"العمى، البصيرة، انقطاعات الموت، الإنجيل كما يرويه المسيح، الكهف، ثورة الأرض، الآخر مثلى"، إذا كنت من قراء الأدب العالمى خاصة الأديب البرتغالى الشهر جوزيه ساراماجو، فبالتأكيد أنت تعرف هذه الروايات.
وتمر، اليوم، الذكرى الثامنة على رحيل الأديب جوزيه ساراماجو، الذى رحل فى 18 يونيو من عام 2010 عن عمر ناهز حينها السابعة والثمانين، تاركا خلفه العديد من الأعمال الروائية والقصصية الرائعة، لكن أيضا تاركا مواقف إنسانية أكثر روعة.
كانت فلسطين وقضية الصراع العربى الإسرائيلى ولا تزال واحدة من أهم القضايا الدولية التى لها تأثير كبير فى حياة شعوب العالم، وسياسيها وأيضا مثقفيها، وكان لساراماجو موقف واضح منها، حتى إنه صرح فى مذكراته التى صدرت عن دار" فاندتش" البرتغالية ممارسات إسرائيل التوسعية والاستيطانية، بأنها تشبه النازية ولا تختلف كثيرا عنها.
وبحسب مقال للدكتور طلعت شاهين، نشر بجريدة "الاتحاد" الإماراتية بعنوان "جوزيه ساراماجو.. الفلسطينى"، فإنه من أبرز المواقف التى تعبر عنه ما حدث بعد زيارته للأراضى الفلسطينية المحتلة إثر مذبحة جنين، التى وصفها بأنها "الجريمة البشعة"، وأنها لا تقل بشاعة عن "أوشفيتز" التى بنت عليها إسرائيل أسطورة وجودها.
كما أن سراماجو عندما شارك فى مؤتمر صحفى بمدينة رام الله الفلسطينية، قال إن ما يحدث من ممارسات جيش الاحتلال تجاه الشعب الفلسطينى، تشبه "أوشفيتز" فى إشارة للمعكسر النازى الذى ادعى اليهود أن ملايين منهم ماتوا فيه، وهنا حاولت إحدى الصحفيات ابتزازه قائلة: "لكن هنا لا توجد أفران غاز"، فرد بهدوء: "ما أقوله يتعلق بالفعل وليس بالاسم، وما يحدث هنا يصدر عن روح مماثلة (للنازية) وهذا واضح جداً هنا"، وتابع فى رده يقول: "إن ما يحدث هنا جريمة ضد الإنسانية، وإذا كانت كلمة "أوشفيتز" تغضب الإسرائيليين فعليهم أن يختاروا كلمة أخرى للتعبير عن ما أراه هنا، وعلى أى حال لن تكون أى كلمة أخرى لوصف ما يحدث هنا أقل بشاعة من وصف المحرقة النازية".
هذا الموقف حدث أثناء زيارة قام بها سراماجو عام 2002 إلى فلسطين، مع وفد ضم عدداً من المثقفين العالميين، وحل ضيفا على الشاعر الفلسطينى الكبير محمود درويش، والذى ارتبط معه بصداقة كبيرة، حيث قال عنه: "إن كثيرين فى العالم لا يعرفون أن هذا الشاعر الفلسطينى، هو من وزن بابلو نيرودا"، وتحدث عنه فى مناسبة أخرى قائلا: "أن تقرأ محمود درويش يعنى القيام بجولة أليمة على خطى الظلم والعار اللذين كان ضحيتهما الشعب الفلسطينى".
يبقى أن نؤكد أن موقف ساراماجو ضد الكيان الصهيونى، لم تكن منفصلة عن الصراع العربى بأكمله مع الدولة العبرية، ففى معرض تحديه لإسرائيل قام ساراماجو بالتوقيع على رسالة عالمية تدين الحرب العدوانية الصهيونية على لبنان سنة 2006.