انشغل المفكر العربى الكبير فراس السواح بما حدث فى ماضى الشرق، تأمله وناقشه وبحث عن إجابات ومن ذلك ما قدمه فى " هو الذى رأى" وهو إعداد درامى لملحمة جلجامش عن النصوص الأدبية.
وملحمة جلجامش هى درة الأدب الرافدينى القديم أول أدب مكتوب فى تاريخ الثقافة الإنسانية، وقد لقيت منذ اكتشافها فى أنقاض العاصمة الآشورية نينوى اهتماماً عالمياً واسعاً، فترجمت إلى اللغات الأوربية وقدمت على شكل عروض مسرحية وعروض رقص تعبيرى.
"فى هدا الإعداد الدرامى، يقدم فراس السواح النص الآكادى لملحمة جلجامش كما هو، وبجميع أفكاره وشخصياته وتتابع أحداثه، من خلال رؤية إخراجية تمزج بين التراجيديا الإغريقية والعرض المسرحى الحديث، مستخدما لغة ذات جرس شعرى وإيقاع موسيقى يستحضر الجو الشعرى الملحمى الآكادى، كما أضاف عددا من المشاهد غير الموجودة فى النص، وذلك لضرورات فنية ولتوسيع الفضاء المحيط بالحدث من جهة ثانية".
والملحمة عبارة عن سرد شعرى مطول، يحكى قصة بطولية لواحد من الملوك أو الأمراء، اكتسب ولاء الناس ومحبتهم، وتتضمن الملحمة سلسلة من الأعمال البطولية الخارقة، يمثل الخيال الخلاق لحمتها، بينما يمثل الواقع التاريخى، الممتزج بالأساطير سداها.
وتحكى الملحمة قصة جلجامش ملك أورك وبطلها وحاميها، الذى كان بطلا شعبيا حتى أن المخيال الشعبى جعل أمه آلهة وأنه ثلث إله.. (وتبدأ الملحمة بتصوير لحظة طغيان تولدت عند هذا البطل، فأصبح ظالماً وقاسياً؛ حتى انه لم يبق عذراء ليوم زواجها، بل كان هو الزوج الأول لكل عروس. حتى ضاقت به الناس وتذمروا من جوره، وابتهلوا للإلهة كى تخلصهم من جوره، لا من شخصه؛ لأنه مع ذلك كان محبوبا من شعبه، لأنه دافع عنهم وحماهم من الغزوات، فاستجابت الإله لتضرعات الناس، وخلقت لهم انكيدو ليصارع جلجامش ويقهره، لمنعه من الظلم.
وتبدأ المرحلة الحاسمة فى الملحمة بالصراع بين أنكيدوا وجلجامش الذى جرى عند المعبد أمام الناس وانتهى بالتعادل بينهما، وقد اقتنع كل منهما بعدم قدرته على هزيمة الأخر؛ مما حدا بجلجامش بأن يتخذ انكيدو صديقا ومرافقا له، وتصالحا على محاربة الشر، وفى هذا السياق تعاونا فى قتل الوحش الأسطورى الذى نصبته الآلهة حارساً لغابات الأرز، فعاقبت جلجامش بالقضاء على صديقه ومعاونه أنكيدو، وفى تقديرى أن هذا الحدث العام هو ذروة العمل الدرامى فى هذه الملحمة؛ لأنه أحدث التحول الجوهرى فى نفسية الملك، وجعله يزهد فى كل شيء، ويبدأ رحلة البحث المضنية عن الخلود.. وقد تعاطفت مع جهوده فى بلوغ هذه الغاية إحدى الآلهات، ودلته على الكائن البشرى الوحيد الذى نال الخلود بعد أن نجا هو وزوجته من الطوفان الذى عم الكون، والذى يدعى (أوتنابشتم).