تشهد تونس، في مرحلة ما بعد الاستفتاء على الدستور الجديد، مرحلة جديدة من الاستقرار، تؤسس للجمهورية الثالثة التي أعلن عنها الرئيس قيس سعيد قبل عدة أشهر، وفيما تتواصل الجهود الحكومية لتجاوز الأزمات التي تمر بها البلاد، يستحوذ الملف الاقتصادي على النصيب الأكبر من تلك الجهود.
وتعمل الحكومة التونسية، بحسب مراقبين، في الوقت الراهن عبر مجموعة من الآليات، لتخفيف مستوى التضخم العام الذي تجاوز قبل أسبوع معدلا تاريخيا، بلغ 8.2 بالمائة في يوليو الماضي، مقارنة بـ8.1 بالمائة في يونيو.
وتشمل حزمة الإجراءات الحكومية، بحسب الخبير الاقتصادي التونسي قيس مقني، دعم منظومة الإنتاج المحلي وتحفيز الاستثمار وتذليل العقبات أمام المستثمرين، والعمل على مراجعة الدين العام وتصحيح مسارات العمل الحكومي، وإعادة هيكلة المؤسسات، ومحاربة الفاسدين، وتنسيق منظومة عمل الاقتصاد الموازي لتحقيق أقصى استفادة ممكنة منها.
وفي تصريح لـسكاي نيوز عربية، يقول مقني إن المرحلة المقبلة في تونس بعد اعتماد الدستور الجديد وخاصة بعد الانتخابات التشريعية في 17 ديسمبر 2022 ستكون اقتصادية بامتياز، وستعمل الحكومة بشكل سريع على تحقيق التوازن بين الموارد والنفقات وكذلك تقليل الاعتماد على الديون الخارجية".
ويرجح مقني أن تشهد الحكومية بعض التعديلات الوزارية في الحقائب الخاصة بالمجموعة الاقتصادية، وذلك بهدف تعزيز الجهود الراهنة لتجاوز مرحلة الخطر الاقتصادي والإفلات من الأزمة بخطط عمل جديدة ومنجزة وكفاءة عالية.
وبحسب مقني تأثر الاقتصاد التونسي بشكل كبير بإرهاصات الأزمة العالمية الناجمة عن الحرب الأوكرانية وجائحة كورونا.
ويشير إلى أنه "مع بلوغ التضخم في البلاد نسبة 8 بالمائة سيكون أولويات الحكومة التحكم في التضخم والرجوع به إلى مستوى 3 أو 4 وهو ما يقتضي إجراءات عاجلة وموجعة يجب على الحكومة القيام أبرزها، تجميد الزيادة في الأسعار وكذلك تجميد الانتدابات في الوظائف العمومية، فضلا عن ترشيد الدعم على المواد الغذائية والطاقة، حيث تعكف الحكومة على وضع خطة لتوجيهه لمستحقيه ورفعه على غير مستحقيه.
ووفق الخبير الاقتصادي التونسي، يبقى الاتفاق مع صندوق النقد الدولي الحل الأهم الذي تعمل حكومة نجلاء بودن جاهدة للتوصل اليه والمتمثل في قرض بمبلغ 4 مليار دينار لسد الثغرة الكبيرة في تمويل الميزانية الحالية للدولة.
وتأمل الحكومة في الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي قيمته 4 مليارات دولار مقابل تجميد رواتب القطاع العام وتوظيف عاملين جدد فيه وخفض دعم الغذاء والطاقة لكن اتحاد الشغل التونسي الذي يتمتع بالنفوذ عارض تلك الإجراءات بما يشكل عقبة كبرى أمام تنفيذها.
وتواجه تونس ضغوطا مالية واقتصادية أدت إلى التأخر في دفع رواتب الموظفين الحكوميين ومشكلات في دفع ثمن واردات القمح، بالإضافة إلى ارتفاعات حادة في الأسعار.
وزاد من هذه الضغوط تراجع قيمة الدينار التونسي إلى مستوى 3.18 للدولار في انخفاض سنوي نسبته 13.2 في المئة حتى 14 يوليو.
وقالت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، الأسبوع الماضي، إن الدعم الدولي لتونس سيستمر بعد التصديق على الدستور الجديد الذي وافق عليه أكثر من 94 بالمئة من التونسيين.
وتوقعت "فيتش" أن تتوصل تونس إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي في النصف الثاني من 2022 مع استمرار رغبة المقرضين الرسميين في دعم البلد بعد الموافقة على الدستور.
وكان عضو المكتب التنفيذي لمنظمة "كونكت"، أصلان بن رجب، قال في تصريحات لموقع سكاي نيوز عربية، إنهم التقوا وفدا عن صندوق النقد الدولي خلال زيارتهم إلى تونس ولمسوا آمالا في إمكانية التوصل إلى اتفاق يوفر الدعم المالي لتونس، مما سيمنح الفرص للبلاد لإنجاز الإصلاحات الاقتصادية المنتظرة.
وأكد بن رجب أنهم من جهتهم كطرف اجتماعي، طلبوا من بعثة صندوق النقد الدولي "مراعاة الجانب الاجتماعي ومرور المواطنين بصعوبات وجانب المصلحة العليا للاقتصاد الوطني، لأن تمكين تونس من الدعم المالي ليس هدفا في حد ذاته بل وسيلة لوضع الإصلاحات الاقتصادية وتطبيقها ".
وأضاف بأن توقعات وكالة التصنيف الدولية "فيتش ريتنيغ" الأخيرة بحلحلة أزمة تونس مع صندوق النقد الدولي "تبشر بالخير وتتفق مع رؤية المنظمة في أن الجانب الاقتصادي يرتبط آليا بالاستقرار السياسي وأن اعتماد الدستور الجديد يعكس بداية مرحلة جديدة اقتصاديا وسياسيا في البلاد".