قال الدكتور على جمعة، مفتى الجمهورية السابق، أن المفتى هو المرشد الموجه لعموم الناس وهو أقرب إليهم من الحاكم والفقيه والعالم والقاضى فى مسألة التربية، لاحتكاكه المباشر بقضاياهم وهمومهم ومشاكلهم، وما يتعرضون له من شُبَهٍ وصعوبات.
وأضاف خلال بحثه الذى قدمه بالجلسة الأولى لمؤتمر الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، والذى يعقد تحت عنوان "دور الفتوى فى استقرار المجتمعات"، أن المفتى الذى أعد إعدادا جيدا هو القادر على توجيه الخلق وعصمتهم من الفتن، وإشاعة أجواء الأمن والأمان فى حياتهم، وصيانة عقائدهم وشعائر دينهم، ومن ثم فإنه أحد أهم عناصر المجتمع المنوط بها حفظ أمن الناس الروحى والفكرى والدينى.
وتابع:وذلك لأن الأديان هى القادرة على تغير السلوك الإنسانى وتحقيق التوازن والانضباط فيه؛ لأنها تباشر القلوب والأفئدة وتخاطب الأرواح والعقول فى آن واحد، ولقد قام رجال التصوف فى تاريخنا الإسلامى بهذا الدور، دور التربية الروحية والوجدانية، والمساهمة فى تعديل السلوك الإنسانى نحو الفاضل والرشيد، والسمو على اللذات والشهوات التى تهوى بالإنسان فى الحيوانية والجمود.
وأشار إى أن الأخلاق سواء كانت التزاما فرديا أو جماعيا فهى فى المنظور الدينى معان موصولة بالعقيدة، والعقيدة هى ارتباط الأرض بالسماء وارتباط الإنسان بخالقه وارتباط السفلى بالعلوى، وعليه فإنها تُؤَمِّنُ للإنسان السمو والعلو وعدم الانحراف وراء السلوكيات الدنية كالجشع والأنانية والكبر.
ونخلص إلى أنه لا أمن حضارى بدون أمن روحى، ولا أمن روحى بدون أخلاق، ولا أخلاق بدون دين، وأن الدين هو أيقونة التكامل بين الروحى والمادى، والعقلى والوجدانى، والدنيوى والآخروى، أو كما عبر فلاسفة الإسلام عنه بالشريعة والحقيقة. وهو الدور الذى قام به متصوفة المسلمين وأولياؤهم، ويجب أن يقوم به المفتى والمعلم فى وقتنا المعاصر.
وأضاف: لقد شاهدنا فى السنوات القليلة الماضية نماذج وصورا لمفتين خرجوا عن نطاق علمهم ومجال خبرتهم فاشتغلوا بالسياسة، فألبوا الجماهير وحرضوها على النزول فى الشوارع لمواجهة الحكام وإسقاط النظام، وصوروا لهم الأمر على أنه جهاد فى سبيل الله، وانتصار للحق، وبراءة من أعداء الدين وعملاء الاستعمار، وغير ذلك من الهتر والخرف.
ولقد اغتر بكلام هؤلاء المفتين -الذين عملوا بعكس ما هو منوط بهم من حفاظ على الأمن المجتمعى والسلم الاجتماعي- شباب ورجال ونساء ضحوا بحياتهم وبأمنهم وحريتهم فى سبيل هذه الفكرة التى أفتاهم بها هذا المفتى، الذى اعتقدوا فى صدقه وإخلاصه، فرجع بعد سنوات من هذا العبث، وقد اغبر وجهه، بسبب ما عانته أسر ثكلت عائلها أو وحيدها، أو غير ذلك مما هو معروف ومشاهد.