أكد اللواء محمد إبراهيم الدويرى، نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، أن المظاهرات التى تجرى حالياً فى إسرائيل احتجاجاً على مشروعات الحكومة بشأن الإصلاح القضائى هى شأن داخلى ليس لنا أن نتدخل فيه مهما تكن نتائجه وتداعياته، وقال "إننا نظل نتعامل مع أى حكومة ينتخبها الشعب الإسرائيلى أياً كانت توجهاتها، رغم أننا نأمل فى أن تكون هناك حكومة إسرائيلية جادة فى حل القضية الفلسطينية".
وأشار الدويرى في مقال نشره في صحيفة الأهرام تحت عنوان "وماذا بعد تصريحات الوزير الإسرائيلى؟!"، إلى أن "متابعتنا للأوضاع الإسرائيلية تركز على سياساتها الخارجية ولاسيما مايتعلق بمحيطها الفلسطينى والعربى، ولذا فقد توقفت كثيراً أمام التصريحات الأخيرة لوزير المالية الإسرائيلى «سموتريش» بشأن إنكار وجود الشعب الفلسطينى ثم عرضه خريطة تشير إلى أن الأردن تدخل ضمن حدود إسرائيل الكبرى، والأمر الخطير هنا أن هذا المسئول يعد أحد أهم وزراء الحكومة الإسرائيلية ويترأس أحد الأحزاب الرئيسية المشاركة فى الائتلاف الحكومى وبدونه لم يكن يتسنى أن يشكل «نيتانياهو»حكومته الحالية".
وأضاف اللواء محمد إبراهيم: "وبالرغم من أن «سموتريش» يتحدث عن قناعاته الأيديولوجية، وبالتالى قناعات حزبه المتطرف، فإنه يجب أن نأخذ هذه التصريحات بكل جدية حتى لو كان هذا المسئول منفصلا تماماً عن الواقع السياسى والديموغرافى الحالى فى فلسطين ولم يقرأ التاريخ جيداً، ومن ثم فإن مكمن خطورة هذه التصريحات أنها سوف تكون مقدمة لإجراءات أحادية سريعة تهدف إلى مزيد من مصادرة وضم الأراضى الفلسطينية وتكثيف الاستيطان والتهجير والقتل والاعتقال واقتحام المسجد الأقصى وهذا ما نشاهده حالياً"، لافتاً إلى أن «سموتريش» تجاوز بهذه التصريحات جميع المواقف السياسية الثابتة التى بدأت بتوقيع اتفاقات أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993 والتى تم بمقتضاها الاعتراف الرسمى المتبادل بين الجانبين وعودة السلطة الفلسطينية إلى أراضيها فى الضفة الغربية وقطاع غزة، وماترتب على ذلك من اتفاقيات وتفاهمات متتالية من بينها اتفاق الخليل الذى وقعه رئيس الوزراء الحالى نيتانياهو عام 1997.
وشدد نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية على أن الجانب الخطير أيضاً فى هذه التصريحات مايتعلق بالأردن التى تربطها بإسرائيل معاهدة سلام موقعة بين الدولتين عام 1994 أى ما يقرب من ثلاثين عاماً، ومن ثم فإن «سموتريش» يبدو وكأنه يطالب بإلغاء هذه المعاهدة أى العودة إلى حالة الحرب مرة أخرى، وبالإضافة إلى ذلك فإن الأمر الأكثر خطورة فى هذه التصريحات أنها يمكن أن تمتد إلى معاهدات واتفاقات السلام الأخرى التى وقعتها إسرائيل مع مصر عام 1979 (أى قبل أن يولد سموتريش) ومع الإمارات والبحرين والمغرب والسودان عام 2020، وهو الأمر الذى لن يكون مستغرباً إذا قام «سموتريش» بالتحرك فى هذا التوجه دون أن يستوقفه أحد سواء داخل إسرائيل أو على المستويين الإقليمى والدولى.
ورأى اللواء محمد إبراهيم "أن هذا المسئول الإسرائيلى الذى تجاوز كل الحدود لم يضف عقبات جديدة على عملية السلام المتوقفة، حيث إن حكومة نيتانياهو بكل مكوناتها أسقطت عملية السلام من أجندتها، إذن فإن «سموتريش» يعد ظاهرة كاشفة لمعظم سياسات ومواقف حكومته التى وإن كانت لم تتبن رسمياً هذه التصريحات إلا أنه كان أكثر جرأة من الآخرين فى التعبير عن مواقفه المتطرفة بطريقة استفزازية وسافرة".
وأكمل نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية مقاله بطرح سؤال "وماذا بعد؟"، مجيبا عليه بقوله "فى رأيى أن هذه التصريحات غير المسبوقة يجب ألا نمر عليها مرور الكرام، حيث إنها سوف تتكرر وتتوسع إذا لم نتدخل لوقفها، خاصة أنها سوف تدفع الفلسطينيين إلى الرد عليها بوسائل لايتوقعها سموتريش نفسه من أجل أن يثبتوا أنهم موجودون على أراضيهم التى تبلغ مساحتها الآن 22% من أراضى فلسطين التاريخية وهى نسبة مرشحة بقوة إلى أن تتناقص بمرور الوقت. وبالتالى فمن المؤكد أن هذه التصريحات سوف تكون تمهيداً لتدهور سريع فى المناطق الفلسطينية وتفجيراً للأوضاع الأمنية التى حاولت كل من مصر والأردن احتواءها مؤخراً خلال اجتماعى العقبة وشرم الشيخ، وفى رأيى أن بيانات الشجب والتحركات الهادئة تجاه إسرائيل لن تجدى نفعاً مع مثل هذه الحكومة المتطرفة التى أخشى أن تكون لاتعرف سوى لغة العنف والتوتر والاستفزاز".
وأضاف اللواء محمد إبراهيم: "وأعتقد أن هناك مسئولية كبيرة تقع على «نيتانياهو» لاحتواء هذا الوضع المتوتر، ورغم عدم تفاؤلى بأنه سيغير سياساته تجاه عملية السلام فإنه يجب أن يعلم أن مثل هذه التصريحات سوف تعكس تأثيرات سلبيه عليه وعلى حكومته وطموحاتها فى أن تتوسع اتفاقات التطبيع العربى التى من المؤكد أنها قد تتراجع وتتأثر إلى حد كبير بفعل هذه التصريحات المرفوضة، وهذا هو الدرس القاسى الذى أتمنى أن يلقاه".
ورأى اللواء محمد إبراهيم أن الوضع الحالى يقودنا إلى مسارين لاثالث لهما، إما تصاعد مسار العنف الراهن على الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى، وإما مسار التعقل والتفكير ولو قليلاً فى تداعيات مثل هذه المواقف الإسرائيلية التى تتطلب وقفة مع النفس وبدء عملية تفاوضية، ومن المؤكد أن الأطراف المعنية تعى طبيعة الموقف بدقة، خاصة الولايات المتحدة راعية اتفاقات السلام والتطبيع، والمؤسف أن واشنطن لازالت تركز على التهدئة فقط وتتحدث عن المخرج الوحيد وهو حل الدولتين، وكأنه حلم بعيد المنال.
وفى نهاية مقاله طالب اللواء محمد إبراهيم الدويرى، نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، الأطراف المعنية بأن تقفز بعيداً عن هذه المواقف من خلال سرعة الانتقال إلى مرحلة العمل الإيجابى رغم القناعة بصعوبته ولكن لابد من خوض هذه المرحلة مهما يكن المناخ السائد متوتراً، وليس أمامنا سوى السعى بقوة لاستئناف المفاوضات السياسية بين الجانبين الإسرائيلى والفلسطينى بتنسيق مصرى وأردنى وبرعاية أمريكية وبجدول زمنى معلن، والخلاصة أنه دون حل سياسى نرى معالمه قريباً فإن كرة الثلج سوف تتدحرج بصورة أسرع من حسابات الجميع ووقتها لن تنجح تهدئة أو حلول سياسية.