يعول خبراء البيئة كثيرًا على ما يطلقون عليه "تقنية الانصهار النووى" لإنتاج كهرباء نظيفة بيئيًا لا تنطلق من مداخن محطات إنتاجها أية ملوثات كربونية فى الهواء سواء كانت تعمل بالفحم أو بالوقود البترولى، كما لا تنتج عنها أية ملوثات إشعاعية كتلك التي تنتج عن محطات إنتاج الكهرباء النووية.
وبحسب تقرير صادر عن المنظمة الدولية للطاقة، فمن المتوقع أن يتم اعتماد تلك التقنية المتقدمة لإدارة محطات الكهرباء التقليدية وتشغيل توربيناتها الحرارية بصورة تجارية في بريطانيا بحلول العام 2040، وذلك في محطة كهرباء نوتينجهام شاير البريطانية بمعرفة طواقم من علماء الفيزياء والبيئة والطاقة.
ويقول الخبراء إن هذه التقنية الجديدة -التي حققت تقدمًا على صعيد اختبارات استخدامها تقوده المملكة المتحدة- ستكتب شهادة وفاة لمحطات الطاقة المعتمدة على الفحم كمصدر حراري لتشغيلها وما يصدر عن استخدام الفحم من تلوث كربوني يرفع من حرارة الأرض، ويفاقم من مشاكل الاحتباس الحراري عالميًا.
وبحسب الخبراء أثبتت التجارب العملية قدرة فائقة لتقنية الانصهار النووي في إنتاج درجة حرارة عالية ناتجة عن احتكاك ذرتين من الهيدروجين تكون كافية لانصهارهما معا ليكونا ذرة هيدروجينية واحدة، ويقول الخبراء إن الطبيعة كانت ملهمة لعلماء الفيزياء البريطانيين لتطوير تلك التقنية واستلهام أنماط التفاعل التي تتم في النجوم والأجرام السماوية المحيطة بغلاف الكرة الأرضية.
ويوضح الخبراء أن في كل جزء من الثانية الواحدة يتولد نمط احتكاك نووي بين أطنان من ذرات الهيدروجين بعضها البعض، وينتج عن ذلك تفكيك روابط ارتباطها النووي فتتكون بذلك ذرات من غاز الهيلوم، الذي تنتج عنه حرارة عالية وضوء حاد يعرف بظاهرة الشهب السماوية أو الانشطار النجمي.
ووفق هذا التصور يسعى الفيزيائيون في محطة "نوتينجهام شاير" البريطانية إلى محاكاة ما يحدث في النجوم ولكن على الأرض، بهدف إنتاج طاقة حرارية نتيجة تسخين غاز الهيدروجين لأكثر من 100 مليون درجة، وهي طاقة حرارية عالية طور لها العلماء جهاز استشعار حراري متطور أطلقوا عليه مسمى "توك ماك" لإغلاق دورة تشغيل المحطة تلقائيا دونما أية مخاطر قد تنتج عن ارتفاع درجة حرارة الانشطار تشبه في خطورتها تلك التي تحدث نتيجة ارتفاع حرارة المفاعلات النووية التي تنتج عن الكهرباء حال انقطاع مصدر التبريد المائي عنها، كما لا تنتج عن تلك التقنية الجديدة أية مخلفات مشعة يستوجب الأمن دفنها بصورة آمنة، وتلك ميزة أخرى تجعلها مفضلة في إنتاج الطاقة عن المحطات النووية التقليدية.
واعتمدت الحكومة البريطانية 220 مليون جنيه استرليني (252 مليون يورو) لتسريع وتيرة إنجاز تلك المحطة، وربطها بشبكة الكهرباء البريطانية الموحدة بحلول العام 2040، ومن ثم تقديم تلك التكنولوجيا الصديقة للبيئة إلى دول العالم، وتصدير تكنولوجيتها تجاريًا إلى أسواق العالم، وهو ما قد لا يتسنى قبل حلول العام 2050.
ومن الناحية النظرية.. تنتج تقنية الانصهار النووي طاقة صديقة للبيئة خالية من أية ملوثات كربونية، وتفوق من حيث القدرة الحرارية الطاقة المولدة عن إحراق الكربون أو الغاز أو المشتقات النفطية بنحو أربعة ملايين مرة.
إلا أن العقبات التجارية والقضايا المتعلقة بالجدوى التشغيلية لا تزال تشكل هاجسا أمام خبراء الطاقة، وهم يقارنون بين مزايا تلك التقنية الجديدة وبين الكهرباء النووية التي يراها عدد غير قليل من خبراء الطاقة في أوروبا، إلا أنها الأصلح بيئيا برغم مخاطرها إذا ما قورنت بالكهرباء التقليدية الناتجة عن إحراق الفحم والمحروقات البترولية.
وتعهدت حكومة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق بوريس جونسون، ببناء ثمان محطات نووية لإنتاج الكهرباء النظيفة خلال الأعوام العشرين القادمة، تغطي ربع احتياجات البريطانيين تقريبا من الطاقة.
وعلى الجانب الآخر.. يقول المراقبون إنه قبل التوسع في إنتاج الكهرباء النووية يتعين تدارك المشاكل المصاحبة لذلك، من خلال ضبط منظومات الأمان التشغيلي ومقاومة التسرب الإشعاعي، لتبقى مشكلة أخرى وهي التخلص من النفايات النووية المشعة الناتجة عن تشغيل تلك المحطات.
فمنذ عام 2018 طفت على سطح المشكلات الأوروبية مشكلة البحث عن مدافن آمنة للنفايات النووية المشعة، وهناك تجاذبات على صعيد السياسة والدبلوماسية بين العواصم الغربية وحكومات دول البلقان المنضمة حديثا للاتحاد الأوروبي تكون على أعماق تتراوح بين 700 و1000 متر تحت سطح الأرض، ويتم تحصينها بكتل من الخرسانة والمعالجة ضد التسربات الإشعاعية.