاريع تجديد الدراسات الإسلامية فى الجامعات، وإطلاق منصة علمية دوليّة هدفها إيجاد فضاء رحب للمؤسسات العلمية والأكاديمية المتخصصة لبناء بنية تحتية للبحث العلمى المنشور باللغة العربية، وتطوير البرامج الأكاديمية التنافسية وحوكمتها فى الدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية، والاستثمار فى الكوادر البحثية وذلك من خلال إجراء البحوث البينية بين المتخصصين وبالشراكة مع المنصات العلمية العالمية ذات العلاقة لتبادل المعرفة والنشر، وتطوير الاختبارات القياسية فى مجال الدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية لضمان كفاءة المخرجات التعليمية وفقا للمعايير العالمية، وإعداد برامج لتطوير خطبة الجمعة وتدريب الخطباء وَفق رؤيةٍ منضبطة تربط بين الأبعاد الرّوحيّة وواقع النّاس وقضاياهم الكبرى، ومنفتحةٍ على المعارف الإنسانيّةِ تفعيلا لدورها فى حماية الأمن الروحى، وتعزيز قيم المواطنة والتّسامح والتّعايش والمحبّة.
إلى ذلك خرج مؤتمر الدراسات الإسلامية فى الجامعات بعدد من النتائج منها: أن إعادةَ قراءةِ الذات، واكتشافَ جوانب التفرد والتميز فى العلوم والمعارف الشّرعيّة من الضرورات الملحة، تحصينًا للشباب من الأفكار المتطرّفة والتّوجّهات الهدّامة التى تطمسُ هويّتهم الدّينيّة والوطنيّة. كما أن المطلب التجديدى فى الدراسات الإسلامية ينطلق من الوعى بما تُتَّهَمُ به بعضُ المناهج التربوية الدينية من المسؤوليِة عن انتشار التطرف والثقافة المأزومة، سواءٌ تعلق الأمر بالبرامج أو بالكتب أو بالمربى نفسِه، وأنّ حاجاتِ الإنسان الروحيةَ والعمليةَ متغيرةٌ متطوّرةٌ بتطوّر السياقات، فلذلك صحّ أن تتطوّر كذلك غاياتُ العلوم وتتغيّر، وأن تَنشأ علوم جديدة لأغراض جديدة، والواجب على الدراسات الإسلامية أن تكون حاضرةً ضمن سياق التغيرات، وجاهزةً للاستفادة من كل مستجِد إيجابى خادمٍ للإنسان، إضافة إلى أن من موجِبات إعادة بناء الدّراسات الإسلاميّة وتطوير مناهجها ما تعرفه حركة الإبداع والاجتهاد الفقهى من الرّكود، مما ترتّب عليه العجزُ عن مواكبة مستجِدات العصر فى المعاملات وضحالةُ الإنتاج الفكرى، فكل هذا يبرر الحاجة إجراء عمليات تجديدية متبصِّرةٍ، ويجب أن ينطلق التجديد من أساسٍ شرعى يسعى إلى المصالحة بين النّصّ والواقع والدين والعقل.
ومن النتائج أيضا أن منهج الوصل المعرفى أضمنُ وَسِيلةٍ لبناء الجسور بين الحقول المعرفية والمَمَرَّاتِ الواصلةِ بين الفضاءات الثقافية، وهو منهج التحالفِ بين القيم والتوازنِ بين الكليات، وأنّ الوساطات المعرفيّة أضمن وسيلة للحفاظ على أصالة العلوم الشّرعيّة وتحقيق التّكامل بينها وبينَ العلوم الإنسانيّة دون حاجة إلى ابتداع مسمّياتٍ هجينةٍ من قبيل «الأسلمة»، التى أفسدت بنيةَ العلوم الإسلاميّة وضيّقتَ فضاءات التّفاعل بينها وبين المعارف الإنسانيّة، وأنّه قد أن أَوَانُ نبذِ رؤى التّمايز والانفصال التى ترتكز على الخصوصياتِ وتهمّش وتلغى أوجهَ الاتصال ودوائرَ المشترك، وتقيم تقابلاتٍ سجاليةً وصراعًا بين الذوات.
وأشار البيان الختامى للمؤتمر إلى أن الدراسات الإسلامية فى الجامعات والمؤسسات التعليمية تؤدى دورًا مهمًا فى صياغة الخطاب الدينى وتطوير البحث فى العلوم الشرعية للنهوض بحركة التنمية والتجديد. ومن هنا تبرز حاجة المجتمعات المسلمة إلى استثمار المعارف العلمية فى بناء الإنسان، وتنمية الأوطان وتطوير ما ينفع الناس ويفيدهم فى مختلف مجالات المعارف والعلوم، وأضاف البيان "إصغاءً لهذا الواجب، وعملا على تنزيل رؤية دولة الإمارات العربية المتحدة فى النهوض بالتعليم وتمكين الفكر المنضبط السليم، القائمةِ على تقديم المقاربات التواصلية وتَبَنّى النماذج الإيجابية البناءة فى كل ميادين العلاقات الإنسانية، وتحقيقا للمقاصد السامية لتأسيس جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية المتمثلة فى إقامة صرح حضارى إنسانى تتلاقح فيه الرؤى، وتُستثمر فيه ما يتيحه الواقع من أفكار إيجابية ومقاربات واقعية وموضوعية لحملة الخطاب الدينى والإنسانى المنضبط بالضوابط الدينية والمجتمعية والإنسانية، فقد عقدت كلّيّة الدّراسات الإسلاميّة بجامعة محمّد بن زايد للعلوم الإنسانيّة مؤتمرها الدّولى السّنوى الثّانى، حول: (الدّراسات الإسلاميّة بالجامعات: نحو تعزيز قيم المواطنة والتّعايش) من: 22 إلى 24 نوفمبر 2022، للنهوض برسالتها العلميّة والثّقافيّة، ووعيًا بضرورةِ تطوير مجالِ الدّراسات الإسلاميّة، واستجابةً للحاجة إلى دمج العلوم الشّرعيّة فى السّياق المعرفى المعاصر بما يحقق الغايات النبيلة لرؤى التكامل والتمازج بين علوم اللسان والإنسان والطبيعة والأديان، سعيا إلى تحقيق تقدم معارفنا بالمناهج العلمية المتجددة، وبناء قيادات علمية ودينية وأخلاقية عارفة وواعية ومتّزنة، تجمع بين العلوم الإنسانية والمعارف والشرعية، بما يمكّن من الاستجابة للاحتياجات والتّطلّعات المجتمعيّة الواقعية والمستقبلية".
وأشار البيان الختامى إلى أن المؤتمر حظى باستجابة عدد كبير من المشاركين من مختلف الدّول، منهم شخصياتٌ بارزةٌ من الوزراء، ورؤساء وممثّلى الجامعات العريقة فى العالم العربى منها، جامعة الأزهر الشريف وجامعة الزّيتونة، والقرويّين، وجامعات المملكة العربيّة السّعوديّة والبحرين والجزائر وموريتانيا، وأساتذة برامجِ الدّراسات الإسلاميّة فى دول العالم.
وتناولَ المشاركون المحاورَ الخمسةَ لهذا المؤتمر، فى جلساتٍ وورش متواصلةٍ على مدى ثلاثة أيّامٍ، مستثيرينَ إشكالاتٍ مهمّةٍ تتعلّقُ بطبيعةِ وأهداف الدّراسات الإسلاميّة بالجامعات، ومختلف الرّؤى المؤثّرة فى بناء مناهجها، فى مجالى الدّرس الأكاديمى والبحث العلمى، مسلّطينَ أضواءً كاشفةً على نماذج من تجارب تطويرها، ومستعرضينَ مقترحاتٍ عديدةً فى تأهيلها للاستجابة لمختلف ما تواجهه المجتمعات المعاصرة من التّحدّيات المشتركةِ، وقد تركزت إسهاماتُ المشاركين فى محاورَ هامة هي: الدّراسات الإسلاميّة: الرّؤية والمضمون، الدّراسات الإسلاميّة ومناهج البحث والتّدريس، إعادةُ بناء الدّراسات الإسلاميّة بالجامعات، الدّراساتُ الإسلاميّةُ وتكاملُ المعارف، الخطاب الدّينى والمجتمع.
كما تعزّزت هذه المحاورُ بثلاث ورش عُقدت على هامش أعمال المؤتمر، حول علوم الاعتقاد والتأويل والثّقافة الإسلاميّة، والدّين والعلم من الصّدام إلى الوئام، وخطبة الجمعة وآفاق التّطوير، وقد حرصَ المشاركون فى المؤتمر على اقتراحِ تصوّرٍ جديدٍ لهذا التّخصّص المعرفى، يجمعُ بين النظر الشرعى والتجديد، والتّكامل مع العلومِ الإنسانيّةِ، كما اعتنَوْا بإبرازِ أهمّيّته فى تعزيز قيم المواطنة والتّعايش، والإسهامِ فى تحقيق السّلم فى المجتمعات بصورة عامة.