تحتفل الكنيسة هذه الأيام بأسبوع آلام السيد المسيح وفيه يقع حادث الصلب الشهير قبل أن يقوم المسيح ويصعد إلى السماء، والفن التشكيلى من أكثر الفنون تعبيرا عن هذا الأمر ومن ذلك لوحة "صلب المسيح" لـ جيروم بوش.
فى الصورة حرص "بوش" أن تكون صورة المسيح تجسيدا للرحمة والنقاء الروحى والصبر فهو يعارض قوى الشر القوية، إنهم يعرضونه لعذاب جسدى لكن المسيح للإنسان يظهر مثالاً للتغلب على جميع الصعوبات. ويتبعه كل من القديسين وبعض الناس العاديين.
والملامح الوديعة في صورة المسيح تكشف أنه لم يكن يدعو سوى للتسامح بين الناس، فجسده الضئيل يشير إلى طيبته ولون بشرته يدل على ضعف قوته، والناس المحيطون به يدل على حزنهم عليه.
وعاش جيروم بوش في الفترة بين عامى 1450 – 1516 وهو فنان فلمنكى سليل أسرة أفرادها من المصورين والحرفيين، ولد وتوفى فى بوا ـ لى ـ دوك. تتلمذ على يد جده ووالده، وكان للوسط الريفى القوطى عظيم الأثر فى تشكيله.
تزوج بوش فى عام 1478 بامرأة غنية، فارتقى به زواجه من حرفى بسيط إلى برجوازى ميسور، ليغدو فى عام 1488 أحد وجهاء بلدته المرموقين.
يحتل فن بوش مكانة مرموقة، إذ أتاح الفرصة لأشد العواطف تعارضاً بالظهور مجتمعة فى آن واحد، وتعد أعماله الفنية مرآة القرون الوسطى ولسان حالها رغم معاصرتها للفنان ليوناردو دافنشى، فاجتمع فيها العميق والساخر، والواقعى وغريب الأطوار، والباعث للتقوى والإباحى الفاسق، والراشد المستقيم والمخالف الشاذ، والممتثل للمألوف والمتقلب الأطوار، والمنهجى الصارم والمجنح الخيال.
عاصر بوش احتضار حضارة القرون الوسطى وأفولها، وبزوغ عصر النهضة ومزاحمته لها، فكان شاهداً على ما مرت به هذه الحقبة من نزاعات ومذابح وفتن، وعلى ما حل بالبلاد والشعب من مصائب ومجاعات وأوبئة، وعلى ما تنازع إيمان الناس من وساوس، ومن استحواذ الشيطان على أرواحهم، وعلى دعوة الكنيسة المؤمنين إلى التنكيل بالسحرة والمشعوذين، وتحذير المبشرين ورجال الدين من أن نهاية العالم آتية لا ريب فيها، وأن يوم الدينونة على الأبواب، فكان لابد لهذه البلايا مجتمعة من أن تشكل فضاء إلهامه ومنهله بعد استحواذها على أفكاره ورسوخها فى وجدانه.
واشتهر بوش بمجموعة أيقوناته ولوحاته الخيالية، وميولها السردية التى لا ينضب معينها، فكان ينحو نحو التقليد الشعبى تارة، ونحو الخيمياء تارة أخرى، ولكنه لم يبتعد، فى أى حال، عن شغله الشاغل: الدين والأخلاق.