أصبح الاستثمار في قطاع الطيران، مثار اختلاف في وجهات النظر بين كبار رجال البيزنس، ففي الوقت الذى اتجه فيه الملياردير الأمريكي، وارن بافيت، لبيع كامل أسهمه في 4 شركات طيران كان يمتلكها، واصفا الاستثمار في صناعة الطيران "خطأ"، في المقابل أعلن الملياردير المصري نجيب ساويرس عن رؤيته وجود فرص جيدة للاستثمار في قطاع الطيران، مؤكداً أن المستقبل المزدهر ينتظر قطاعات الطيران والسياحة والإنترنت، ليطرح التساؤل عن صحة وجهة نظرهما؟
ولم تكن تصل أسوأ التوقعات لعام 2020 أن يحُبس مليارات الأشخاص فى منازلهم خوفاً من فيروس لا يرى بالعين المجردة، وأن تتوقف مئات الرحلات اليومية عن الإقلاع، وأن تغلق المطارات أبوابها أمام المسافرين، ولكن هذا السيناريو المتشائم تحقق بالفعل وأصبحت صناعة الطيران خلال أيام معدودة أمام شبح الإفلاس والخسائر بالمليارات وتسريح العمالة، وحتى شروط صارمة لاستئناف الرحلات وذلك كله بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19).
وتباينت مواقف رجال الأعمال تجاه شركات الطيران مطلع الشهر الجاري، إذ أعلن المستثمر الأمريكى وارن بافيت، الرئيس التنفيذى لشركة "بيركشير هاثاواي"، بأن الشركة باعت جميع الأسهم التى كانت تملكها فى 4 شركات طيران أمريكية، وهى "دلتا إيرلاينز" و"أمريكان إيرلاينز" و"ساوث ويست إيرلاينز" و"يونايتد إيرلاينز".
أرجع "بافيت"، الذى يعد أكثر المستثمرين دهاء، سبب قراره أن قطاع الطيران سيحتاج لسنوات كى يتمكن من التعافى والعودة إلى المعدلات السابقة، ووصف بافيت، الاستثمار فى صناعة الطيران "بالخطأ".
إلا أن رجل الأعمال المصرى نجيب ساويرس، أعلن أنه سيشترى سيشترى شركة طيران، ليعارض بذلك الملياردير الأمريكى وارين بافيت، كما يرى ساويرس، أن هناك فرصة فى شركات الطيران ولكن أيضا فى الفنادق السياحية وقطاع الإنترنت.
ووفقا لبيانات تعود لنهاية العام الماضي فقد كانت شركة بافيت تملك حصصا في الشركات الأربع كالتالي: 11% في "دلتا إيرلاينز" و10% في "أمريكان إيرلاينز" و10% في "ساوث ويست إيرلاينز" و9% في "يونايتد إيرلاينز".
وكانت الشركة قد كشفت في وقت سابق عن خسائر بقيمة 50 مليار دولار في الربع الأول من العام الجاري نتيجة هبوط أسواق الأسهم جراء جائحة كورونا.
ووارن بافيت من أغنياء العالم بثروة تصل إلى 69.8 مليار دولار، وقد جمعها من الاستثمار في أسوقا المال.
الأمر أيضاً آثار خلاف بين المحللين، حيث يرى الخبير الاقتصادي هاني توفيق، أن وجهة نظر "بافيت" هي الصح، وأن قطاع الطيران هو آخر القطاعات التي ستتعافى من الأزمة بعد قطاع الفنادق والضيافة، مضيفا :"لا يمكن المقارنة بين رؤية بافيت و"ساويرس"، بالطبع الأول هو الصح فهو من أذكى المستثمرين في العالم، كما أن حديثه منطقي في ظل الأوضاع الحالية".
فيما فسر الدكتور معتصم الشهيدي، نائب رئيس مجلس إدارة شركة هوريزون لتداول الأوراق المالية، سبب الخلاف في وجهة النظر حول قطاع الطيران، قائلا :"فارق التوقيت هو سبب الخلاف، فرجل الأعمال وارن بافيت يمتلك حصص في شركات طيران، وقد نجح في سرعة التخلص منها وقام بخطوة استباقية بالبيع، لأن قطاع الطيران ضمن أبرز المتأثرين سلباً من أزمة كورونا، في المقابل ينتظر نجيب ساويرس فرصة للاستحواذ على حصص بشركات طيران بأسعار بخسة في مقابل تحمل سداد التزامات هذه الشركات". مضيفا :"أعتقد أن الاثنين من أذكى المستثمرين في العالم، ورؤيتهم صحيحة".
سماء بلا طائرات
مع تفشئ جائحة فيروس كورونا خلال شهر فبراير، بدأت الدول تلو الأخرى اتخاذ إجراءات احترازية للوقاية منه ومنع انتشاره، وكانت أولى تلك القرارات غلق مطاراتها، ولذا-بحسب تقرير اتحاد النقل الجوى "إياتا"- عادت حركة المسافرين فى الأسواق العالمية والمعدلة موسمياً إلى نفس المستويات المسجلة فى عام 2006، وانخفضت سعة شهر مارس (التى تُقاس بعدد المقاعد المتاحة فى الكيلومتر الواحد) بنسبة 36.2%، وانخفض عامل الحمولة بواقع 21.4 نقطة مئوية ليبلغ 60.6%.
صناعة الطيران
غطت خسائر قطاع الطيران بسبب جائحة كورونا كافة أنشطته بداية من التصنيع، حيث أعلنت شركة بوينغ الأمريكية، أحد أكبر شركات تصنيع الطائرات فى العالم، عن تخفيضها 10% من وظائفها، أى حوالى 16 ألف وظيفة، من خلال مزيج من عمليات الاستحواذ والاستنزاف الطبيعى وعمليات التسريح غير الطوعى، وفى وقت سابق أعلنت عن إلغاء طلبات شراء لـ150 طائرة فى مارس، حيث تسبب التوقف فى الطلب على السفر الجوى إثر تفشى فيروس كورونا بأكبر انخفاض فى الطلب منذ عقود.
وامتدت الخسائر لتطول شركات رحلات الطيران، بحسب تقرير للاتحاد الدولى للنقل الجوى "إياتا"، توقع أن تفقد شركات الطيران العالمية 314 مليار دولار من إيراداتها خلال عام 2020، بسبب توقعها انخفاض نسبة 55% فى إيرادات خدمات الركاب مقارنة بإيرادات العام السابق بناء على حركة النقل الجوى التى من المتوقع أن تتراجع 48%، كما توقع الاتحاد، أن تنخفض إيرادات شركات الطيران خلال مارس الماضى حوالى 252 مليار دولار جراء التشديدات الكبيرة على السفر خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، أو ما يعادل 44% أقل بالمقارنة مع العام 2019.
وتوقعت "إياتا"، أن يسجل الطلب السنوى (المحلى والدولي) انخفاضاً بنسبة 48% بالمقارنة مع العام الماضي، بسبب ما يشهده العالم فى الوقت الراهن حالة من الركود الاقتصادى العالمي.
خسائر فادحة
وترجمت معدلات الطيران السابقة على أداء الشركات، والتى حاولت الحصول على دعم من حكوماتها، إذ أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية، أنها صرفت 9.5 مليار دولار إضافية من برنامج دعم الرواتب لشركات الطيران الأمريكية، ليصل بذلك إجمالى الأموال المقدمة للقطاع الذى تضرر بشدة من جائحة فيروس كورونا إلى 12.4 مليار دولار، وافق البرلمان السويسري، على منح قرض بقيمة 1.875 مليار فرنك يخصص لدعم شركة الطيران "سويس" والتابعة أيضا، لشركة لوفتهانزا الألمانية ولشركات أخرى تنشط فى مجال الطيران المدنى من أجل ضمان استمرارية البنية التحتية للنقل الجوى التى تعد ذات أهمية حيوية للاقتصاد السويسرى القائم على التصدير.
كما وافق جهاز حماية المنافسة بالاتحاد الأوروبي، يوم 4 مايو الماضي، على مساعدة بقيمة 7 مليارات يورو ستقدمها الحكومة الفرنسية إلى شركة الطيران إير فرانس، لتجاوز وقع تفشى فيروس كورونا، فيما تتفاوض شركة لوفتهانزا مع صندوق الاستقرار الاقتصادى الألمانى للحصول على 9 مليارات يورو (9.71 مليار دولار) لإنقاذها، تتضمن مساهمة رأسمالية عارية عن حقوق التصويت وقرضا مضمونا وزيادة لرأسمال الشركة بما قد يُملك الحكومة حتى 25% زائد سهم واحد.
وتواجهت شركات أخرى شبح الإفلاس وتسريح العمالة، إذ أعلنت شركة أفيانكا واحدة من أقدم شركات الطيران فى العالم، وثانى أكبر شركة طيران فى أمريكا اللاتينية، تقدمت بطلباً، لإشهار إفلاسها مع اقتراب الموعد النهائى لسداد سندات مستحقة وبعد سعيها دون جدوى للحصول على مساعدة عاجلة من حكومة كولومبيا من أجل النجاة من آثار أزمة فيروس كورونا، وقدرت أفيانكا قيمة التزاماتها المالية بين مليار و10 مليارات دولار فى طلبها الذى أودعته لدى محكمة الإفلاس الأمريكية للمنطقة الجنوبية فى نيويورك.
أعلنت شركة طيران كندا، أكبر شركة طيران فى كندا، عن تحقيق خسائر بقيمة 1.05 مليار دولار فى الربع الأول، ولم تكن هذه الخسائر أسوأ ما أعلنته بل توقعت سيناريو قاتماً خلال الفترة المقبلة، كما أعلنت شركة الطيران منخفض التكلفة "ريان إير"، شركة النقل الجوى الأيرلندية، أنها بصدد إلغاء ما يصل إلى 3000 وظيفة، أما الحكومة الإيطالية، فقد وافقت فى أواخر مارس على إعادة تأميم شركة أليتاليا، التى كانت تتجنب الإفلاس منذ عام 2017، وخضعت لعمليات إنقاذ مختلفة، للتخفيف من أزمة فيروس كورونا.
عودة الرحلات
ومثلما أوقفت الدول تباعاً حركة الطيران، تدرس استئنافها بشروط تحقق إجراءات السلامة للركاب، منها ما أعلنته الولايات المتحدة الأمريكية سيُطلب من جميع الركاب ارتداء غطاء للوجه أو الكمامة أثناء وجودهم على متن طائرات الخطوط الجوية الأمريكية، واتباع قواعد التباعد الاجتماعى على متن الطائرات، أى ترك مقاعد الوسط فارغة.
ويرى اتحاد النقل الجوى الدولي، أن استئناف الطيران مع تطبيق إجراءات التباعد سيتسبب فى ارتفاع تكاليف تذاكر السفر فى محاولة لتغطية تكاليف الطيران بما قد يصل إلى 54% مقارنة بتلك التى شهدها القطاع فى العام الماضي، ورغم أن أسعار التذاكر قد تبدأ منخفضة فى البداية، إلّا أن السفر الجوى قد يصبح مكلفاً مع زيادة قيود التباعد الاجتماعى المفروضة على المقاعد، وزيادة تكاليف تشغيل الطائرات.