كانت الساعة الخامسة مساء مثل هذا اليوم «21 إبريل 1944» حينما استقبل الملك فاروق السفير البريطانى فى مصر اللورد كيلرن فى قصر عابدين.
سلم السفير جلالة الملك رسالة من رئيس الوزراء البريطانى تشرشل، تتناول رغبة فاروق فى طرد حكومة النحاس باشا (راجع ذات يوم 18 و19 إبريل)، وطبقا لمذكرات «كيلرن» (الهيئة العامة للكتاب - القاهرة) ترجمة دكتور عبد الرؤوف أحمد عمرو، فإن السفير البريطانى قرأ الرسالة بصوت مرتفع، مؤكدا أن ما جاء فيها يجب اعتباره «بمثابة تعليمات شفهية»، والتعليمات من الحكومة البريطانية للملك فاروق.
استغرقت هذه المقابلة 25 دقيقة، كان «كيلرن» يلقى فيها تعليماته على الملك فاروق، ويتصرف كمندوب لسلطة الاحتلال البريطانى لمصر بما يعنى ذلك أنه لا الملك ولا الحكومة لديهما القدرة على التصرف بعيدا عن أوامره، وطبقا لمذكرات «كيلرن» نصت الرسالة على: «لقد تلقت وزارة الحرب بمزيد من الاهتمام أنباء مساعى جلالتكم لإقصاء وزارة النحاس عن الحكم بالرغم من أن هذه الحكومة لها فضل كبير علينا لا ينكر طوال الثلاث سنوات التى مضت، واستنادا إلى القانون والحياة النيابية فإن هذا الموضوع يعد خرقا صارخا للقانون بدون شك».
وأضافت الرسالة: «إن حكومة صاحبة الجلالة- البريطانية- تجد استحالة فى الدفاع عن مثل هذا الإجراء- طرد حكومة النحاس- بصفة عامة، وأنه يتعين عليها أن تصدر تعليماتها للسفير كى يقدم النصح لتجنب هذا السبيل، ولقد فوضتنى وزارة الحرب فى إبلاغكم بأنهم يتوقعون توضيحا لوجهات نظر جلالتكم فى هذا الشأن، ذلك قبل اتخاذ أى خطوات أخرى لتصعيد المسألة»، وتصل الرسالة فى ختامها إلى التهديد باستخدام القوة العسكرية فى حال مضت الأمور على غير رغبة الاحتلال البريطانى».
فور الانتهاء من قراءة رسالته، سأل «كيلرن» الملك عما إذا كان يرغب فى أن يتخلى «النحاس باشا» عن الحكم، فأجاب الملك بالنفى، لكنه طرح سؤالا خطيرا: «هل الحكومة البريطانية على استعداد للاختيار بين بقاء النحاس أو بينى فى السلطة ؟»، فطلب «كيلرن» من الملك مزيدا من الإيضاح لسؤاله، فرد فاروق بأنه يعتقد أنه جزء من النظام، وهو بالتالى يفكر دائما فى فعل الخيرات لدولته، ويعلق كيلرن: «بكل تأكيد أن هذا ليثير فى النفس السخرية، فهو عندما أراد توضيح تساؤله وضع سلطاته قبل مصلحة الشعب فى الدولة، إن هذا أسلوب ينم عن تفكير طفولى، وعلى هذا الأساس يمكن التعامل على نحو صارم مع هذا الصبى».
طرح «كيلرن» خيارين فى صيغة سؤالين على فاروق، الأول: «هل تقر اقتراح النحاس بالدعوة إلى انتخابات جديدة؟»، فأجاب فاروق بأنه لا يستطيع التفكير فى هذه الدعوة فى ظل انعدام حرية التصويت، وكان السؤال الثانى: «هل يعنى أنك غير مستعد للحفاظ على الحكومة الحالية؟، فرد فاروق بأنه يريد الإجابة أولا على سؤاله: هل الحكومة البريطانية على استعداد للاختيار بين بقاء النحاس أو الملك فى السلطة؟، وأنه يتعهد بأن يقدم شرطا مطلقا غير مقيد بأنه لا يتخذ أى إجراء إزاء هذا الموضوع (طرد حكومة النحاس)، رد كيلرن: «لا شىء يستحق» وأنهى المناقشة، لكن الملك طلب منه ملاحظة أنه مستعد للتنازل كلية عن وظيفته، وأن قدره هو الذى جعله يتولى عرش مصر، ويواجه تلك المشاكل، فرد «كيلرن» بحديث عن علاقته بالملك فؤاد (والد فاروق) ومقابلته له مرة أسبوعيا، ويعلق كيلرن بأنه تذكر وهو يتحدث مع فاروق عن والده بأن الوالد كان يردد دائما، أنه متشائم من تولى فاروق العرش من بعده، إذ كان يردد دائما أن هذا الفتى المسكين- أى فاروق- لم تتح له الفرصة بعد.
انتهت المقابلة، لكن السفير أستأذن الملك فى مقابلة أحمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكى، واستمرت المقابلة بين الاثنين ساعة، دارت كلها حول الأزمة، وفى يوم «24 إبريل» طلب «حسنين باشا» «كيلرن تليفونيا لتحديد موعد، وفى الساعة الثالثة بعد الظهر بمقر السفارة البريطانية، أبلغه: «جلالة الملك قرر أن يترك الحكومة الحالية لحين من الزمن»، وهكذا عجز الملك عن تنفيذ قراره.