فى 27 ديسمبر منذ 73 عامًا، وبالتحديد عام 1945، كان الشيخ الفيلسوف مصطفى عبد الرازق، على موعد لولاية مشيخة الأزهر الشريف، وهو صاحب أول تاريخ لها بالعربية، ومؤسس "المدرسة الفلسفية العربية"، وأول أزهرى يتولى منصب وزير الأوقاف.
يعتبر الشيخ مصطفى عبد الرازق، مجدد للفلسفة الإسلامية فى العصر الحديث، وتتلميذ على يده العديد من المفكرين والأدباء على رأسهم الأديب العالمى الراحل نجيب محفوظ، والذى كان الأول سببًا فى تعيين أديب نوبل موظفًا بوزارة الأوقاف بعدما تولى منصب الوزير.
وكان للشيخ الفيلسوف الفضل فى تعلم صاحب الثلاثية الفلسفة وتعلقه بها، وهو ما واضح جاليًا فى العديد من الأعمال الروائية للأديب الراحل، مثل "أولاد حارتنا"، "رحلة ابن فطومة"، وكانت هناك مواقف أخرى جمعت بين الشيخ والأديب العالمى، يرويها نجيب محفوظ، حتى أنه وافق على موضوع رسالة الماجستير بعنوان "فلسفة الجمال فى الإسلام"، وكان سابقة أولى لأستاذ فلسفة إسلامية أن يقبل موضوع بهذه الخطورة ولم يخش ما يمكن أن يجره عليه من مشاكل ومتاعب.
وبحسب ما يقول الأديب العالمى نجيب محفوظ، فى كتاب "صفحات من مذكرات نجيب محفوظ" للناقد الكبير رجاء النقاش، فإن علاقته بالشيخ مصطفى عبد الرازق تحتاج إلى وقفة، فالرجل لم يكن أستاذه فى الفلسفة فقط، بل كان أستاذا له فى النبل الإنسانى، فكان يتميز بسعة الصدر، ولم يره فى مرة واحدة محتدًا أو منفعلاً، وكل توتر الدنيا وضيقها إذا ما أتى إليه يسقط فى لحظة، وكان محبًا للخير وينفق سعة رغم أنه لم يكن واسع الثراء، على حد وصفه صاحب نوبل فى الآداب عام 1988.
ويذكر "محفوظ"، أن أغرب ما فى علاقته بالشيخ الراحل، أنه وبعد مرور عامين كاملين من معرفته به واعتزازه به كتلميذ متفوق فى الفلسفة الإسلامية، كان لديه اعتقاد بأن الأديب نجيب محفوظ مسيحى، حتى فى إحدى محاضراته عن أصول الإسلام، فوجئ به يقول: "إن الطلبة المسلمين يعرفون هذا الموضوع جيدًا، ولكننى سأعيد شرحه مرة أخرى علشان أخونا نجيب محفوظ"، ليرد عليه أكثر من طالب بالقول: "يا مولانا ده مسلم"، وهنا يصف محفوظ الموقف: "وكانت هذه المرة الأولى التى يعرف فيها الشيخ أننى مسلم، فإلى هذه الدرجة بلغ الرجل من التسامح والرقى.
ويضيف نجيب محفوظ، أنه فى عام 1939، حينما عين الشيخ مصطفى عبد الرازق وزيرًا للأوقاف، فوجئ به يتصل عليه، ليخبره بأنه اختاره للعمل معه فى وظيفة سكرتيره البرلمانى، وهى الوظيفة التى ظل فيها "محفوظ" لأكثر من 20 عامًا، والطريف أن كل العاملين فى الوزارة اعتقدوا بانتمائه للأحرار الدستوريين، وكان الشيخ مصطفى عبد الرازق وحده يعلم بميوله الوفدية.