رأى الخبير فى الشؤون الكردية الدكتور محمود زايد أن الوضعية التى يدور فى فلكها شعب إقليم كردستان العراق حاليا استعدادا لاستفتاء استقلالهم فى الخامس والعشرين من سبتمبر القادم ليست آنية ولا طارئة، وإنما لها جذور تاريخية، ومستندات قانونية دولية يتكئون عليها، موضحا أنهم يحاولون تجنب سيناريو "جنوب السودان" فى استفتاء سبتمبر.
وقال زايد فى تصريحات خص بها "انفراد" إن ما يطفو على السطح الآن مجرد نتاج تراكمات متعددة الألوان داخليا وإقليميا ودوليا، وإن كان قد ظهر حاليا بشكل أكبر بعد الدور الذى قامت به قوات البيشمركه فى محاربة داعش منذ سقوط الموصل فى التاسع من يونيو 2014م وحتى تحريرها فى التاسع من يوليو 2017م.
وأضاف أنه فى ظل هذه الحالة التداخلية يسعى الشعب الكردى إلى الاستفتاء القادم وفق عقيدة راسخة فى أذهانه تقوم على محاور عدة، منها، أنهم أصلاء فى المنطقة، وليسوا أقل من جيرانهم العرب والترك والفرس؛ ولذا فمن حقهم التمتع بما يتمع به غيرهم من ذاتية وحقوق وواجبات فى إطار الدولة.
وتابع أن مقومات وجود الأكراد فى المنطقة فى شكل دولة متوفرة؛ فهم يتمتعون بجنسية كردية تعود إلى الشعوب الآرية (الهندوأوروبية) فى المنطقة، ولهم تاريخ طويل مشترك، تسلسلت حلقاته على أرض باسمهم تسمى "كردستان"، ويتشابهون فى السمات والعادات والتقاليد تأثيرا وتأثراً بالموجات التاريخية التى مرت عليهم من غزوات وإمبراطوريات وأديان وثقافات.
ونوه زايد، الذى حصل على درجتى الماجستير والدكتوراه فى الشؤون الكردية، إلى أن الأكراد يعتقدون أنهم يطرحون أنفسهم وفق مرجعية قانونية دولية منبثقة من مقررات ميثاق عصبة الأمم أولا ومواثيق الأمم المتحدة ثانيا، والتى أقرت بشكل قاطع حق الشعوب المرتبطة بـ(أرض وتاريخ ولغة وثقافة مشتركة) أن تقرر شكل السلطة التى تريدها وطريقة تحقيقها بصورة حرة وبدون تدخل خارجى، وهو ما عُرف بـ"حق تقرير المصير" الذى به نالت شعوب كثيرة استقلالها فى أعقاب الحرب العالمية الأولى إما بطرق سلمية سلسة أو بالنضال العسكرى.
وأشار الخبير المصرى إلى أن الأكراد جرّبوا العيش مع غيرهم من الفرس والترك والعرب فى إطار الدولة، على مدى أكثر من 100 عام، لكن حكومات هذه الشعوب فى أغلب الأوقات لم تراع حقوقهم، ولم تحترم ذاتيتهم القومية ولا ثقافتهم ولغتهم وعاداتهم، مضيفا أنه "حينما أبدى الكرد اعتراضهم ووجهوا بسياسات القتل والنفى والتهجير والتعريب والتفريس والتتريك للقضاء على القومية الكردية، وتمت شيطنتهم معنويا بوصمهم بالإرهابيين والمخربين والمتمردين والانفصاليين وغيرها، ولذلك يردد الكرد كثيرا هذا الأيام مقولة: "كفى ما مضى".
وأكد زايد أن طرق تحقيق الاستفتاء ونتائجه ليست سهلة أو وردية؛ فهناك معوقات داخلية وإقليمية ودولية، فكردستانياً يوجد اختلاف بين بعض الأحزاب على توقيت الاستفتاء، وآلية تحقيقه، ومدى دستورية الحكومة التى تقوم به، ومدى جدواه مادامت نتائجه معلومة سلفاً، فليس هناك كردى لا يريد الاستقلال لشعبه وأرضه. كما أن هذه الدولة المرتقبة ستكون حبيسة لا حدود بحرية لها، ما يجعلها تحت رحمة المصالح العراقية ـ الإيرانية ـ التركية ـ السورية، لاسيما وأنها تعتمد فى كثير من احتياجاتها الغذائية والصناعية والطبية على الخارج.
وشدد على أنه من طبيعى أن تتعامل بغداد والدول الإقليمية مع الأمر بعين الجد؛ خوفًا من تمدد العدوى نحو الكرد الذى يعيشونها فى حدودها السياسية، أو تأثير ذلك على مصالحهم الاقتصادية؛ ولذلك هناك مساعٍ حثيثة حاليا لإبطال مفعول نتائج الاستفتاء أو على الأقل ضمان عدم انتشار العدوى.
ومن حيث الموقف الدولى فإن حكومة إقليم كردستان قد بذلت على مدى السنوات الماضية جهودا مكثفة لكسب التأييد والمساندة الدولية، وأظن أن ذلك سينجح فى حالة ضمان الدول الكبرى استمرارية مصالحهم فى المنطقة، وفقا لما قاله زايد.
وكشف أن مسؤولى الكرد يحاولون حاليا كسب أكبر قدر من الأصوات المؤثرة فى المنطقة، بشرح مدى أحقيتهم فيما يسعون إليه، وأنهم لن يؤثروا على مصالح غيرهم، مقدمين ضمانات أن كردستان لن تكون جنوب سودان أخرى، وأنها ستكون إضافة للمنطقة وشعوبها لا خصمًا لها، وأن هناك نوافذ مفتوحة لهذه التوجهات الكردية فى بعض الدول العربية كالسعودية والإمارات مثلا، وهناك دول لم تبدِ شيئا منتظرة ما سيكون عليه الوضع الجديد وتتعامل معه.
واختتم زايد تصريحاته لـ"انفراد" بقوله: "من المؤكد من وجهة نظرنا أن هناك خريطة جديدة لبعض بلدان الشرق الأوسط، وأن من سيحقق منها مصالح أكبر هو من يستطيع أن يتفاعل معها بالأوراق التى تحت يديه، والكرد فى خضم ذلك لن يكونوا بعيدين، حتى إذ لم تتحقق نتائج ما يرنون إليه هذه المرة فلن تكون آخر المطاف؛ فالقناعات ستظل راسخة، والأسباب موجودة، ولن تنفد خطط تحقيق الهدف.