اسمه ألفونس دى لامارتين كاتب وشاعر وسياسى فرنسى، يمكن القول أنه لعب دورًا محوريًا فى تأسيس الجمهورية الفرنسية الثانية، ولد فى 21 أكتوبر 1790.
وكان لامارتين مناصرًا للثورة الفرنسية رغم أصله النبيل، ولم تمنعه مكتسباتها التى ألغت امتيازات طبقته عن الدفاع عن حقوق الفقراء والمطالبة بإلغاء نظام الرق، كما أعلن معارضته لحكم الملك "لويس فيليب"، وكان واحدًا من قادة ثورة ١٨٤٨م التى قامت ضده، حتى إنه تقلد المناصب فى حكومة الثورة ووصل إلى منصب وزير خارجية فرنسا، ثم اعتزل الحياة السياسية مع عودة نابليون للحكم عام ١٨٥٢م، وتفرغ للأدب والفن.
أصدر لامارتين كتابه "حياة محمد" وطبعًا كانت النتيجة أنه تعرض إلى حملات فى أوروبا، الذين اعتبروه باع نفسه للمسلمين، وكانت رد فعل العالم الإسلامى مماثلة، حيث تم اتهامه بالتجنى وعدم والفهم، فكان موضع انتقاد حاد من الطرفين المتناقضين حينها.
كرس لامارتين الجزء الأول الذى حمل عنوان "حياة محمد" من كتابه "تاريخ تركيا" من أجل الحديث عن نبى الإسلام وعن السيرة النبوية وسيرة الصحابة، بهدف التعريف بالأصول الدينية والفكرية للإمبراطورية العثمانية التى تعرض لدراسة تاريخها، ومن أجل هدف أعم وهو تقريب الدين الإسلامية إلى أذهان الفرنسيين.
لكن دراسة الإسلام والهدف الذى أوضحه لامارتين، وهو التقريب، سرعان ما تلاشى، بعدما حاول إثبات أن أصوله العائلية تعود إلى الدولة الأندلسية، فبدى وكأنه يبحث بأى بطريقة عن جذوره العربية.
محاولات لامارتين هذه، تجلت حينما قام بتفكيك اسم عائلته "اللامارتيين"، ليترجمه "الخاضعين لأمر الله أو خدام الله"، أضف إلى ذلك أيضًا استخدامه لعدد من التعبيرات والمفاهيم المسيحية من أجل تقريب الدين الإسلامى إلى أذهان المسيحيين فى أوروبا عامة وفرنسا خاصة، وهو ما ظهر فى رسالته إلى الكاتب والشاعر الفرنسى ألفريد دو فينى حينما يقول: إن الإسلام هو المسيحية المطهرة.
بناء على هذا تعرض كتاب "حياة محمد" عمدًا لإهمال على مدى ما يقرب من مائة وخمسين عامًا منذ صدور طبعته الأولى عام 1854، حتى صدور طبعته الثانية بالفرنسية عام 2006.
ويقول عبد العزيز سعود البابطين فى مقدمة كتاب "مختارات من حياة محمد" إن لامارتين ليس بلاهوتى أو رجل دين متخصص ولا هو بمؤرخ محترف، وأن ما صدر له من أعمال كانت بدوافع عديدة منها رومانسيته التى قادته إلى حب الشرق وطبيعته، وتقديره لدين الشرق الرئيسى وهو الإسلام وإعجابه به.
ويرى "البابطين" أن لامارتين ألف كتاب "حياة محمد" كمقدمة لكتاب أكبر عنوانه "تاريخ تركيا"، وهو مكون من عدة أجزاء وجعله الجزء الأول، باعتبار دراسة حياة محمد "صلى الله عليه وسلم"، هى المدخل الأساسى لأى دراسة عن الإسلام، واستقى الكثير من المعلومات الشحيحة المنقوصة من مصادره القليلة آنذاك.
كما يرى عبد العزيز سعود البابطين أن لامارتين يعد من المستشرقين الذين حاولوا إنصاف الإسلام والنبى صلى الله عليه وسلم -بلا شك- بقى متأثرًا بدينه والأوساط المحافظة التى نشأ فيها، فجاءت كتاباته –رغم الإنصاف الكبير الذى تخللها– مشبعة ببعض خلفياته الدينية.