كشفت مجلة أمريكية أن سلاح الجو التابع للولايات المتحدة أجرى سلسلة من عمليات انتشار لمقاتلاته الحربية، لتحتل مواقع متقدمة في مسرح العمليات الأوروبية، في ظل تصاعد التوترات مع روسيا إلى مستويات غير مسبوقة، وفي أعقاب تحذيرات عدة أطلقها قادة حلف شمال الأطلنطي (الناتو) من أن موسكو تخطط لغزو وشيك لجارتها أوكرانيا.
وقالت مجلة "ميليتري ووتش" الأمريكية، إن أولى تلك التحركات التي قام بها سلاح الجو الأمريكي، تبدو في نشره للمقاتلات الحربية الثقيلة من طراز "إف-15 سي" و"إف-15 دي" في "قاعدة لاسك الجوية" في بولندا لدعم مهام المراقبة الجوية في منطقة البلطيق.
وأشارت إلى أن عمليات نشر مقاتلات "إف- 15" بطرازيها "إس" و"دي"، التي يطلق عليها "نسور" القوات الجوية الأمريكية، جرت في العاشر من الشهر الجاري بأعداد من المقاتلات قليلة نسبياً، بيد أنها مزودة بقذائف وصواريخ جو- جو من طراز "إيه آي إم-120" لتلائم مهامها المتوقعة.
وأفاد بيان للقيادة الجوية للتحالف الصادر بشأن عمليات الانتشار بأن: "المقاتلات الإضافية ستعزز جاهزية الردع الجماعي والدفاعي في الوقت الذي تقوم فيه روسيا بحشد قواتها العسكرية في أوكرانيا وحولها".
ودخلت مقاتلات "إف-15" الخدمة في القوات الجوية الأمريكية في عام 1976، فيما أعقبها الطرازات المحدثة منها "سي" و"دي" في عام 1980 تقريبا، وقد صممت المقاتلة "إف-15" بصفة أساسية للعمل في مسرح العمليات الأوروبية لمواجهة القوات الجوية السوفييتية، رغم أن قدراتها في التصدي وجهاً لوجه أمام المقاتلات الروسية الحديثة ظلت محل تساؤلات متكررة من جانب مسؤولين عسكريين أمريكيين، على حد قول المجلة.
أما عمليات الانتشار الثانية للمقاتلات الأمريكية، فقد حدثت يوم الحادي عشر من فبراير الجاري بنشر سلاح الجو الأمريكي مقاتلات "إف-16"، النظير الأخف وزناً والأرخص سعراً من المقاتلات الثقيلة "إف-15".
وقد دخلت "إف-16" الخدمة في سلاح الطيران الأمريكي بعد عامين من نظيرتها الثقيلة، أي في عام 1978، وقد بدت صور المقاتلات التي تم نشرها في رومانيا وهي مزودة بصواريخ جو- جو حيّة من طراز "إيه آي إم-120"، وليست صواريخ هيكلية مفرغة من النوعيات التي تُستخدم في التدريب، وهو ما يؤشر إلى "مستويات مرتفعة من الجاهزية العملياتية"، على حد وصف المجلة.
وتنتمي مقاتلات "إف-16" التي جرى نشرها أخيرا إلى "سرب 52" للمقاتلات الجوية، وقدمت إلى رومانيا من الأراضي الألمانية. وتعد مقاتلات "إف-16"، هي الأوسع انتشاراً واستخداماً في سلاح الجو الأمريكي وفي القوات الجوية لأعضاء "الناتو"، كما أنها الأقدم والأخف إذا قورنت بسلاح الطيران الروسي.
وبقيت قضية استمرار تلك المقاتلة الأمريكية في العمل في ساحات المعارك في القرن الحادي والعشرين، محل تساؤلات من جانب مسؤولين عسكريين أمريكيين وحلفاء غربيين، فيما يعتقد أن بعضاً من تلك المقاتلات ستصبح متهالكة وغير قابلة للاستخدام بحلول عام 2024.
وتسببت عمليات التأخير التي دامت لسنوات طويلة في إحلال المقاتلات "إف-16" بالمقاتلة الشبحية "إف-35" المخصصة للمهام القتالية الهجومية المتوسطة، في استمرار الاعتماد على الطراز القديم من المقاتلة "إف-16"، التي لديها مدى طيران أقصر، وأقل احتمالاً، ومزودة بأجهزة استشعار أصغر، وأداء قتالي أضعف من نظيرتها في الطرازات الأخيرة للمقاتلة "إف-15"، والمقاتلات الروسية المواجهة مثل "سو-30 إس إم" و"سو-35".
وأكدت "ميليتري ووتش" أن قيام واشنطن بنشر المزيد من المقاتلات الأمريكية جاء على وقع إعادة روسيا نشر مقاتلاتها الحربية عالية الكفاءة، خصوصاً "سو-35"، من الأقاليم الروسية الشرقية إلى بيلاروسيا، وفي الوقت نفسه نقلت موسكو طرازات جديدة منها، "سو-30 إس إم 2" التي دخلت الخدمة حديثاً، في مدينة كاليننجراد الروسية.
وسلطت المجلة الضوء على ثالث عملية انتشار نفذها سلاح الجو الأمريكي أخيراً، والتي تمثلت في نشر القاذفات الاستراتيجية الثقيلة ذات قدرات الإطلاق النووية "بي-52 إتش" من قواعدها في ولاية "نورث داكوتا" لتنتقل إلى المملكة المتحدة، لافتة إلى أن هناك أربعا من القاذفات تنتمي إلى "فوج القاذفات الـ69" و"سرب القاذفات الـ5"، وقد انتشرت ومعها طائرات تزويد الوقود وطائرات نقل عسكري من طراز "سي-5 إم جالاكسي" وعلى متنها عتاد وجنود.
ورغم أن قاذفات "بي -52 إتش" يعود تاريخ إنتاجها واستخدامها إلى حرب فيتنام في سبعينيات القرن الماضي، فإنها من أكثر القاذفات التي تنتشر بأعداد كبيرة تفوق إلى حد بعيد أي قاذفات غربية أخرى، ويُعتمد عليها بشكل كثيف في عمليات إطلاق أسلحة نووية من الجو باستخدام نوعيات من صواريخ كروز العابرة والمتطورة، كما تتمتع القاذفة بقدرات إطلاق قذائف وصواريخ موجهة غير نووية، ولديها القدرة على القيام بذلك من مسافات بعيدة خارج نطاق الدفاعات الجوية للعدو.
وتعلق المجلة في هذا الصدد قائلة، إن القاذفات بوسعها إطلاق صواريخ برؤوس نووية تستهدف معظم أرجاء روسيا، دون الحاجة إلى الخروج بعيداً عن المجال الجوي البريطاني، وهو ما يجعل تلك القاذفات عتاداً قوياً فريداً من نوعه يوجه رسالة قوية إلى موسكو.
ومعروف أن روسيا لديها قاذفات ومقاتلات هجومية مشابهة قادرة على إطلاق صواريخ مواجهة عن بعد، وهو ما يجعل الأجواء التي تطير فيها القاذفات "بي-52 إتش" من الأهداف الأولية حال نشوب صراع.
وتختتم المجلة تقريرها عن نشر الولايات المتحدة لمقاتلات حربية في أوروبا، قائلة إنه من المحتمل أن تحدث عمليات نشر أخرى للطائرات الحربية حال تواصلت التوترات دون توقف، رغم أن ذلك سيؤدي إلى تحويل الاهتمام والموارد من جبهات عمليات أخرى مثل الشرق الأوسط وشرق آسيا، وهو أمر حذر منه محللون لما سيترتب عليه من "تكلفة ضخمة يصعب تلبيتها"، على حد تعبير "ميليتري ووتش".