صدر حديثا كتاب "إسلام أردوغان" للكاتب الكبير سعيد شعيب، عن دار الهلال، وفيه يستعرض "شعيب" تجربة رجب طيب أردوغان الفاشلة وأفكاره المتناقضة، مؤكدًا أنه إخواني فاشل، وصار غير قادر على إقناع العالم بخطواته الإرهابية.
يقول سعيد شعيب فى مقدمة الكتاب: "نعم يوجد "إسلام أردوغان"، وهو ذاته "إسلام الإخوان"، فالرئيس التركي رجب طيب أردوغان إخواني يؤمن بأن "الإسلام دولة وخلافة"، يحلم بدولة "الإسلام" ومن بعدها استعادة الإمبراطورية الاستعمارية الإسلامية"، في حين أن هذا غير صحيح على الإطلاق، وهناك اجتهادات لمفكرين مسلمين عظام أكدوا هذا منهم الشيخ على عبد الرازق في كتابه الشهير "الإسلام واصول الحكم" والمفكر السودانى محمود محمد طه وغيرهم.
الإخوان وعموم الإسلاميين يعدون المسلم المسكين طوال الوقت، بأنهم عندما يصلون إلى الحكم سوف يبنون دولة الرفاهية والحرية والعدل، وسوف يبنون "دولة الله"، "دولة الإسلام"، فهل هذا صحيح؟
الإجابة هى ببساطة أننا لا نحتاج لأن ننتظر كي نرى هذه "الدولة"، فقد حكموا بالفعل بعض البلاد في العالم، هم يقولون إن فترة حكمهم لمصر كانت قصيرة ومن الظلم أن نحكم عليهم، وهذا كذب، فقد ظهرت ديكتاتوريهم في هذا العام، وظهرت إلى حد ما ملامح دولتهم الإخوانية الدينية، ولكن لنفترض أن حجتهم صحيحة، فسوف يتناول هذا الكتاب حكمهم في بلدين، السودان حكموها حوالي 30 عامًا عبر ابنهم البار عمر البشير القابع الآن في السجن بعد ثورة ضده وضد حكم الإخوان الإسلامي، ويحكمون تركيا منذ حوالي 16 عامًا.
الإخوان تبرأوا من البشير بعد أن ثار ضده وضدهم السودانيون، بالضبط كما فعل حسن البنا مؤسس جماعتهم، عندما تم القبض على أعضاء التنظيم الإرهابي المسلح الذي أسسه بنفسه، فكتب مقالة قال "ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين" حتى يغسل يديه من دماء الأبرياء، لكن أغلب السودانيين لم ينخدعوا، وهاهم يتخلصون تدريجيا من سيطرة الإخوان على العديد من مؤسسات الدولة، وأتمنى أن يستكملوا طريقهم لبناء دولة علمانية ديمقراطية حرة.
كما يتناول الكتاب النموذج الذي يفخر به الإخوان ويتحالفون معه، وهو "نظام أردوغان" في تركيا الذي استولى على الحكم عبر صندوق الانتخاب، وهذا لا يعني أنه ديمقراطي، فدعني أذكرك أن الديكتاتور هتلر استولى على ألمانيا عبر انتخابات ديمقراطية غير مزورة، وبعدها أطاح وقتل كل خصومه وجر العالم إلى حرب قتل فيها الملايين.
نموذج أردوغان خدع المسلمين، فاعتقد الكثير منهم أنهم أخيرًا وجدوا النموذج الذي يصالح بين دينهم وبين الحداثة والتقدم والعلمانية، وقد دعم هو نفسه هذه الأكذوبة، فعندما زار مصر قال: "أنا رئيس مسلم لدولة علمانية"، وامتدح العلمانية لأنها تجعل الدولة تساوي بين كل الأديان والأعراق والأفكار، لا تتدخل في تدين المواطن، وفي نفس الوقت تحمي حقه المطلق في الاعتقاد. أي أن العلمانية التي يلعنها الآن ليست ضد الدين، أي دين.
كما استطاع أردوغان أيضًا أن يخدع الغرب، فبعد جريمة 11 سبتمبر، ضرب البرجين في الولايات المتحدة وقتل آلاف الضحايا، كانت هناك حاجة لحاكم مسلم متصالح مع القيم الإنسانية والحضارية الرفيعة، وعلى رأسها الحرية، لكن اتضح أن أردوغان كما سيأتي بالتفصيل في هذا الكتاب، استطاع خداع العالم كله، مسلمين وغير مسلمين، ويخفي وجهه الديكتاتوري الديني الإخواني، لحين يصبح قويًا، وبعدها بدأ يظهر وجه الحقيق.
وقد اخترت أن أضع هذين التجربتين أمام المسلم في كل مكان، حتى نسأل أنفسنا: هل ما يفعله هؤلاء له علاقة بالإسلام؟
ولكي ترى بنفسك أن من يزعمون أن الإسلام "دولة وخلافة" مثل أردوغان وعمر البشير، نشروا وينشرون الخراب والإرهاب في كل مكان في العالم، فالإسلام لم يكن دولة ولا خلافة ولا يجب أن يكون، كل ما في الأمر أنه كان ما زال هناك بعض المسلمين استخدموه لتأسيس ديكتاتوريات وامبراطوريات استعمارية، كانت ضد الإسلام والمسلمين وكل الإنسانية.
ويأتي الكتاب فى عدد من الفصول منها "مقبرة السودان، متى بدأت حركة الإخوان في السودان؟، الإخوان قسموا السودان حتي يطبقوا الشريعة، جرائم في دار فور، كيف دعم البشير تنظيم القاعدة، كيف نشر البشير الإرهاب في أفريقيا، الحريات الدينية في دولة البشير الإخوانية، الخليفة أردوغان، من هو أردوغان الذي استطاع خداع العالم؟ كيف تأسست جماعة الإخوان التركية التي خرج منها أردوغان؟ ما هي الخلفية الدينية لأردوغان وحزبه، كيف بدأ الإسلاميون الأتراك عملهم، هل كان أتاتورك علماني؟، أسلمة (اخونة) تركيا تدريجياً، السلطان مفلس، استعادة الإمبراطورية العثمانية الاستعمارية، التحالف الحرام بين إخوان مصر وأردوغان، دعم أردوغان للإرهاب، لماذا لا يعلن أردوغان الخلافة الإسلامية وتطبيق الشريعة بحد السيف؟ هل الأتراك متحمسون لمشروع أردوغان الإسلامي؟ الخليفة الديكتاتور، أردوغان يبني بجرأة إمبراطوريته الإسلامية، وفي هذه الإمبراطورية مثل سابقتها العثمانية تتعرض فيها الأقليات للعنف والإضطهاد والتمييز، الديكتاتور الإسلامي الإخواني، ميليشيات أردوغان لتأديب المعارضين، أردوغان ينشر كتب الإرهابيين، لماذا فشلت العلمانية في تركيا وسيطر الإسلاميين؟ ماذا فعل العسكر بالثقافة الإسلامية السنية السائدة؟ فما هي ملامح الأساس الديني الذي يحتاج الى تفكيك؟
بينما قال سعيد شعيب فى ختام الكتاب:
لا أظن أن هناك مسلماً يحب أن يعيش في ظل دولة عمر البشير أو دولة أردوغان، فهما لم يحققا الحرية والعدل والمساواة، بل ودعني أقول إنه من المستحيل أن يحققوها، والسبب أنهم يحكمون باسم الإسلام، وليس لأنهم جيدين أو سيئين، فعلى امتداد التاريخ الإنساني فشلت كل الدول والإمبراطوريات الدينية أو ذات الطابع الديني، أيًا كان هذا الدين، بل وسببت دمار وخراب.
والإسلام مثل كل الأديان عندما يتم استخدامه لبناء دولة أو امبراطورية تحدث الجرائم، ليس فقط ضد غير المسلمين، ولكن أيضاً ضد المسلمين. فهذا النموذج الديكتاتوري الديني يتحكم في طريقة اكلك وشربك ولبسك وعلاقتك باولادك واصدقائك وطبعا علاقتك برب الكون. واذا حدث وخرجت قليلاً عن هذا الكتالوج الشمولي فسيكون مكانك القبر أو السجن.
لذلك لا يجب أن يكون الإسلام دولة، ولا خلافة، ولا غيرها من أشكال الحكم، وعندما حدث كما رأينا في التاريخ القديم، وكما قدمت في هذا الكتاب يتم ارتكاب الجرائم باسمه، وهذا بالتأكيد يدمر الدين كدين. ولذلك يجب ان يعود الإسلام الي كونه دين، اختيار شخصي بين العبد وربه، يعود مجدداً الى القيم الكلية العظيمة التي يدعو اليها، ومنها الحرية والمساواة والعدل.
على المسلم في رأيي ان يقيم دولة الإسلام في قلبه بقيمها الكلية كما اشرت من قبل، وليس بإجبار من حوله علي ما يتصوره الإسلام، ولا استباحة الدماء والأعراض من اجل ما يتصوره دولة الإسلام وإمبراطورية الإسلام.
أكد الكثير من المجددين المسلمين أن الإسلام ليس دولة ولم يحدث ابداً ان كان دولة حتى في عهد الرسول (ص)، فالنبي لم يكن ملك ولا حاكم، كما يريد له الإخوان والإسلاميين، وكما تصور المرويات المشكوك فيها. ومن أبرز من قدموا هذه الاجتهادات الشيخ على عبد الرازق في كتابه "الإسلام وأصول الحكم"، والكتب التي اصدرها المفكر السوداني محمود محمد طه.
لذلك فالدولة العلمانية هي الدولة التي يجب ان يسعى اليها المسلم، فهي الصيغة التي وصلت اليها الإنسانية لتحقيق الحرية والعدل والرفاهية. دولة تحمي حق مواطنيها في ان يؤمنوا بأي دين يريدوه، وتدافع عن هذا الحق. لذلك يفضلها اغلب المسلمين للهجرة والإقامة الدائمة بها، ولا يخطر على بالهم الدول التي تقول عن نفسها انها اسلامية. يغامرون بحياتهم للهجرة الي دول "علمانية" يعرفون انهم سوف يعاملون بانسانية ويمارسون طقوس دينهم بحرية كاملة. إنها دولة الحرية والعدل، الدول التي تتوافق الي حد كبير مع القيم الكلية للإسلام. إنها الدولة التي يجب ان نسعى لبنائها في بلداننا التعيسة. بهذا يمكن أن ننقذ أنفسنا من فاشيات وديكتاتوريات دينية، وننقذ ديننا العظيم من استخدامه لتدمير الإسلام والمسلمين والإنسانية كلها.