فازت الكاتبة الفلسطينية شيخة حسين حليوى بجائزة الملتقى للقصة القصيرة فى دورتها الـ4، التى أقيم حفلها أمس فى الكويت، وذلك عن مجموعتها "الطلبية C345" الصادرة عن منشورات المتوسط.
لحظة إعلان فوز شيخة حليوى بجائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية
عن كتابها "الطلبية C345".#براءات #الأدب_أقوى#منشورات_المتوسط#معا_لنحارب_طواحين_الهواء pic.twitter.com/tVR7uBkYZn
— منشورات المتوسط (@Almutawassitit) December 3, 2019
وشيخة حليوى قاصّة وشاعرة فلسطينيّة من مواليد قرية بدويّة مهدّمة، تقيم فى يافا منذ عام 1989، درسَت اللغة العربية وآدابها وتعمل فى مجال الإرشاد والمناهج التعليمية.
صدرت لـ شيخة حليوى أربع مجموعات قصصيّة هى، سيدات العتمة (2015)، النوافذ كتب رديئة (2016) والطلبية C345 عام 2018.
وصدرت لها مجموعة شعرية بعنوان "خارج الفصول تعلمتُ الطيران"، وتُرجمت نصوصها إلى الإنجليزية والألمانية والبلغارية ونشرت فى مجلات عديدة متخصصة.
تقول فى قصة لها بعنوان "زيارة ليلية":
كلّ ليلةٍ يقطعُ أبى الطّريقَ من المقبرة إلى بيتنا. أسمعُ خطواته فى الحديقة، وأتظاهر بالنوم بينما هو يبحثُ عن عصاهُ الّتى يخبّئها فى خزانتى. أتركُ له الباب مفتوحًا وألعبُ معهُ لعبةً مُسليّة، هو ينسى عينيهِ فى القبر، وأنا أخبّئُ العصا كلّ مرّة فى مكانٍ آخر.
أراقبهُ بنصف عينٍ حتّى يعجز، ثمّ يتكوّر على الأرضِ بائسًا متعبًا. أقومُ من فراشى وأمسكُ بيده وأرافقهُ حتّى باب المقبرةِ قبل أن يستيقظَ أهلُ البيت، يدخلُ بثقة وأمان وأراقبه من بعيد وهو يختفى بين القبور.
لم أفكّر مرّة فى التخلّص من العصا، كأن أرميها فى النهر، أو أكسرها على سور الحديقة، بل صرتُ أحرص عليها أكثر منذ بدأت زيارات أبى الليليّة. بعد كلّ زيارة أشطب ندبة تركتها عصاهُ يومًا ما؛ واحدة على كتفى اليمنى، أخرى على ساقى اليُسرى وندوبًا صغيرة كثيرة موزّعة على جلدى، وتحتهُ.
أوشكتُ أن أشطبها جميعًا إلا واحدة، تركتها فى ذيل القائمة، كنتُ أجهل مكانها على جلدى أو تحته. زيارة واحدة منه وأخيرة وينتهى الأمر وأشطبها كلّها، سأطيلُ هذه المرّة تكوّره البائس فى زاوية الغرفة وقد أنتظرُ حتّى الفجر أو حتّى يتجاوز كبرياءه ويطلب صراحة أن أرافقه إلى قبره قبل أن تشرق الشمس.
لكنّه لم يأتِ منذ ثلاث ليالٍ، أقلقنى غيابه كثيرًا، هل يكونُ قد فهم اللعبة؟ أم يئس من إيجاد عصاهُ؟
فى الليلة الرّابعة قرّرتُ أن أبحثَ عنهُ فربّما يكون قد ضلّ الطريق أو أخذتهُ غفوة قبرٍ طويلة، ولتكن زيارتهُ الأخيرة لنا وبعدها سأتركُ له عصاهُ فوق قبره ولن يتكلّف عناء المسير ليلا ميّتا أعمى.
فى الثانية بعد منتصف الليل خرجتُ من غرفتى بهدوء مُحاذرًا أن أوقظَ أمّى وهى تتركُ باب غرفتها مواربًا، ثمّ اجتزتُ الصالون والحديقة وأكملتُ طريقى نحو المقبرة. لم أفكّر كيف سأقنع أبى أن يزورنا لآخر مرّة، لم تكن فى رأسى خطّة مُعيّنة، فأى ميّتٍ لا يتمنّى دعوة مُشابهة لنزهة ليليّة يتنفّس فيها هواء منعشًا باردًا؟
عند بوّابة المقبرة لمحتُ من بعيدٍ خياليْنِ يتحركان لم أتبيّن ملامحهما فى الظلمة، اقتربتُ بهدوء ورحتُ أراقبهما من وراء الشجرة الضخمة. كانت أمّى تنهالُ بالعصا على أبى وهو يحاول تفادى ضرباتها دون أن يتحرّك من مكانهِ أو يصدرَ صوتًا.
سمعتها من مخبئى تقول له:
قلتُ لكَ أيّها اللعين لا تضربهُ على رأسهِ، لا تضربهُ على رأسهِ ستقتلهُ.
تحسّستُ رأسى وكان الدم الجاف قد غطّى جرحًا غائرًا فيها.
بعد دقائق كان الاثنان يجرّان أقدامهما بتعب وتثاقل نحو البيت.
وكنتُ أنا أجتازُ بوّابة المقبرة وأغيبُ بين القبور الغارقة فى الظلمة.