"إن الفنان يُصنع من الذهاب والإياب الدائبين منه وإلى الآخرين، فى منتصف الطريق، من الجمال الذى لا يمكن أن يتخلى عنه والجماعة التى لن ينتزع منها. لهذا فالفنانون الحقيقيون لا يحتقرون أى شىء ويلزمون أنفسهم بالفهم بدل إصدار الحكم وهم إذا انحازوا لطرف فى هذا العالم، فليس إلا إلى المجتمع" .. هذا جزء من الخطاب الذى ألقاه الكاتب الفرنسي الشهر كامى فى الأكاديمية السويدية لدى تسلمه جائزة نوبل للآداب فى 10 ديسمبر 1957، والذى ترجمه الكاتب أحمد المدينى تحتت عنوان "خطاب السويد .. الفنان وزمانه" وصدر عن دار أزمنة.
ويقول المدينى فى مقدمة الكتاب "يلتقى القارئ، فـى هذا مع نصين أساسيين فـى حاشية العمل الفكرى والنضالى وسجل دقيق لمنظومة المفاهيم الأدبية والمذاهب المؤطرة لها مثل التيارات المصاحبة".
ويتابع المدينى "إذا كنت ممن يعتبرون أن مبادئ الكاتب، وهو عند كامى الفنان، توجد كما تستخلص أساساً من صلب عمله الفنى، وليس من فُتات أقواله أو نصوصه الميتا ـ نصية، فإنى أجد أن لهذه قيمتها التركيبية والمجوهرة لمجمل كتابات الكاتب، ولمواقفه فـى الحياة، فضلاً عن سيرته الحميمية. وعند فنان من عيار كامى، ارتبطت الكلمة لديه بانخراط واع فـى شؤون وشجون عصره، تصبح للنصوص الموازية قدرة الإضاءة والتزويد بأدوات تحليل وتأويل إضافـية للأعمال الأدبية، لا غنى عنها أحياناً".
ويتابع المدينى "أحسب أن من سيقرأ، كما قرأت وأفدت، محاضرة أوبسال، الموالية للخطاب أمام أكاديمية السويد، واللذين آثرنا جمعهما فـى هذه الترجمة تحت عنوان واحد لارتباط سياقهما وانسجام وتعالق قضاياهما؛ أحسب أنه واجدٌ نفسه أمام إحدى الخلاصات القليلة والغنية لثقافة وأدب حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، أولاً، وتركيب مفرد للتيارات الصاخبة والهامسة للحقبة ذاتها، فـى قلبها الجدل حول الواقعية الاشتراكية وموقف الكاتب ووضع الكتابة بين أقطاب الجمال والحرية والالتزام، باختصار بين حدّى الروح الإبداعية الطليقة وأى نزعة أدبية مذهبية توجيهية".