فى الرحلة التى تستمر ساعتين بين القطع الزراعية المتناثرة بمحافظة بنى سويف، بالتأكيد سيقودك هذا الفراغ لتهيم فى ذكريات طفولتك، كانت السيارة «تنشال وتنهبد» حسب التعبير الدارج، مع كل منحنى وفوق كل مطب، ومعها تتقلب صور الطفولة، حيث كثير من المتع التى لم يشاهدها بطلنا «حنفى» الذى بلغ 9 أعوام ليجد نفسه داخل دائرة الهموم مبكرا، فهو يستيقظ فجرا ويذهب للعمل فى مصانع الطوب على سيارة نصف نقل هو وزملاؤه ليجد نفسه فى أحضان أطنان من الرمال وسط برد قارس.
المأساة متشابهة والتفاصيل مختلفة، مع العشرات من أبناء قريته، حيث لم يفقد «محمد حنفى» والده فقط، لكنه فقد أيضا أجزاء من أصابعه التى تتآكل مع كل نقلة طوب، وفقد كثيرا من طفولته وسط الغبار والدخان، هو لم يتجاوز الـ10 أعوام ومات أبوه منذ 6 سنوات، فأصبح مسئولا عن والدته التى تعانى أمراضًا مزمنة، وإخوته الثلاثة، فيعمل 10 ساعات متواصلة فى أحد مصانع الطوب بمركز إهناسيا، ويلخص حالته بالقول: «أنا مقدرش على الشغلانة لوحدى، والعيال اللى معانا بتتريق عليا، فبجيب أخويا يساعدنى ومبياخدش فلوس أصلا، بس المعلم بتاع المصنع بيديله فلوس من معاه»، وشقيقه محمود يبلغ من العمر 9 سنوات لديه بدن هزيل ويعانى من أنفلوانزا مزمنة، ويقوم بنقل الطوب مقابل 2.5 جنيه للطن.
"القومى للطفولة": لسنا جهة اختصاص فى تنفيذ القانون
محمود سليمان، مسئول ملف عمالة الأطفال بالمجلس القومى للطفولة والأمومة، يقول: «إننا بحاجة ماسة لتنفيذ القوانين للحد من الظاهرة، لأننا لسنا جهة اختصاص فى تشريع القانون أو تنفيذه، ودور المجلس ينحصر فى وضع الاستراتيجيات ورسم السياسات التى من شأنها مواجهة عمالة الأطفال، مشيرا إلى أن المجلس لا يستطيع مراقبة ومحاسبة أداء الوزارات تجاه الظاهرة، وإنما نكتفى بالمتابعة وإصدار توصيات من شأنها مساعدة المسئولين فى اتخاذ القرارات اللازمة».
بلاغات خجولة بالانتهاكات
يعد أحمد عبدالتواب، من جمعية «الحياة أفضل»، سعى الجمعية لتمكين الأطفال داخل المحافظة من بعض حقوقهم بشأن العمل، بمثابة محاولات «بائسة»، لأن خط نجدة الطفل يستهدف ما يقارب 300 ألف طفل عامل فى المحافظة، إلا أننا لم نتلق سوى 10 بلاغات خجولة بشأن الانتهاكات خلال شهر، وغالبا ما تكون الاتهامات لأصحاب العمل بالضرب والأذى المعنوى، وهو ما يعد انتهاكا صارخا لحقوق العامل، ناهيك عن كون عمل الأطفال مخالفة من الأصل.