"تاهت الأمة العربية فى التوازنات بين بين ثوابت الدين ومتغيراته، وفقدت التعادل والتوأمة بين واقع الدنيا ومطالب الآخرة، وفقدت تعامل الدين الثابت مع الحياة المتغيرة، اختلاط الأمور جعل كل شىء حراما عند المتطرفين، هكذا قال الكاتب أحمد محمد عبده، فى كتابه "حاخامات الدم فى الشرق الأوسط" الصادر حديثا عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، ويتضمن تاريخ الحركات الإسلامية فى الوطن العربى، والذى أفرض لها بابا تحت عنوان "الغرب فى خدمة الإسلام".
يبدو الوطن العربى مليئا بالتنظيمات والحركات المتطرفة التى تنسب نفسها للإسلام، التى اتخذت من السلاح، حلا لمواجهة الأفكار المختلفة عنها، وحاولوا فرض معتقدتهم المتطرفة بالقوة على الجميع، لكن فى الواقع لم يكن ذلك فقط هو السبب وراء ظهور العديد من التنظيمات الإرهابية فى المنطقة العربية، خاصة فى العقدين الآخيرين، فربما كان للغرب وخاصة الإدارة الأمريكية وحليفتها فى الشرق الأوسط إسرائيل يدا فى ظهور تلك الحركات، حتى تحافظ على عدم استقرار المنطقة، والنيل من شكل الإسلام كدين حنيف أمام العالم كله، وكأنه رسالة للإرهاب.
الدراسة الصادرة حديثا عن سلسلة "حكاية مصر" بالهيئة العامة لقصور الثقافة، قدمت خريطة لانتشار الحركات الإرهابية، فى الوطن العربى، موضحة أسباب انتشار كلا منها وأهدافها الخفية.
جماعة الإخوان "تفخيخ الإسلام"
وتحدث الكاتب عن جماعة الإخوان المسلمين، وكيف كان تأسيسها بمباركة قوات الاحتلال البريطانى فى مصر فى النصف الأول من القرن الماضى، موضحا كيف كان حسن البنا مؤسس الجماعة المحظورة، لا يتورع فى الأموال من المخابرات البريطانية، قائلا "لأن أرتزق بالرقص أهون على من أن أرتزق بالدين"، وهو ما يتفق مع ما ذكره مؤسس الجماعة فى كتابه "مذكرات الدعوة والداعية" بأنه تلقى مبلغ 500 جنيه ذهب كتبرع من شركة قناة السويس البريطانية، وهو ما يوضح قوة العلاقة بين الإخوان والمحتل البريطانى.
كما تحدث أيضا عن علاقة الجماعة بأمريكا، اسمها علاقة "الملهوف بالشيطان"، مبينا اعتراف القيادى الإخوانى سيد قطب، بأن زيارته للولايات المتحدة الأمريكية كانت بتخطيط أمريكى، وأنه لم يكن يدرى أنه جزء من رهان أمريكى.
حركة حماس "نعش القضية"
"إسرائيل احتلت الأرض، وحماس شقت الصف" هكذا وصف الكتاب حركة المقاومة الإسلامية حماس، والذى وصفها بالجناح العسكرى لجماعة الإخوان المسلمين فى فلسطين، مشيرا إلى فكرة إنشاء حركة للمقاومة فى فلسطين ظهرت عام 1979، بترحيب من إسرائيل حيث تبنت الحركة، ووفقا لما يقوله الدكتور طارق فهمى المتخصص فى الصراع العربى الإسرائيلى، فإن أفيبر كوهين رئيس الشئون الدينية الإسرائيلية اعترف، بأن إسرائيل أقامت المجمع الإسلامى لحركة حماس وأعطتها ترخيصا للعمل من خلاله".
ونقل الكتاب أيضا تصريحات لشارلز فريمان رئيس جهاز الأمن الداخلى الإسرائيلى، أن الجهاز كان وراء إنشاء حركة حماس وذلك لإضعاف حركة فتح، كما قال السفير الروسى السابق بإسرائيل يفيجينى بريماكوف، أن إسرائيل صنعت حماس، وتجنى الآن ثمار ما زرعت.
ويرى الكاتب أن اختيار اسم "حركة المقاومة الإسلامية" هو دليل على دعم إسرائيل ووجودها كدولة دينية فى الأساس، ويحول الصراع السباسى على أساس أن فلسطين الدولة الوحيدة الوقعة تحت الاحتلال الآن، إلى صراع على أساس الدين.
تنظيم القاعدة "توكيل بريجينسكى"
تحدثت الدراسة أيضا عن تنظيم القاعدة، وكيف قامت الولايات المتحدة الأمريكية بالتخطيط لإنشاء هذا التنظيم، حيث رأت أمريكا أن بعد تحطيم ألمانيا وتفكيك الاتحاد السوفيتى، أن الإسلام سيكون هو العدو الأول لأمريكا والصهيونية، فقام "بريجينسكى" مستشار الأمن القومى الأمريكى الأسبق، بتدبير الانقضاض على الشرق، والدب الروسى فى أفغانستان".
وأوضح الكتاب أن مستشار الأمن الأمريكى الأسبق، قام فى عام 1988م، بإنشاء تنظيم القاعدة، بقيادة أسامة بن لادن، مستغلا أن التنظيم سنى ومتعدد الجنسيات، وبعد تدمير الاتحاد السوفيتى، اصطنعت أمريكا حجة لتدمير بعض الدول الإسلامية، واتخذت من القاعدة وسيلة لذلك.
تنظيم داعش "مجاهدو الكعب العالى"
تحدث الكتاب أيضا عن تنظيم داعش الإرهابى، والذى سمى نفسه بـ"تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام" كاسم براق يستولى على عقول الشباب، واهمين إياهم بأن الرب اختارهم لعودة دولة الخلافة عن طريق نشر الرعب والقيام بالمذابح.
واستعان الكاتب بالمستشار السابق بوكالة الأمن القومى الأمريكى وعميل جهاز الاستخبارات الأمريكية، واللاجئ السياسى فى روسيا إدوارد سنودن، حيث قام بتسريب وثائق تثبت أن الاستخبارات الأمريكية والبريطانية والموساد الإسرائيلى وراء إنشاء تنظيم داعش، بهدف خلق تنظيم يجمع المتطرفين فى جميع أنحاء العالم، يخدعون المسلمين بشعاراتهم بوهم إقامة الخلافة.
وأوضح الكتاب أن التنظيم الداعشى يعتبر أغنى تنظيم إرهابى مسلح على مستوى العالم، فتسليحهم وملابسهم وعربات الدفع الرباعى لديهم، من مخازن تسليح قوات المارينز الأمريكية، لافتا إلى أيضا علاقة الرئيس التركى رجب طيب أردوغان بالتظيم، واستخدامهم فى الاستيلاء على أموال البنوك، والممتلكات العامة والخاصة، وأسر النساء للمتعة.
اليمن "تورا بورا العربية"
اختار الكاتب اسم ولاية تورا بورا الأفغانية التى شهدت واحدة من أهم المعارك بين قوات التحالف ضد تنظيم القاعدة، ليصف بها الوضع الدائر فى دولة اليمن العربية، معتبرا أن جماعة الحوثيين جاءت لابتلاع الدولة اليمنية.
وتساءل الكاتب حول أهداف الجماعة الشيعية المسلحة، وحول إن كانت تهدف لنهش المملكة العربية السعودية، وأن تكون الجماعة مخلب إيران ضد المملكة، والذى تعتبر عدو تاريخى سياسيا وعقائديا، وتساءل أيضا عن محاولة سيطرة إيران عن طريق الحوثيين على مضيق باب المندب جنوب البحر الأحمر، والضغط على مصر بالتأثير على حركة الملاحة فى قناة السويس؟، مشيرا أن جماعة الحوثيين كغيرها يساعدون إسرائيل فى غربلة المنطقة، وعدم استقرارها وخلق دويلات صغيرة متناحرة.
الصومال "الشريعة والمجاعة"
تطرق الكتاب أيضا إلى الوضع فى دولة الصومال، وكيف ساعدت أمريكا فى الوضع السئ التى وصلت إليه البلاد، بعد مساعدة الملشيات المسلحة فى نشر الفوضى، خاصة بعد سقوط الرئيس السابق سياد برى، عام 1991، وظهور محكمة شرعية عشائرية فى عام 1994م، التى استعانت بالجماعات المسلحة من أجل فرض الإتاوات والقيام بأعمال السرقة والسلب والنهب.
ويوضح الكتاب أن أمريكا تقوم بدعم تلك الحركات المعارضة، بالمال والسلاح، وأيضا بالمعلومات والأجهزة، مستعينا بما نشرته جريدة واشنطن بوست فى مايو 2006م، بأن واشنطن تدعم سرا أمراء الحرب فى الصومال، كما ذكرت مجلة أفريكا كونفيد نشال، أن وكالة المخابرات الأمريكية ضخت آلاف الدولارات فى الصومال، من أجل مساعدة الجماعات هناك.