داخل عالم الأقزام أسرار ومشاعر لا يشعر بها إلا أصحابها، نظرات كثيرة يتلقاها هؤلاء تكون مثل الرصاص الذى يخترق حاجز الصمت بداخلهم ليتحول لبكاء داخلى لا يقوى على الخروج، وكلمات تقال لهم يحاولون تفاديها ولكن بدون جدوى، تتكرر على مسامعهم يوميا من أشخاص مختلفة ويعجزون عن المواجهة فى كل مرة.
تبدأ هذه الأصوات المزعجة من داخل غرفة العمليات حيث تمت الولادة القيصرية، مع أول نفس للطفل فى الحياة، تتردد العبارات من أمثال "هو ده اللى هيبقى راجل العايلة ! .. كنت عايزة ولد مش قزم" وسرعان ما تتحول من مجرد كلمات إلى جروح دفينة فى نفسية الطفل الذى يصبح منبوذ سواء من داخل العائلة أو من خارجها حيث يواجه المجتمع بكل الخوف الذى استجمعه بداخله من كلمات المقربين، لا يعلم ما ذنبه وكيف يمكنه إزالة هذه الوصمة عن نفسه.
محمد السيد من طفل مظلوم لناشط حقوقى
لم تكن سنوات الدراسة هى الأفضل فى حياته بل كانت الأسوء على الإطلاق، فقد عانى خلالها أكثر من أى وقت آخر بسبب نموه الذى توقف بينما يزيد كل زملائه فى الطول ولا يعلم ما هو الخطأ الذى ارتكبه ليعتزله المحيطين وتسخر منه معلمة فى فصله بينما يعنفه معلم بالضرب عندما حاول الدفاع عن نفسه من تعدى أحد زملائه.
هكذا كانت طفولة محمد السيد، الذى يسترجع مشاهد منها لم ينساها أبدا قائلا لـ "انفراد"" فى الصف الثالث الابتدائى كانت تراقب علينا فى الامتحان معلمة ويساعدها معلم آخر فى المراقبة ومتابعة كتابة الإجابات، وعندها أخذ ينظر لى كثيرا ، فقالت له: لا تنظر له زوجتك حامل، وإذا فعلت ذلك قد تنجب طفل مثله. عندها لم يتمكن محمد من متابعة الامتحان دون أن يفكر فيما كانت تقوله هذه المعلمة التى ضحكت كثيرا بصوت عالى أمام باقى زملائه غير عابئة بما قد يحدث بداخله كطفل.
واستمرت المشاهد تتزاحم أمامه من سخرية زميل له أو طريقة غير لائقة لمعلم معه، مؤكدا أن الدمج فى مصر أمر غير جيد على الإطلاق لأنه لا يوجد متخصصين فى التعامل مع هذا النظام، فيجب تأهيل المدرس جيدا قبل أن يتم غرس القبول فى الطلاب أنفسهم لكل الاختلافات خاصة المتعلقة بأنواع الإعاقة المختلفة.
مرت سنوات المدرسة بكل أوجاعها، والتحق محمد السيد بكلية التجارة التى لم يستمر فيها إلى النهاية، وبدأ يحتك بمرحلة جديدة فى حياته وهى العمل حيث توفرت له وظيفة فى شركة أسمدة ولكن لا يطول الوقت كثيرا، حيث يقول " عملت بوظائف مختلفة ولا استمر فى أى منها إلا عدة أشهر، والتى من بينها العمل أمين مخازن وفنى شبكات بسبب دراستى للحاسب الآلى بعد تركى لدراسىة التجارة، وفى النهاية عملت فى إدخال بيانات".
وعلى الرغم من كل ما واجهه محمد السيد إلا أن ذلك أثقل شخصيته ولا يضعفه، وبدأ الفصل الجيد فى حياته عندما التقى بشقيقة صديقه، حيث أغرما ببعضهما وطلب يدها للزواج بعد كتابة عدد لا بأس به من قصائد الحب الرقيقة تصف فرحته بوجودها فى حياته، وبالفعل تزوج من امرأة طبيعية ساعدت فى إنجابه طفلة طبيعية بعد ثلاث سنوات زواج وسنة خطوبة وحب، وهو ما أسعده كثيرا حتى لا يعيد أطفاله تجربته.
وأكمل محمد السيد طريقه بالاشتراك فى الجمعيات الحقوقية والمطالبة بحقوق الأقزام فى مصر، مشكلا ائتلاف لذوى الإعاقة وداعيا بعدم المتاجرة بهم ولكن توفير المشاركة اجتماعيا وسياسيا فى المجتمع، والحقوق المادية لتوفير دخل لهم ووظائف وكذلك توعية المجتمع عنهم، واعتبار الأقزام ضمن ذوى الاحتياجات الخاصة فى القانون المصرى خاصة مع تواجد 75 ألف قزم فى مصر.