فى أزمة الكاتب أحمد ناجى المسجون بتهمة خدش الحياء العام، بسب نشر فصل من روايته "استخدام الحياة" فى جريدة أخبار الأدب، تضامن عدد من المثقفين مع الروائى فى عدد من المبادرات ومنها بيان للمثقفين المصريين ضد حبس أحمد ناجى تحت عنوان "افتحوا المجال العام" ومن قبل ومن بعد طالب الكثير من المفكرين والكتاب والمثقفين بفتح المجال العام، لكن السؤال ما المقصود بهذا المصطلح الذى يردده الكثيرون؟
"إن قوة المجال العام هى التى تسود فى النهاية، حتى بعد أن تفشل الثورات الديمقراطية الليبرالية"، هكذا يتحدث هابرماس الاسم الأشهر فيما يسمى بالمجال العام الذى كان يحاول الإجابة عن سؤال سياسى أساسى هو: كيف يمكن تعزيز مشاركة واسعة النطاق ومتكافئة حول غايات المجتمع الحقيقية؟.
المعروف أن مصطلحُ "المجال العام" ظهر فى الغرب مرتبطًا باجتهادات الفيلسوف الألمانى "هابرماس" الذى رأى أن كل إطار يمكن أن يجتمع من خلاله الأفراد من أجل تشكيل هيئة عامة دون النظر لأى فوارق اجتماعية بينهم هو بمثابة مجال عام، ففى سنة 1962 كتب هبرماس كتابه التحول البنائى للمجال العام والذى تمت ترجمته للإنجليزية سنة 1989 ومن بعدها أصبح مصطلح المجال العام منتشرا بشكل واسع وتم تبادله على أنه يعنى "الإرادة الاتصالية فى الممارسة السياسية الديمقراطية".
ويتسم المجال العام بأنه ذو طابع سياسى، يؤكد على قيمة التواصل الشفاف وممارسة الاتصال بين أفراد المجتمع بدءا من المستوى الأصغر للحياة الاجتماعية إلى المجالات الجمعية الأكثر تنظيما التى يتم فيها البحث والنقاش، بمعنى أن المجال العام يركز على التواصل بين الأفراد بما يسمح بظهور أشكال للتداول والنقاش الحر.
إذن المجال العام الحديث يشير إلى النقاش المفتوح بين أعضاء جماعة بشأن اهتماماتها المشتركة وإلى نشاطات الدولة الأساسية فى تحديد تلك الجماعة.
وتعود أول النقاشات التى تناولت الانقسام بين المجالين العام والخاص إلى اليونان القديمة، حيث كان يُشار إلى ما هو عام بوصفه مجال السياسة وإلى ما هو خاص بوصفه مجال العائلة ومجال الحياة الاقتصادية. وقد عاد المنظّرون السياسيون المحدثون إلى فكرة المجال العام فى محاولاتهم تنظير الحكم الديمقراطى، فمنذ القرن الثامن عشر فصاعداً، نسبت النظرية السياسية الليبرالية إلى المجال العام سلسلة من الوظائف الديمقراطية: مهمة تقويم الآراء وصياغتها، مناقشة معنى السياسة وإعادة تعريفها، وإجبار الدولة على تسويغ أفعالها.
والمجال العام يهتم بعدد من القضايا المهمة، منها اتساع المشاركة السياسية، وجود مجالات عامة متعددة أو متداخلة، تأثر وسائل الاتصال الحديثة، ويركز على موضوعات مثل حقوق الإنسان، والتحول الديمقراطي، وتدفّق رؤوس الأموال والاستثمارات، والسؤال الأساسى فيما يتعلق بالمجال العام هو التالى: إلى أى مدى يمكن للخطاب الجمعى أن يحدّد شروط الحياة الاجتماعية؟ .
كما يتكوّن المجال العام من (أمكنة تصوّريّة إلى حدّ ما - مقهى، الصحافة، محكمة، الراديو، أماكن الاجتماعات - حيث يجتمع المواطنون لمناقشة مواضيع تتعلّق بالمجتمع. إذ يثير الأفراد فى هذه الأماكن نقاشات أو يقومون ببعض الأعمال - إضرابات، عرائض، تظاهرات - تتعلّق بالصالح العام ويمكن لها أن تؤثّر فى القرارات السياسيّة).
فهو إذن يمثّل حيّزا من الحياة الاجتماعيّة ينشأ عبر تفاعل الأفراد وحواراتهم الحرّة والعقلانيّة مع بعضهم البعض فى مسائل تخصّ الصالح العام، بغض النظر عن انتماءاتهم والفروق التى قد تكون موجودة بينهم، ويمكن من خلاله أن يتمّ تشكيل ما يقترب من الرأى العام.