تلقى السفير البريطانى فى القاهرة اللورد كيلرن رسالة من رئيس حكومته «تشرشل» فى مثل هذا اليوم «19 إبريل 1944» تقول: «سوف أعرض على مجلس الوزراء البريطانى غدا الموقف فى مصر، وهناك احتمال كبير فى أن يؤيد المجلس الحكومة الديمقراطية (حكومة النحاس باشا) ضد عصابة القصر التى يرأسها ملك شرقى مستبد (فاروق) كان يثبت دائماً أنه صديق غير مخلص لبريطانيا، وأرجو أن تتخذ مع رؤساء أركان الحرب البريطانيين الإجراءات اللازمة لتوفير القوات التى قد تحتاجون إليها لمواجهة أى متاعب من المصريين».
تناولت الرسالة موضوع رغبة الملك فاروق فى طرد حكومة النحاس باشا، وغضب سلطة الاحتلال البريطانى لمصر من ذلك (راجع ذات يوم أمس 18 إبريل)، وهو الموضوع الذى يؤكد أن حرية القرار السياسى فى مصر كانت مرهونة بإرادة سلطة الاحتلال البريطانى.
وفيما يتعلق بالرسالة التى نحن بصددها، يشرح «كيلرن» فى مذكراته (الهيئة العامة للكتاب - القاهرة) ترجمة الدكتور عبدالرؤوف أحمد عمرو، أنه فهمها على أنها إنذار آخر لفاروق بأن يستمع إلى ما نقوله أو يتنازل عن العرش: «هذا الموقف من أنسب الظروف لوضع هذا الملك الصغير بين خيارين: إما الإذعان والتسليم لنا أو التنازل عن العرش».
أخذ «كيلرن» الرسالة وذهب إلى «والتر موين» وزير الدولة البريطانى فى مصر (اغتيل يوم 6 نوفمبر 1944)، واقترح عليه استدعاء لجنة الدفاع عن الديمقراطية للاجتماع، وبالفعل انعقد الاجتماع فى الساعة السادسة والنصف مساء، وحسب «كيلرن»: «ناقش المجتمعون الوسائل العملية لانتخاب بديل للملك إذا ما استمر هذا الولد (فاروق) فى تمرده ضد سياستنا ورفض الإذعان لنصائحنا»، لكن كيلرن كان يشغله أمر مهم وهو: «إذا كان الملك فاروق متمردا، وتمادى فى موقفه هذا، فإن الجيش والبوليس قد يعارضان قلب العرش لكنهما لن يعارضا بقوة تغيير الملك بملك آخر»، وذلك حسب كتاب «الدبابات حول القصر» (كتاب اليوم - أخبار اليوم - القاهرة) بقلم، كمال عبدالرؤوف.
وقال «كيلرن» أمام الاجتماع، إنه فى حالة ما إذا كانت تعليمات لندن تقضى بمساعدة النحاس، فإننى أقترح أن نقابله أولا وقبل اتخاذ أى إجراء، وسوف أستمر فى تدعيمى بكل صدق وجدية له، وأولى خطواتى لهذا الغرض سوف أتفق معه على وضع برنامج محدد، وفكرتى بأنى سوف أثق فى الحكومة المصرية التى تستند إلى قاعدة شعبية عريضة ومن ثم فإنها تستطيع أن تفرض نفسها واحترامها.
كان حدث 4 فبراير 1942 حاضرا بقوة أثناء المناقشات، وهو الذى قامت فيه الدبابات البريطانية بحصار قصر عابدين، ثم وضع «كيلرن» الملك فاروق أمام خيارين إما التوقيع على وثيقة بالتنازل عن العرش، وإما تكليف «النحاس باشا بتشكيل الحكومة، ويعتبر كثيرون أنه بداية النهاية لمرحلة ما قبل ثورة 23 يوليو 1952»، يقول كيلرن: «اتفقنا على أنه ليس من المعقول تكرار ما حدث يوم 4 فبراير بالضبط، وأن نتوجه مرة أخرى إلى قصر عابدين ونحاصره بالدبابات أثناء تسليم إنذارنا إلى الملك، وتقرر أن أذهب بنفسى لأقابل فاروق وأحاول إقناعه بكل الطرق الممكنة بما وصلنى من لندن، وإذا رفض ذلك فإنى سوف أتركه بعد أن أقول له إننى أخشى من العواقب الوخيمة لتداعيات الأحداث، ومن ثم يتعين أن أعود إلى للتشاور مع لندن فى هذا الشأن، وعلى أى حال فسأوجه الإنذار إليه وسأصطحب معى الجنرال باجت، القائد العام للقوات البريطانية فى مصر، نفسه فى زيارتى إلى جلالته، وإذا استمر متمسكا بموقف الرفض فمن المنطق أن أسلمه إلى الجنرال باجت ليتعامل معه بالأسلوب المناسب لهذه الأزمة».
وافق المجتمعون على هذا الرأى، لكنهم انتظروا حتى تصلهم تعليمات من لندن، وقادهم هذا الانتظار إلى عدم حسم أى اختيار بشكل قاطع، لكن المناقشات امتدت إلى تناول النواحى العسكرية والإجراءات الواجب اتخاذها فى حالة إقصاء الوفد عن الحكم، أو إذا فرض عليهم اتخاذ موقف ضد الملك، ويقول «كيلرن»: جلسنا فى انتظار تعليمات تشرشل ونحن نتساءل: هل نتخلص من فاروق أو من النحاس؟