في ذكري "صيام العذراء" البابا تواضروس يتحدث عن فضائل البتول

تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بمصر وسائر الكرازة المرقسية بالخارج، بحلول صوم العذراء مريم، من أول مسرى القبطي الموافق (7 أغسطس) ويستمر 15 يومًا.

ويعتبر أحد الأصوام التي يهتم به الشعب اهتمامًا كبيرًا، ويمارسه بنسك شديد، والبعض يزيد عليه أيامًا، وذلك من محبتهم للعذراء ويتخلل الأصوام نهضات روحية في غالبية الكنائس.

ويتوافد المئات على عدد من الكنائس التي زارتها العذراء، وأبرزها كنيسة مسطرد ودير العذراء بدرنكة بأسيوط، وغيرها للتبارك من المكان تزامنا مع الصوم، وفي غالبية الأحيان يقيمون أمامها، ويفترش البعض الكنائس ليقيموا خلال تلك المدة داخل بهو وساحة الكنيسة الخارجية.

ويعد "صوم العذراء" أحد الأصوام التي لها مكانتها بالكنيسة، ومسموح خلاله بأكل الأسماك، وهذه المناسبة ليست الوحيدة التي تحتفل فيها الكنيسة بأعياد العذراء، وإنما يحتفل بها أيضا في شهر كيهك، بمدائح وتماجيد وأبصاليات للعذراء مريم القديسة.

كتب البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية مقالا العام الماضي عن صيام العذراء مريم شرح فيه فضله وفضل السيدة مريم العذراء فى الدين المسيحي .. الى نص المقال:

صوم العذراء مريم هو أحد الأصوام المحبوبة للكنيسة كلها، فأمنا العذراء مريم كنز من الفضائل، ومهما تحدثنا عنها وعن شخصيتها وعن حياتها لن نوفيها حقها، وهى التى نتشفع بها ونشعر بأنها فخر جنسنا البشري، وعندما نذكر فضائلها نجدها عديدة جدا، ولكننا سنتحدث عن إحدى الفضائل القوية جدا، التى نحتاجها فى زماننا وهى فضيلة «حياة الرضا».

نلاحظ أنه على مستوى الأسرة والفرد والمجتمع والعالم أن حياة التذمر تزداد وتتسع، ولكن عندما يأتى ذكر أمنا العذراء مريم نتذكر كيف أنها كانت إنسانة راضية، وناجحة.

القديس بولس الرسول وهو فى السجن وفى قمة آلامه يقول: «قد تعلمت أن أكون مكتفيًا بما أنا فيه» (فى ٤ : ١١).. فنرى الكثيرين الذين يمتلكون كل شيء ولديهم من النعم الكثير، ولكنهم ليسوا سعداء ومتذمرين من حياتهم رغم أن نعم الله لهم كثيرة جدًا، وهذا الضعف قد يصيب الإنسان المكرس الذى يعيش فى أسرة، وقد يصيب الإنسان الذى يعيش إما بمفرده أو داخل المجتمع.

الرضا هو شعور إيمانى وإيجابي.. وهو شعور داخل القلب الهادئ والنفس الهادئة، وهذا الشعور يعبر فى الإنسان عن قبول الحياة التى يقدمها الله له، وأهم شيء فى حياة الرضا هو الإحساس الدائم بالحضرة الإلهية، وأن ننظر فى كل أمور حياتنا يد الله التى تعمل ويشكر الله على عطاياه مهما كانت صغيرة، وأن يشعر الإنسان بأن الله يدبر هذا الكون، وأنه ما زال يرعاه.. وهذا ما قاله داود النبي: «جعلت الرب أمامى فى كل حين لأنه عن يمينى فلا أتزعزع» (مز ١٦ : ٨).
صفات فضيلة الرضا.

١. أن يرضى الإنسان بالاختيار والقرار الذى يتخده، وعليه أن يتحمل مسئولية إنجاح هذا الاختيار، فالكتاب يقول: «ليس أحد يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء» (لو ٩: ٦٢).. وعلى الإنسان أن ينتبه إلى حروب التشكيك التى يوقعه فيها عدو الخير، فراعوث الموآبية تعرضت لآلامات شديدة وتغربت عن وطنها وتوفى زوجها، ولكن عندما نقرأ قصتها نرى كم كانت راضية بمصيرها، ووالدة القديس يوحنا ذهبى الفم وكانت فتاة جميلة توفى زوجها فى الحرب بعد وقت قليل من زواجها وعاشت لولديها ورغم أن ابنتها توفيت، وأراد ابنها أن يترهب، عاشت حياة الرضا، وربت ابنها الذى صار فيما بعد القديس يوحنا ذهبى الفم.

٢. الرضا بالخدمة والمسئولية، فأحيانًا الإنسان يقارن نفسه بالآخر ولكنه يتعب لأن لكل إنسان وزناته، فيجب ألا يقارن نفسه بالآخر، فهذه المقارنة تجعل الإنسان يقع فى خطية التذمر وعدم الرضا.. فآباء البرية يقولون إن كثير التنقل قليل الثمر، ويجب على الإنسان أن يثبت لأن الله يرسم الحياة بدقة.

٣. الرضا بالآخر، ونجده فى الزواج والعمل والخدمة، من خلال الرضا بالشريك الآخر، فالكتاب يقول: «اثنان خير من واحد لأن لهما أجرة لتعبهما صالحة، لأنه إن وقع أحدهما يقيمه رفيقه» (جا ٤ : ٩ ، ١٠).. فأحد علامات الرضا أن يكون الإنسان راضيًا بشركائه.

٤. الرضا بالظروف أو البيئة، تمر علينا أحداث وظروف ومتغيرات، فالله ترتيبه جميل فى كل يوم، ويرتب كل شيء لخيرنا حتى لو لم يكن ترتيبه مواتيًا لنا أو يسبب ضيقًا، ولكن يجب أن نرضى بالظروف البيئية، ونصلى صلاة الشكر فى كل حال ووقت وحين.

جوانب حياة الرضا


١. هى طبيعة شخصية فى الإنسان تكونت من خلال النشأة والتربية والتكوين، فإحدى أهم الفضائل التى يجب أن نزرعها فى الطفل الصغير سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة هى فضيلة الرضا.. فالكثير من الآباء والأمهات يشكون من عدم رضاء أبنائهم، وعدم فرحهم بما يقدمه آباؤهم لهم.

٢. الرضا أسلوب ونمط فى الحياة اليومية.. فعلى الرغم من أن أمنا العذراء مريم كانت صغيرة السن، وتعيش فى مجتمع شبه مغلق وجاءتها بشارة الملاك التى كانت تسمع لأول مرة فى التاريخ، كان ردها تعبيرا عن تمام حياة الرضا: «هو ذا أنا أمة الرب.. ليكن لى كقولك» (لو ١ : ٣٨)، مع أنه بالمقاييس الإنسانية والاجتماعية هذا الأمر مرفوض تمامًا، فهى فتاة عذراء
وصغيرة السن، ولكن الرضا هو أسلوب حياة، فقد تربت على قبول الكلمة والبشارة وقبول حياة الرضا.

٣. علامة نجاح.. فالإنسان الراضى هو دائمًا ناجح فى حياته، وليس المقصود بالإنسان الراضى السلبى أو المستكين، ولكنه الإنسان الإيجابى الناجح فى كل عمل تمتد إليه يده.
وذلك الإحساس بالرضا يبدأ عندما ندرك أن الله هو كل ما نحتاج.. فالمتنيح قداسة البابا شنودة الثالث وضع كتابًا عنوانه «الله وكفي» الذى يعد أعظم كتاب كتبه قداسته، فى اختبار روحى صميم يعبر عن حياة الرضا، وكل ما نحتاجه نجده فى حضور الله، فالإنسان المحظوظ هو من يملأ الله قلبه.. ولذلك الرضا فى جانب آخر من جوانبه هو حياة الاكتفاء، وهو أصعب درس فى الحياة أن يكون الإنسان مكتفيًا بما لديه، وهذه هى قمة الحياة الروحانية.

فالله خلق المسكونة كلها وجهز الحياة بأفضل ما يكون وأوجد آدم، ولكى يكمل سعادته وشعوره بإنسانيته أوجد معه حواء ككائن عاقل، وبدأت قصة الخليقة والسقوط بعدم الرضا، ولذلك حياة الخطية تبدأ بعدم الرضا.. ومثل ذلك الابن الضال الذى كان يعيش مكرمًا فى بيت أبيه، ولكنه لم يكن راضيًا وبدأ يتسرب له شعور بعدم الاكتفاء.. فسليمان الحكيم يقول: «النفس الشبعانة تدوس العسل» (أم ٢٧ :٧) وهذا الشبع يتمثل فى الرضا.. والقلب البشرى مهما وضع فيه لن يمتلئ، فأحد الفلاسفة يقول إن الإنسان بئر من الرغبات.. الإنسان الذى يتذمر يخسر دائمًا.



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;