قل إسفاف أو حماقة أو استهانة بقيم وتراث الشعوب.. عن مسرح مصر أتحدث، وتحديدًا عرض "حاجة صينى"، الذى أذيع مؤخرًا.. ذلك الفاصل التمثيلى الركيك عن دولة الصين الصديقة.. فذلك لا يرقى أن يكون عرضًا مسرحيًا، ينتمى لأبى الفنون.
شاهدت الرقصة الصينى على طريقة على ربيع، والتى تسخر من الفن الصينى، الذى أبهرنا جميعًا فى حفل افتتاح العام الثقافى المصرى الصينى بالأقصر فى يناير الماضى، شاهدت هذه السخرية وكدت أتقىء من ذلك النص الذى ظل يطلق طوال الوقت إفيهات للسخرية من الصين وتراثها.. فضلاً عن التمثيل المبتذل الذى لا يستحق أى من أبطاله لا التصفيق ولا الإشادة والمدح، بل كل اللوم على هذا المستوى الفنى المتدنى.
شاهدت عرضًا يبدو أنه ليس لصناعه رؤية ولا هدف سوى جمع المال - إن أحسنت الظن بنيتهم.. أو أنهم يفعلون ما يؤمرون به. فالفرق كبير بين عمل إبداعى راقٍ يسمو بالفن وذلك العمل المبتذل.
الغريب أن نص ذلك العرض الذى تم تقديمه للرقابة، كما علمت، لم يكن بهذا السوء، والواضح أن القائمين على صناعته قدموا شيئا ونفذوا شيئا آخر تحت ما يسمونه بالارتجال، لكن الغريب هو أشرف عبد الباقى الذى كنت أحترمه وأقدر نجوميته، كيف له أن يخوض تجربة عرض رخيص مثل هذا يسىء لدولة نبدأ معها شراكة إستراتيجية فى كل المجالات، وعلى رأس هذا التعاون المجال الفنى والثقافى، حيث تم إعلان 2016 عاما للثقافة المصرية الصينية، فهل هذا العرض الرخيص هو هدية "عبد الباقى" وفريق مسرحه للصين احتفاء بالتعاون الثنائى بين البلدين، وهل القائمون على القناة التى أذاعت العرض لم يكن لديهم الوعى الكامل بما سيترتب على هذه السخرية، ام أن هناك فى الكواليس أمورا لا يريدون الإفصاح عنها؟
وفى جميع الأحوال، هل كانت هذه القناة ستقبل إذاعة عرض يتناول المملكة العربية السعودية مثلا بكلمة سخرية واحدة؟ ولماذا تم التغاضى عن عرض كامل يسخر من شعب صديق؟.
كنت أول من أبدى استغرابه أيضًا من تكريم أشرف عبد الباقى مؤخرًا بعد إذاعة عرضه بأيام، حيث أقيمت له ندوة تحت عنوان "الفن والقدوة فى المسرح المصرى" تحدث فيها عن مشواره وأحلامه وبطولاته المستقبلية، كنت أتمنى ان يسأله أحد عن النصوص الضعيفة التى يقدمها، وما هى القدوة التى كان ينشدها منظمو الندوة فى فن أشرف عبد الباقى ومسرحه هذا.. لكن بعد هذه الفضيحة هل ستستضيفه أى من المؤسسات الثقافية مرة أخرى؟
العلاقات بين الدول الصديقة خط يجب مراعاته ولا يجب تعديه إلى حد الإساءة والسخرية من تراث وثقافة الشعوب، كما أن فروع الثقافة والفن هى جسور التواصل بين الشعوب، والهدف من وراء أى تعاون ثقافى بين أى دولتين هو العبور إلى عقول وقلوب المواطنين بعيدا عن قرارات الساسة وتداعياتها، فرغم الخصومة الكبيرة من الشعب المصرى ضد السياسات الأمريكية إلا أن سينما هوليود لا زالت هى الأولى فى اهتمامات المصريين الفنية الأجنبية، كذلك الحال مع الدراما التركية التى لا تزال تملأ شاشات قنواتنا وتحظى بمتابعة جماهيرية كبيرة رغم سياسات ذلك الأردوغان المعادية لمصر.
الفن والثقافة يثبتان أنهما الأقوى والأجدر بالاهتمام لما لهما من تأثير مباشر على العلاقات الشعبية، وبالتالى المساس بهذه القوة الناعمة واستخدامها فى تشويه العلاقات بين الدول أمر مرفوض جملة وتفصيلا.
لا يجب أن تترك الدولة عروض المسرح الخاص على شاشات القنوات دون متابعة بل ورقابة إن تطلب الأمر، رغم احترامى لحرية الإبداع.. لأنه لا يجب أن يتخطى الفن المصالح العامة للشعوب، ولا يهدم قيم الدول ويسخر من تراثها ومواطنيها إلى هذا الحد، فهناك كلمات وافيهات تنتهك حرمات بيوتنا وآذان أبنائنا.. ونصوص تسخر من تاريخنا وقيمنا.
كنت أتمنى من عرض حاجة صينى لو أنه تناول تجربة الصين الاقتصادية، واحترام شعبهم لقيم العمل والوقت والتعليم والنظام، حتى لو كان بشكل كوميدى، فالفن رسالة هادفة لا تقبل الإسفاف والتفاهة ولا تحتمل السخرية من القيم والتاريخ والتراث، فهناك حدود فاصلة بين الإبداع الفنى الهادف والأعمال التافهة التى تهدم ولا تبني.. تفرق ولا تجمع.. تسىء ولا تنفع.