يبقى الملك الناصر صلاح الدين الأيوبى، من أبزر القادة المسلمين فى التاريخ الإسلامى على مدى العصور، لما له من دور بطولى تحرير بيت المقدس من أيدى الجيوش الصليبية، وحماية المقدسات الدينية الإسلامية والمسيحية واليهودية هناك.
وتمر اليوم الذكرى الـ826، على توقيع السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبى، لصلح الرملة مع ملك بريطانيا الملك ريتشارد الأول، والمعروف تاريخيا بـ قلب الأسد، إذ تم توقيع المعاهدة 22 شعبان 588هـ 2 سبتمبر 1192م.
وبحسب كتاب "أطلس تاريخ الدولة العباسية" للدكتور سامى بن عبد الله المغلوث، إن الشقاق دب فى صفوف الصليبين وذلك بعدما عاد الملك فيليب ملك فرنسا، وبقى ريتشارد الذى جمع قواته واستولى على مدينتى أرسوف بعد معركة حامية، ثم مدينة يافا وعزم على استرداد بيت المقدس، فوجه صلاح الدين همته إلى تحصين المدينة والدفاع عنها، ورأى أنه من الخير الاحتفاظ بالمدن الداخلية ريثما تتاح له فرصة تكوين أسطول بحرى كبير يحمى به المدن الساحلية.
ومع تحصين صلاح الدين لبيت المقدس، وصعوبة تحقيق انتصارات أخرى، بالإضافة إلى رغبة ريتشارد الملحة فى العودة إلى بلاده، اضطر إلى التنازل عن بعض الشروط وطلب الصلح، وتم فعليا الصلح فى 2 سبتمبر عام 1192، ونص على أن يكون للصليبين المنطقة الساحلية من صور إلى يافا بما فيها قيسارية وحيفا، أما عسقلان فتكون للمسلمين فى حين تكون الرملة واللد مناصفة بين المسلمين والصليبين، وبقيت الأماكن المقدسة فى أيدى المسلمين، على أن يكون للمسيحيين حرية الحج إلى بيت المقدس، دون دفع أى ضرائب.
وعلى عكس ما يعتقده البعض، وما تصوره بعض الأعمال الدرامية فإن المعاهدة التى تم الاستقرار على أن تكون مدتها 3 سنوات وثلاثة أشهر، ناب فيها عن الملك ريتشارد فى التوقيع هنرى دى شامبنى وباليان الثانى ودى أبلين وأونفروى الرابع دى تورون، فى حين مثل الجانب الإسلامى الملك الأفضل والملك الظاهر ابنا صلاح الدين، وأخوه الملك العادل وبعض الأمراء الأيوبيين الآخرين.
الغريب فى الأمر أن الصلح سعد به الجميع مسلمين وصليبين إلا صلاح الدين نفسه، لأنه لم يره محققا ما يصبو إليه من تحرير الأرض كاملة من الاحتلال الإفرنجى، ولم يوقع الاتفاق إلا مضطرا بسبب إلحاح أمرائه وقادته وجنوده الذين ما كانوا يملكون همته وقدرته على المتابعة، وذلك بحسب ما ذكره كتاب "معجم الفردوس" للكاتب الدكتور مهند عبد الرزاق الفلوجى.
الطريف أن الكتاب يذكر أيضا عرض قدمه الملك ريتشارد على السلطان صلاح الدين، وهو مشروع فلسطين الموحدة للمسيحيين الأوروبيين والمسلمين العرب، عن طريق تزويج أخت ريتشارد بالعادل أخوه صلاح الدين، وأن تكون القدس هدية زفافهما، ولم ينجح المشروع، ولم يوافق صلاح على طلبات ريتشارد، إلى أن تم الصلح.