ذكرت دورية "وورلد بوليتيكس" الأمريكية، المتخصصة في شئون السياسة العالمية، أن كوريا الشمالية تواصل تطوير برامجها النووية، على الرغم من النهج التصالحي الذي انتهجته الإدارة الأمريكية إزاءها.
وأوضحت الدورية الأمريكية، في تقرير نشرته بهذا الشأن، أن: "على الرغم من أن عناوين الأنباء المتعلقة بجهود كوريا الشمالية لإنتاج أسلحة نووية كانت قد أخذت في التلاشي من مانشيتات الصحف والمجلات العالمية في وقت ما، إلا أن هذه الدولة تواصل العمل من أجل تحسين قدراتها النووية لدرجة أنه أصبح بإمكانها الآن الوصول بسلاح نووى إلى أي موقع في الولايات المتحدة".
وأضافت أن "بيونج يانج تقوم بتنويع نظمها لإطلاق صواريخ بعيدة المدى، ومن المرجح أن يؤدى ذلك إلى نجاة ترساناتها النووية من أي هجوم، وفي ظل عدم التوصل لاتفاق لكبح برامجها الصاروخية والنووية، فإن ترساناتها ستتنامى لتحتوي على أكثر الأسلحة الفتاكة".
وأشارت مجلة "وورلد بوليتيكس" إلى أن هدف التوصل لمثل هذا الاتفاق كان يتصدر أجندة السياسة الخارجية للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في وقت مبكر من رئاسته، لكن على الرغم من حدوث تحسن في العلاقات بين الكوريتين الشمالية والجنوبية وعقد اجتماعات مباشرة لم يسبق لها مثيل بين ترامب والزعيم الكوري الشمالي /كيم جونج أون/، إلا أنه لم يتم إحراز تقدم واضح إزاء مسألة نزع السلاح النووي لدى كوريا الشمالية، حيث فشل فريق ترامب في توفير الموارد اللازمة سواءً لمشاركته الدبلوماسية أو لتوسيع نطاق المحادثات لتتجاوز نطاق نزع السلاح النووي.
وقالت المجلة: "بدلا من أن يحرز ترامب فوزاً في سياسته الخارجية، قدم إلى /كيم/ نصراً هائلا؛ لأن التعامل مع ترامب لم يساعد الزعيم الكوري الشمالي فقط على تجنب حدوث مواجهة عسكرية، بل أتاح له أيضا الحصول على امتيازات، من بينها تعليق بعض التدريبات العسكرية الأمريكية الكورية الجنوبية المشتركة، بالإضافة إلى حصوله على شرعية دولية".
وبحسب تعبير المجلة الأمريكية، فإن "الأسلوب الذي اتبعه ترامب للتقرب من الزعيم الكوري الشمالي أدى أيضاً إلى حفر حفرة لخلفه، الرئيس جو بايدن؛ لأن إصراره على الاجتماع مع كيم في اجتماعات قمة تليفزيونية أدى إلى تقويض عمل الدبلوماسيين الأمريكيين، في الوقت الذي أعطى فيه إشارات إلى كيم عن فوائد اتباع سياسة حافة الهاوية، وقد أصدرت كوريا الشمالية بالفعل العديد من البيانات التي وصفت بأنها كانت بمثابة /طلقات إنذار مبكر/ على بايدن، من بينها بيان أصدرته قبل تدريبات عسكرية أمريكية مشتركة مع كوريا الجنوبية يتضمن تحذيرا للإدارة الأمريكية الجديدة بأنها إذا كانت تريد النوم في سلام خلال الأعوام الأربعة القادمة، فإنه سيكون من الأفضل لها أن تمتنع عن التسبب في حدوث مناوشة أثناء خطواتها الأولى".
واستدركت مجلة "وورلد بوليتيكس" قائلة: "إن الرئيس بايدن تجنب حتى الآن استخدام أسلوب العبارات الطنانة للمعاملة بالمثل، وبدلا من ذلك أشار إلى استعداده لاستئناف المحادثات الدبلوماسية لمعالجة القضايا النووية، حتى أنه بادر بالإعراب عن استعداده للاجتماع مع كيم إذا كان هذا الاجتماع سيساعد على ذلك".
وأضافت المجلة في تقريرها أنه "على الرغم من أن بايدن يوصف تاريخيا بأنه من (الصقور) إزاء كوريا الشمالية، إلا أنه يتعرض لضغوط من حلفائه في كوريا الجنوبية لكي يتخذ موقفا أكثر مرونة، بما في ذلك إمكانية تخفيف العقوبات المفروضة على بيونج يانج، لكنه لم يتخذ حتى الآن خطوات للقيام بذلك، ولم يشر إلى أي رغبة في إجراء تغيير كبير على موقف أمريكا بشأن إزالة الترسانة النووية الكورية الشمالية التي تعتبر بمثابة الهدف النهائي لأي مفاوضات".
وأشارت إلى أن "إدارة بايدن تتبع (سيناريو عفا عليه الزمن) لتبرير التصرف الهزيل إزاء كوريا الشمالية، وأنها بذلك تنسف فرصة فريدة لتجنب حدوث أزمة في المستقبل، وهي فرصة لتحقيق الاستقرار في شبه الجزيرة الكورية ولتصحيح أحد أخطاء السياسة الخارجية الأمريكية هناك على المدى الطويل".
من ناحية أخرى، أشارت المجلة إلى تقرير كان قد أصدره مسئولو حقوق الإنسان بالأمم المتحدة عام 2019 عن حالة المواطنين الكوريين الشماليين ومعاناتهم من تكاليف عزلة بلادهم، وجاء فيه أنه في ظل استمرار العقوبات الدولية فإن السكان هناك مازالوا يعتمدون على أسواق غير رسمية ولكن مسموح بها رسميا، وأنهم يواجهون مطالب برشاوى مستمرة من مسئولين كوريين، وأن تقديرات برنامج الغذاء العالمي تشير إلى أن 1ر10 مليون شخص في كوريا الشمالية يعانون من نقص الغذاء.
ولفتت المجلة الأمريكية إلى أن الزعيم الكوري الشمالي كان قد حدد أولوياته منذ توليه السلطة عام 2011، وهي أن تطوير اقتصاد بلاده يتساوى مع هدف تحقيق قدرات نووية، وفي ظل ذلك تسامح إزاء ظهور أسواق محلية غير رسمية، لكن المجلة نبهت إلى أن أي تحسن في أحوال السكان سيتطلب رفع العقوبات الدولية.
وأكدت "وورلد بوليتيكس" ضرورة الأخذ في الاعتبار أن بيونج يانج كانت قد احتفلت ببدء عام 2021 عن طريق الكشف عما وصفته وسائل الإعلام الرسمية بأنه "أقوى سلاح في العالم" خلال عرض عسكري لاستعراض القوة، وأنه رغم عدم وضوح شئ عن قدرة هذا السلاح، وهو صاروخ باليستي جديد ضخم، إلا أنه يرسل رسالة مفادها أن كوريا الشمالية تمضي قدما في تطوير أسلحتها.
وأضافت المجلة أن بيونج يانج تؤكد أنها طورت بالفعل صاروخا يمكنه الوصول إلى الولايات المتحدة، معربة عن اعتقادها بأن استمرار كوريا الشمالية في نشاطها النووي يمكن أن يؤدي إلى تعرضها لضغوط متزايدة من قوى عالمية، من بينها الصين التي تود أن يتم إنهاء برنامج أسلحة بيونج يانج حتى يمكن إلغاء ذريعة تستغلها واشنطن للحفاظ على قواتها في كوريا الجنوبية، حسب وصف الصين.
وأشارت المجلة الأمريكية إلى أن الزعيم الكوري الشمالي كان قد تحدث بفخر أثناء ذلك العرض العسكري الضخم عن صاروخ كبير، وأن عودة كيم للظهور بعد فترة قصيرة من اختفائه عن الأنظار أدت إلى تسليط الضوء من جديد على برامج كوريا الشمالية النووية والصاروخية ، وأدت إلى تأجيج المخاوف النووية.
واختتمت دورية "وورلد بوليتيكس" الأمريكية تقريرها بقولها "إن الرئيس بايدن نأى بنفسه عن استخدام العبارات الطنانة وعن الأسلوب الصاخب الذي اتبعه سلفه ترامب، وقد أشار علانية إلى استعداده لاستئناف المحادثات، لكن مسألة استمراره في إتباع النهج التصالحي - الذي يفضله حلفائه في سول - ستتوقف على كيفية استجابة /بيونج يانج/ لمبادرته المبكرة لمعالجة قضاياها النووية".