بعد حملة دبلوماسية شاقة يبدو أن القمة حول السلاح النووى بين دونالد ترامب وكيم جونج أون فى طريقها للانعقاد فى سنغافورة لكن مدى نجاحها لا يمكن أن يعرف قبل أشهر وحتى سنوات.
وفى أول اختراق محتمل فى العملية المشحونة، قد تشهد القمة توقيع اتفاق سلام بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية من شأنه تمهيد الطريق نحو تحسن حذر فى العلاقات بينهما، وسأل ترامب "هل تصدقون بأننا نتحدث عن إنهاء الحرب الكورية" معتدا بجرأته الدبلوماسية.
والدولتان فى حالة حرب من الناحية التقنية منذ عقود وإن تم تجميد النزاع بهدنة قبل 65 سنة. لكن الذى تسعى اليه واشنطن فعلا هو نزع السلاح النووى فى كوريا الشمالية.
غير أن بيونج يانج طالما أصرت على أن تصبح دولة نووية تحظى بالاحترام وإذا كانت أعلنت تعليق التجارب النووية والصاروخية فتسليم قنابلها ليس على طاولة البحث.
فكيف يمكن تحقيق ما يبدو مستحيلا؟ كيف يمكن للطرفين التوصل لما تطالب به واشنطن وهو "نزع السلاح النووى من شبه الجزيرة الكورية بشكل كامل وقابل للتحقق ولا يمكن الرجوع عنه"؟، لدى الكثيرين شكوك حول ذلك.
يقول المحلل فى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بوريس توكاس لوكالة فرانس برس بشأن القمة "سنعرف على الفور ما إذا باءت بالفشل".
ويوضح "إذا امتنع كيم مثلا عن تقديم ضمانات خطية بنزع السلاح النووى أو إذا صدر فقط إعلان نوايا دون خارطة طريق".
وستمثل القمة تحديا لمعظم الدبلوماسيين المخضرمين، وقبل عام فقط كان ترامب، الذى دخل للتو عالم السياسة، يهزأ بكيم وينعته "برجل الصواريخ الصغير" فيما كان الزعيم الشاب يسخر منه ويصفه بأنه "مختل عقليا وخرف".
قد تكون الرهانات على القمة ازدادت اكثر بسبب الإطار الزمنى المتسارع. وقد يكون ترامب أقر بأنه لا يمكن انتظار نتائج كبيرة فى الاجتماع الأول، لكنه يريد تسجيل مكسب قبل انتهاء ولايته فى 2021.
وسعى الزعماء الكوريون الشماليون لربع قرن لعقد لقاء مباشر مع رئيس أمريكى خلال فترة ولايته، لكن ترامب وافق على لقاء كيم فى مارس فقط ويبدو الآن أنه على عجلة لتحقيق ذلك.
والاستعجال كبير إلى حد أن كثيرين فى واشنطن يخشون أن يبادر ترامب بسذاجة إلى تقديم تنازلات دون الحصول على ضمانات بشأن الترسانة الكورية الشمالية.
لكن المنتقدين مرتاحون لأن ترامب يقول علنا إن الاجتماع قد لا يكون سوى بدء العملية، وبعض المسؤولين السابقين يعتقدون أنه يمكن تحقيق بعض التقدم.
كان السفير جوزيف يون الممثل الاميركى الخاص لكوريا الشمالية حتى ايام قبل موافقة ترامب على القمة، وهو مخضرم فى المحادثات الخلفية.
وقال أنه من اجل اعتبار القمة ناجحة على الطرفين القيام بتنازلات سريعة لبناء الثقة قبل عملية أطول تؤدى بنهاية الأمر إلى بدء عملية نزع السلاح النووى والتطبيع.
وقال يون المستشار الحالى فى المعهد الأمريكى للسلام "إن المقترح الاساسى الذى تحاول الولايات المتحدة أن تقوله لكوريا الشمالية هو: انتم أكثر أمنا بدون الأسلحة النووية منه معها".
وطالما افترض القادة الكوريون الشماليون العكس: مع الأسلحة فقط يمكنهم ضمان استمرار سلالة كيم والبقاء قوة نووية تحظى بالاحترام مثل الهند على المسرح الدبلوماسى، لكن ربما تقنع ضمانات امنية محددة كيم باختيار المسار الدبلوماسى بعد القمة.
وقال يون "أولا، اعتقد أن هذه الخطوة بالتحديد تتطلب ما اعتبره إعلان نهاية للحرب أى أن تنهى الحرب الكورية التى وضعت أوزارها من الناحية التقنية بهدنة عام 1953".
وأضاف "ويتطلب تحقيق ذلك بالواقع مفاوضات بشأن معاهدة سلام. وبعد ذلك بالطبع، وبموازاة ذلك تحتاج لتطبيع دبلوماسى. واضح إنها عملية طويلة جدا".
واذا وافقت الولايات المتحدة على بدء كما يقترح ترامب على ما يبدو -- محادثات سلام لإنهاء الحرب وفتح مكتب ارتباط دبلوماسى فى بيونج يانج، فإن كيم ربما يرى المحادثات على أنها مفيدة.
وقال فرانك آوم المستشار الكبير السابق لشؤون كوريا الشمالية لدى وزراء الدفاع الأمريكيين وحاليا الخبير لدى العهد الأمريكى للسلام إن كيم سيحمل مطالب عسكرية.
وبالنسبة لبيونج يانج فإن عبارة "نزع الأسلحة النووية" لا يعنى فقط تسليم قنابلها بل حظر الأصول الاستراتيجية الأمريكية مثل مقاتلات الشبح إف-22 وقاذفات بى-وان وتشكيلات مقاتلة من منطقتها، ولكن ما الذى يتحتم على كيم أن يتخلى عنه بالمقابل؟.
قال يون "قد تكون كوريا الشمالية مستعدة لأن تقول بنهاية الأمر إنها على استعداد لنزع الأسلحة النووية بالكامل، لكن ستوضع تعديلات على النص وصياغة أخيرة".
وعلى ترامب الذى يتباهى بأنه صانع صفقات، أن يتفاوض حول الصياغة الدقيقة كى لا يستطيع كيم إرجاء ذلك إلى ما لا نهاية فيما تبدأ العقوبات الدولية الدبلوماسية والاقتصادية بالتلاشى، وأضاف يون أن على كيم أن يؤكد فورا خطيا بأنه قد وافق على: وقف تجاربه الاستفزازية للصواريخ البعيدة المدى والقنابل النووية.
وعليه ايضا أن يسمح بإجراء عمليات تفتيش دولية لمواقعه النووية المعلنة مثل يونجبيون وبشكل حاسم الكشف عن مواقع سرية اخرى توضح حجم مهمة نزع الاسلحة.
فقط عندما يتحقق ذلك يمكن للمفاوضين معرفة ما إذا كان الزعيم الكورى الشمالى جاد بشأن نزع اسلحته بنهاية الأمر والاستخبارات الأمريكية بحسب تقارير، لا تعتقد أنه لن يكون كذلك ابدا.
بالنسبة ليون، فإن جدية كيم والنجاح النسبى لقمة سنغافورة يمكن التأكد منهما فقط "فى حال تقديم تعهدات ملموسة وسريعة، وواضح أن هذا ما سيسعى اليه جانبنا".
ويخشى الخبراء من أن تكون مماطلة كوريا الشمالية بتشجيع من الصين وروسيا اللتين حذرتا من تسريع العملية، لا يمكن لادارة ترامب التساهل معها.
وقال آوم للصحفيين "واضح بأن كوريا الشمالية تسعى لعملية على مراحل. والصين وروسيا ايضا موافقتان".
واضاف "لكن الولايات المتحدة تريد فى المقابل، عملية متسارعة تضع العديد من عمليات نزع السلاح النووى فى المقدمة ثم تكون كوريا الجنوبية فى الوسط".
قال يون وآوم إن التنازلات المرحلية من كلا الجانبين يمكن أن تطلق العملية فى غضون سنة، لكنها إذا انهارت، يكون كيم على الارجح سعيدا بالحد من الخسائر والتمتع بانتصار تقنى.
وقال توكاس لوكالة فرانس برس "إن القمة ذاتها هى قبل اى شيء تنازل هائل من ترامب. إنها تعطى كيم شرعية كبيرة على المستوى الدولى والداخلي، حتى إذا فشلت فى نهاية الامر".