فاروق طرد حكومة مصطفى النحاس باشا، فاستشاط السفير البريطانى فى القاهرة اللورد كيلرن غضبا، وبدأ فى التعامل مع القضية بوصفه مندوبا للاحتلال البريطانى لمصر.
عرض «كيلرن» الأمر على مؤتمر مجلس دفاع الشرق الأوسط الذى انعقد فى مثل هذا اليوم «18 إبريل 1944»، وحسب مذكراته «الهيئة العامة للكتاب – القاهرة» ترجمة الدكتور عبدالرؤوف أحمد عمرو، فإنه عرض على المؤتمر اقتراحا بالتدخل عسكريا، لإجبار الملك على التراجع عن هذا الأمر، ويتحدث «كيلرن» عن أن طرد حكومة النحاس كان سيعنى تشكيل وزارة انتقالية مهمتها إجراء انتخابات حرة نزيهة، لكنه يؤكد: «كنت أود أن يدرك المؤتمر يقينا بأن الانتخابات فى مصر كالعادة تكون مزورة».
بعد انتهاء المؤتمر عاد «كيلرن» إلى السفارة البريطانية، وتلقى اتصالا تليفونيا بأن «الملك» وقع بخط يده مرسوم إقالة وزارة النحاس، فطلب مقابلة الملك فى الحال، فرد الملك: احضر فورا ولا داعى لتغيير ملابسك العادية لترتدى ملابس رسمية، وفى المقابلة سلم السفير للملك رسالة من رئيس الوزراء البريطانى تشرتشل وقرأها له ونصها: إن المشكلة التى نشأت بين جلالتك وبين حكومة النحاس باشا مهمة جدا، وخطيرة جدا، لدرجة أنى دعوت مجلس الحرب البريطانى لبحثها فى الأسبوع القادم، وأمل ألا تتخذوا جلالتكم أى تصرف عنيف قبل ذلك الموعد، كما أنى بعثت بتعليمات إلى سفيرنا فى القاهرة لكى يتصرف النحاس باشا بنفس الروح، وأن حكومة جلالة ملك بريطانيا ستكون ضد من يضرب أولا، ولما كانت مصر قد نجت من ويلات الغزو بفضل جهودنا، ولم تتحول إلى ميدان للمعارك، وتعيش الآن فى سلام ورخاء فإننا نجد أن من حقنا أن نخاطبكم حول هذا الموضوع.
نصح «كيلرن» الملك فاروق بألا يتجاهل رسالة «تشرشل»، وخاصة الفقرة التى تتحدث عمن يضرب أولا، وحسب كتاب الدبابات حول القصر «كتاب اليوم – أخبار اليوم – القاهرة» يذكر كمال عبدالرؤوف فى استعراضه لمذكرات «كيلرن»، أن فاروق أخذ يشكو من تصرفات النحاس، ويقول إنه الآن فى طريقه إلى الإسكندرية، وسيتصرف بنفس الطريقة التى فعلها فى الصعيد، حيث غضب فاروق كثيرا من تصرفات النحاس أثناء زيارته للصعيد للتفتيش على حملة مكافحة الملاريا، وقال فاروق إن النحاس كان يتصرف أثناء الرحلة وكأنه ملك.
قال «كيلرن» للملك إنه يتسرع فى إصدار أحكامه على النحاس، وفى طريق خروج «كيلرن» من القصر رأى أن يعرج إلى أحمد حسنين باشا رئيس الديوان، وسأله: كيف تترك فاروق يفاجئنا بمسدس مصوب إلينا بدون صوت من غير أن نأخذ احتياطاتنا، أولا يتلقى التعليمات من لندن؟، وفيما رد «حسنين باشا» بأن الأمر بسيطا ولا يستحق كل هذا، رد «كيلرن»، بأنه سلم نسخة من تحذير تشرشل، وأنه ينتظر الرد على ذلك، ويضيف: أخبرت جلالته والحكومة المصرية الحالية والتى تعد تحت وصايتى أنى سوف اتخذ خطوة إيجابية.
عندما عاد «كيلرن» إلى السفارة البريطانية فى حى «جاردن سيتى»، طلب أمين عثمان تليفونيا واستدعاه لمقابلته، وجاء هذا الاتصال على خلفية أن «عثمان» يشغل منصب وزير المالية فى حكومة النحاس منذ تشكيلها فى 4 فبراير 1942، وكان رئيسا لجمعية الصداقة المصرية البريطانية، واشتهر بأنه رجل الإنجليز فى مصر مما أدى إلى اغتياله يوم 5 يناير 1946 بواسطة جماعة سرية فيها أنور السادات.
قال «كيلرن» لـ«عثمان» إنه على وشك أن يتخذ موقفا ضد القصر، وطالبه بإبلاغ «النحاس باشا» هذا التحذير فى الحال، ويضيف «كيلرن»: كاد أن يغمى على أمين عثمان من هول ما تبادر إلى ذهنه نتيجة هذه الأزمة، وقال: سوف اتصل تليفونيا بالنحاس باشا واقترح عليه عدم العودة إلى القاهرة، وقلت لأمين عثمان إننى لم أقصد ذلك ولا أنصحك بأن تشير عليه بذلك فإن رئيس الوزراء يجب عليه أن يحتكم إلى نفسه، ويقرر عما إذا كانت عودته إلى القاهرة من عدمه فى صالحه.
يختتم «كيلرن» أقواله عن هذا اليوم بأنه وبعد أن انتهى من تناول الغذاء الذى تأخر تلقى اتصالا تليفونيا من حسنين باشا يبلغه بأن وافق على عدم اتخاذ أى قرار فى طرد الحكومة حتى تصله تعليمات من لندن.
وجاء اليوم التالى بجديد.